الأربعاء , نوفمبر 20 2024

ماجد سوس يكتب : أحارِسٌ أنتَ لإيمَاني !!

ما يمر به المجتمع المصري حالياً من عنف معنوي ملموس يفوق العنف المادي التي مرت به البلاد في السنوات الأخير. لست أدري من أين أتى علينا هذا التراجع الإنساني، أهي احدى مساويء او تبعات ثورة 25 يناير أم أهي سلبيات التعليم التي ترسبت في عقول الناس منذ أمد بعيد والتي آحاطت بقيم و مثل المجتمع التي كنا نتباهى بها في الماضي و كانت راسخة في وجداننا لوقت قريب .
بكل أسى أقول أن السنوات الأخيرة شكلت نموذج لشخصية مصرية متمردة لاتميز بين الخلاف و الإختلاف ، تأخذ العنف مسلكاً و تخوين الآخر منهجاً ، دون إستخدام آليات مشروعة لممارسة حق الإختلاف والنقد او الحوار الموضوعي البناء .
ربما تكون تلك الآفة قد ضربت المجتمع منذ عهود قريبة نتيجة للتنامي الدائم لنظرية المؤامرة و التخوين المتكاثرة في بيئة ترسخت فيها فكرة الطائفية و العرقية بل والطبقية بصورة غير مسبوقة ، كل هذا متزامناً مع فكرة العيش في جلباب المتسترون و المتاجرون بالدين و الإنقياد خلفهم دون اعمال العقل او تمييز الأفكار و انا هنا بالطبع أخص بالذكر المزيفون المتلاعبون بمشاعر المصريين الدينية من المسيحيين و المسلمين على حد السواء . الذين يفتشون في ضمائر الآخرين و بين سطور كتاباتهم لهرطقتهم أو لتكفيرهم . و انا هنا بالطبع لا أقصد رجال الله الأتقياء المتسربلون بالتواضع و التسامح الحقيقي .
بعد إنتشار السوشيال ميديا و تطورها السريع و من قبله الزخم الإعلامي الشديد أصبح ان تملك قناة سواء عبر الأثير او عبر صفحات الإنترنت أمرا يسيرا لا يكلفك جهدا او مالا كثيراً و ما عليك الا ان تكتب ما تريد و تضغط على زر البحث فتجمع بعض المعلومات ثم تدعي الخبرة و القدرة على التحليل ثم تخرج علينا ببث مباشر مجّاني بعد أن اصبحت كلمة الخبير او المحلل او المفكر او الباحث تطلق على اي شخص بلا اية درجة علمية او سيرة ذاتية حقيقية تعبر عن خبرة مشهودٌ لها من علماء و متخصصين ، بل صارت كل رتبة كنسية او اسلامية او كل من يعمل في الحقل الديني يضع نفسها من درجة العلماء دون جهدٍ أو علم و صارت تكفّر العلماء و تهرطقهم – كما أسلفنا – في وضعٍ مؤسف أعثر الكثيرين.
لقد أصبحت كلمة كافر أو زنديق أو مهرطق تخرج من افواه البعض و كأنها زفير بعد شهيق برغم من أن هذه الكلمة و مرادفاتها لاتخرج سوى من مجامع متخصصة و تحتاج إلى بحث و تحري و محاكمات عادلة مطولة ثم يعقبها إجماع علمي و روحي فبينما كان السلف الصالح يخشى النطق بها خشية الوقوع في دينونة الله ، تجدها الآن أداة في أيدي عبثيين يهدمون جوهر الدين و هم واهمون انهم حماة الإيمان و حافظون له.
فإمتلئت وسائل التواصل الإجتماعي بالعديد من الصفحات و التجمعات التي بلا رقيب أو حسيب ، منها من يزعم أنه حامي الايمان و حارسه ومنهم من يدّعي أنه استلم تعليمه من العظيم فلان فلايقبل من يختلف معه و يرفع تعليم فلان بمستوى التنزيه غير القابل للتغير فيضفي على تعليمه صفات تلهب مشاعر الناس كمصطلحات ثوابت الدين او الإيمان المسلّم لنا أو انها عقيدة راسخة فيتصورون بهذا أنهم يغلون يد الباحثون الحقيقيون ، كما ان هناك من يزعم انه خُوِّل له تثبيت عقيدة الناس او من يؤسس صفحة و يسميها ضد هرطقات فلان او علان وراح الأقزام يقفون أمام عمالقة و صعاليك أمام الملوك مستغلين صمت رجال الله الحقيقيون او تواريهم عن ذاك الجدال العقيم و صار العالِم الحقيقي و الباحث الحق يصمت في هذا الزمان ، يسمع ناقديه و مهاجميه فيدعهم يتساقطون دون ان يدافع عن نفسه وسط تغافل المراقبون و عدم تفعيل اللوائح و القانون.
آه لو يعلم هؤلاء المعثرون انهم يمزقون شعبهم ومجتماعاتهم بل وأوطانهم و أنهم أحد الأسباب الرئيسية في إنتشار ظاهرة الإلحاد و تناميها في مجتمعنا.
هؤلاء يزعمون انهم يملكون الإيمان الصحيح و أولئك يزعمون أنهم يملكون مفتاح الجنة و كما يظهر دواعش الفكر و المنهج في الإسلام يظهر مثلهم في المسيحية و الضحية شبابنا وبناتنا و مستقبل أدياننا الروحي.
فتجد على سبيل المثال لا الحصر من المسلمين من يرفض تهنئة الأقباط في أعيادهم و تجد من الأقباط من يرفض حضور او زيارة كنيسة غير قبطية او المشاركة في التسبيح لله معهم . حجة المسلم مع المسيحي انه مخالف له في العقيدة و حجة القبطي مع البروتستانتي ا، مثلا ، نه مخالف له في العقيدة و تناسى هؤلاء و أولئك أن الإنسانية و محبة الآخر وجدت قبل الأديان و الطائفية و ان من يعمل مع الآخر في المساحة المشتركة بينهما يخلص نفسه و يخلص الآخر فكيف يتمجد إلهي إن لم ير أخي أعمالي ظاهرة أمام عينيه .
أما المتمردون على هذه الظواهر و المستنيرون من كل جانب مضطهدون فإذ ظهر من الجانب الإسلامي شخص مستنير كالدكتور خالد منتصر أو الأستاذ ابراهيم عيسى أو الأستاذة فاطمة ناعوت أتهم بأنه يبيع عقيدته و هذا ما نراه أيضا في الجانب الآخر حين يُحَارب قداسة البابا لأنبا تواضروس الثاني بسبب رغبته في إحتضان الجميع و بناء روابط محبة و صداقة مبنية على الإحترام المتبادل مع جميع الطوائف فتجد هناك من يتهمه ، زيفاً و بهتاناً ، بأنه يفعل هذا على حساب العقيدة .
وتناسى هؤلاء الزاعمون بحراسة الإيمان ، بكل أسى ، قول بولس الرسول “إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئا” و قول يعقوب الرسول إن الإيمان بلا اعمال – المحبة – إيمان ميت فداسوا المحبة بإيمانهم و صارمن حماة الإيمان من هم بلا إيمان.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.