محمد السيد طبق
دعا محمد علي زعماء المماليك إلى القلعة بحجة انه سوف يقيم حفلاً لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابين، وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل ركن من اركان مصر من مشرقها إلى مغربها ولم يشك زعماء المماليك في نية محمد علي بل استعدوا وارتدوا الملابس الرسمية استعداداً للحفل وهم لا يعلمون أنه سوف يكون آخر يوم لهم في الحياة.
وفى مثل هذا اليوم 1 مارس وبالتحديد يوم الجمعة الموافق 1 مارس1811) استعد (محمد علي) للحفل وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون على أحصنتهم وبعد أن انتهى الحفل الفاخر دعاهم محمد علي لكي يمشوا في موكب الجيش الخارج للحرب
وإليكم المشهد لما حدث قبل بدء المذبحة بالحظات
يتقدم الموكب جيش كبير كبير من الأحصنة التي يركبها جيش محمد علي بقيادة ابنة (إبراهيم بك),ثم طلب محمد علي من المماليك أن يسيروا في صفوف الجيش لكى يكونوا في مقدمة مودعيه ,بالطبع نحن نعلم أن أرض القلعة الآن ليست مثل عام 1811 فكانت الأرض غير ممهدة ويصعب السير عليهاوأيضا كانت الرؤية صعبة ومحجوبة على أمراء المماليك الذين كان يسير أمامهم جيش كبير من الرجال
وفى هذه اللحظة خرج الجيش من باب القلعة وأغلقت الأبواب أماالحراس الذين كانوا يعطون ظهورهم للمماليك استداروا لهم وانطلقة رصاصة في السماء، ولم ينتبه المماليك إلا بعد فوات الاوان !
– فقد كانت هذه هي الإشارة لبدء مذبحة لم ينسها التاريخ يوماً, وانهال الرصاص من كل صوب وحدب على المماليك.
والسر وراء اختيار باب “العزب” لتكون مسرحا لمذبحة القلعة والتي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة رجل من رؤوس المماليك وأعيانهم هو أن الطريق الذي يؤدى إلى باب العزب ما هو إلا ممر صخرى منحدر تكتنفه الصخور على الجانبين، حيث لا مخرج ولا مهرب، لقد كان الأمر خدعة انطلت على المماليك ونفذتها مجموعة من جنود محمد على بإحكام، ففى ذلك المكان وكما جاء في كتاب “تاريخ عصر المماليك” لعبد الرحمن الرافعى قام محمد علي بدعوة أعيان المماليك إلى احتفال كبير بمناسبة تنصيب ابنه طوسون على رأس حملة متجهة إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وقد لبى المماليك الدعوة وركبوا جميعا في أبهى زينة وأفخم هيئة، وكان عدد المدعوين حينها يزيد على عشرة آلاف شخص من كبار القوم ومختلف الطوائف، وسار الاحتفال على ما كان عليه الحال حينها في مثل هذه المناسبات من طعام وغناء إلى أن نادى المنادي برحيل الموكب، فعزفت الموسيقى وانتظم قرع الطبول، عندئذ نهض المماليك وقوفاً، وبدأ الموكب يسير منحدراً من القلعة، وكان يسبق المماليك كوكبة من جنود محمد علي ومن ورائهم كان يسير جنوده الفرسان والمشاة وعلى إثرهم كبار المدعوين من أرباب المناصب المختلفة.
سار الموكب منحدراً إلى باب العزب، ولم يكد هؤلاء الجنود يصلون إلى الباب حتى ارتج الباب الكبير وأقفل من الخارج في وجه المماليك وتحول الجنود بسرعة عن الطريق، وتسلقوا الصخور على الجانبين، وراحوا يمطرون المماليك بوابل من الرصاص، أخذت المفاجأة المماليك وساد بينهم الهرج والفوضى، وحاولوا الفرار، ولكن كانت بنادق الجنود تحصدهم في كل مكان، ثم انهالت الطلقات مدوية من أمامهم ومن خلفهم ومن فوقهم تحصد أرواحهم جميعاً بلا رحمة، حتى قيل أن عدد القتلى في هذه الواقعة قارب الخمسمئة ومن نجا منهم من الرصاص فقد ذُبِح بوحشية،فقد سقط المماليك صرعى مضرجين في دمائهم، حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ولم ينج ــ كما يقال ــ من هذه المجزرة سوى أمين بك الذي هرب بحصانه من فوق أسوار القلعة،واختلف حوله المؤرخون فقيل أنه كان في مؤخرة الركب لما شعر ببداية إطلاق النار قرر الفرار إلا أنة لم يكن أمامه سوى سور القلعة لذلك أخذ فرسه وقفز به 20 متر من فوق سور القلعة وسقط حتى اقترب من الأرض قفز من فوق حصانة ليترك حصانة يلقى مصيره بينما هو نجى واتجه بعدها إلى بلاد الشام.
وصل خبر تلك المذبحة إلى الجماهير المحتشدة في الشوارع لمشاهدة الموكب فسرى الذعر بينهم، وتفرق الناس، وأقفلت الدكاكين والأسواق، وهرع الجميع إلى بيوتهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة، وسرعان ما انتشرت جماعات من الجنود الأرناؤوط في أنحاء القاهرة يفتكون بكل من يلقونه من المماليك وأتباعهم، ويقتحمون بيوتهم فينهبون ما تصل إليه أيديهم، وتجاوزوا بالقتل والنهب إلى البيوت المجاورة.
وكثر القتل، واستمر النهب، وسادت الفوضى ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت، ولم يتوقف هذا إلا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة، وتمكن من السيطرة على جنوده وأعاد الانضباط.. وهكذا استطاع محمد علي الانفراد بالحكم.
علاقة مذبحة القلعة بالدرب الأحمر
ترجع تسمية شارع الدرب الأحمر بهذا الاسم إلى أشهر قصة وحكاية في تاريخ الشارع، وهي مذبحة القلعة، حيث يذكر المؤرخون أن دماء القتلى أغرقت المكان، واندفعت إلى الطريق المجاور لباب العزب حيث لقي المماليك مصرعهم، وعلى الرغم من أوامر محمد علي لجنوده بغسل الطريق، إلا أن لون أرضه ظل أحمر من كثرة الدماء التي التصقت بالأرض، وهو ما جعلهم يطلقون عليه اسم “الدرب الأحمر”، الذي لا يزال أحد أشهر المناطق الشعبية المصرية حتى الآن.
وتبقي مذبحة القلعة صرخة في ضمير مصر ودماء لم تجف بعد علي ترابها الذي ارتوي كثيرا في ذلك التاريخ الذي حصد شهد مصرع أحفاد دولة مهما اختلفنا عليهم فقد شهدت مصر معهم حقبة رائعة ومجدا وتاريخا ماذال حاضرا حتي وإن أغتيل غدرا في مثل هذا اليوم