بقلم: د: عبداللطيف مشرف
تعيش الأمة الإسلامية والعربية، حالة من الضعف والمرض، بين الأمم والشعوب، فحقيقة مؤلمة، ليس لنا في السياسة العالمية كلمة، ولا علي مستوى القضية التى تهمنا وتخصنا ، فدوما يملى علينا القرارات والاتفاقيات، ونحن ضيوف شرف، ومن المفروض أن نكون نحن أصحاب القضية، فلا سيساة قوية، ولا اقتصاد قوي، ولا ثقافة مؤثرة، ولا جيل ومجتمع بناء ذا خلق وقيم، وأصحاب مسؤولية، فلنسأل جميعا، ما الذى أصابنا ؟، ما هى حالة النوم العميق التى أصابتنا جميعا ؟، ونحن نمتلك القوة الحضارية من لغة وعرق وعقيدة، ونحن نمتلك كافة الموارد الطبيعية والثروات المعدنية ، ونحن نمتلك البحار والمحيطات، والموقع المتوسط، ما الذى حدث ؟، كان لنا عزة، والآن لا نمتلك قرارنا، ولا حتى غذاءنا ودواءنا ولا حتى سلاحنا، وفي وقت من الأوقات كنا أمة تركع ملوك الأرض أمام شبابها قبل كبرائها، نمتلك الأرض من مشارقها إلي مغاربها، فكانت أمتنا من الصين شرقا إلي الأطلسي غربا، ومن الأندلس شمالاً إلي المحيط الهندى جنوبا………
فالسؤال يبقى، ما هو السبب فى تراجعنا وضعفنا؟ هل هو الدين كما يقول البعض ؟؛
هل ضعف الإمكانيات والموارد البشرية ؟؛ هل لا يوجد لدينا خيرات وثروات ؟؛
الإجابة لا ، فنحن نمتلك كل شىيء ولكن لا نمتلك الحاكم والإدارة صاحبة الحلم والخلق، والتى تأخذ من سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم، الدروس والعبرة.
فتعال نجب علي سؤال كيف نبنى دولة من البدائية والصراع، إلي العالمية والانسجام ؟.
الإجابة في قول الله تعالى : ” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” (الأحزاب 21).
ذهب الرسول إلي مجتمع المدينة المنورة، حيث الصراع والحرب الدائرة، رغم ما تملكه المدينة من موارد زراعية وخيرات، وصراع طبقى وطائفى، بين الأوس والخزرج، والعرب واليهود، فكان سبب في ضياع الخير كله، فحط مكان الخير الكراهية والبغضاء والعصبية، وما هو أشبه الحال بحالنا الآن، فكيف تصرف الرسول صلي الله عليه وسلم ؟، وكيف بني دولة قوية؟، تنافس أقوى امبراطوريتين الروم والفرس، بعد أن كان الصراع والبدواة هي السمة الغالبة، فأول اهتمام للنبى كان:
– التعليم والتفقه في الدين، ومركزا للحكم في الشؤون السياسية والحربية، وإيواء للفقراء والمهاجرين فكان أول بناء المسجد، فهنا إشارة واضحة يقول لأمته أن أول الأشياء للبناء هو التعليم ثم التعليم الصحيح الذى يبنى جيل مسؤول وصاحب هدف.
– ثاني خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم، كيف يبنى مجتمع مترابط يترك الخلاف والعصبية والحزبية ؟، والقتال فيما بينهم، حتى أن آخر حرب بين الأوس والخزرج كانت يوم بعاث، فالأمر صعب، حتى أن زادهم المهاجرين فصيل آخر، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ليحدث انسجام وأخوة، ليتفرغوا للبناء وليس للصراع، فيجدون قوت يومهم، فيقول النبي لأمته كونوا أمة واحدة، انتفضوا لبعضكم بعضا وخافوا علي إخوانكم وكونوا إيواء لهم عند الشدائد فيحدث الولاء للوطن والأمة.
– ثالث الخطوات وضع الرسول صلى الله عليه وسلم صحيفة المدينة: لأن مع المسلمين عدو ماكر وذكى هم اليهود، فتعامل النبى صلى الله عليه سلم معه بأخلاق ودبلوماسية، وعند الخطأ كان حازما، فلا يندد ولا يجتمع باجتماع طارىء ولا غيره، حيث أنه واضح من البداية، بطريقة واضحة وصريحة ، الحقوق والواجبات لكل فصيل، ولكل فرد، حتى لا يجد أحد مدخل ليتدخل في سياستنا ويلوم، وعند الغدر كان الحزم في التعامل، فعلمنا النبي التعامل بدبلوماسية وحزم مع عدو ماكر وغير واف بالعهود، ولقد أعطانا النبى صلى الله عليه وسلم الطريقة العملية والمثلى مع عدو وماكر يعيش بيننا ويغتصب قدسنا الآن.
– رابع الخطوات : هو البناء الاقتصادي ، حيث أهل المدينة يعملون بالزراعة والصناعة ،فأما المهاجرين لا يعرفون الزراعة والصناعة، بل يعرفون التجارة، وأصبحوا فئة موجودة داخل المجتمع فكان تحدي ، إما توفير عمل لهم، وإما بطالة وفراغ، ومن ثم عدم استقرار وعودة لمكة، فكان الحل فتح الأسواق لهم، فينجحوا في البيع والشراء فتزيد القوة الاقتصادية لأهل المدينة ويتفوقوا علي اليهود، ولا يصبحوا بحاجة لهم، ودعا لإصلاح الأرض البور وقال صلي الله عليه وسلم، من أصلح أرض فهي له، دعوة لإصلاح الصحراء الواسعة فى جميع بلدان العرب فثروة مهجورة لا يستفيد منها الفرد ولا المجتمع، رغم أنه من الممكن من خلال هذا التطبيق نوفر غذائنا، ونقضىي علي بطالة قاتلة، فتكون سبب في الانهيار المجتمعي والتفكك، وسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية صعبة الحل، فحلها لنا نبينا الكريم بطريقة سهلة وعملية ومبدأ مهم فى البناء الاقتصادي.
– خامس الخطوات : بناء القوة العسكرية : حيث قام بتدريب شباب المسلمين، علي السيف الرمح وركوب الخيل، ليصنع جيش وجيل مسؤول ذو أخلاق وقيم، ليدافع عن المدينة واقتصادها، فالاقتصاد الذى ليس لديه قوة تحميه فمن السهل أن ينهار، والمجتمع الذي ليس لديه جيش تربى علي عقيدة وخلق ومسؤولية، من السهل وقوع المدينة، ودخول الأعداء داخل أراضيها، فيدمر كل ما تم بناؤه في سنين خلال لحظات……..
أما نحن الآن نبني عكس ما علمنا نبينا كيفية البناء لدولة عالمية ، فنترك الأهم، ونبدأ من آخر ما بدأ النبي به، فنترك التعليم ونبدأ من آخر الهرم البنائي للدول، حيث نهتم بالبناء العسكرى ونترك البداية فى البناء، رغم الكل مهم وضرورى جدا، ولكن البداية الحسنة، تساوى نهاية حسنة، فكيف لبناء أن يقاوم العواصف والتقلبات المناخية ؟، وهو بدون أعمدة رأسية راسخة في الأرض، فدعوة لبناء أمتنا وأوطاننا كما علمنا النبى صلى الله عليه وسلم، لا كما علمنا الغرب وعلماؤه، وأوهمونا أن نحتاج لثلاثين عام لبناء جيل، فمن هنا نوفر الجهد والوقت والطاقات المهدورة، ونبني بناء سليم وصحيح يقاوم كل التقلبات والتغيرات المكانية والسياسة، بصمود ومسؤولية وخلق وعلم وأمانة، ولكم في الرسول عبرة أيها الحكام والمسؤولين…..