الخميس , ديسمبر 26 2024

أوراق من تاريخ مصر .

محمد السيد طبق
حين اشتدت وطأة المرض على والى مصر محمد سعيد باشا ,نصحه أطباء أوربا بالعوده إلى بلاده ليلفظ فيها أنفاسه , بدلاً من (البهدله) فى بلاد الفرنجه , واستجاب سعيد لنصيحة اطبائه , وعاد إلى قصره بالأسكندريه ينتظر ملك الموت بين لحظة وأخرى ! , ولم يكن اسماعيل وريثه على العرش – أقل استعجالاً لنهاية عمه , حتى يستريح من الآلام المبرحة , ويقفز هو إلى عرش المحروسة , وذاعت أخبار احتضار الوالى فى انحاء البلاد , وبدأت الأنظار تنصرف عن الشمس الغاربه فى مياه الإسكندرية , وتتجه نحو قلعة القاهرة , حيث يقيم الوالى المنتظر , واخذت زرافات المنتفعين والوصوليين ومحترفى السلطة تتحرك نحو القلعة , ترقب النجم الصاعد , وتحجز لنفسها مكاناً فى دولة اسماعيل المقبلة .
وكان من عادة ذاك الزمان , أن يتعطف الحاكم الجديد بالإنعام برتبة البكويه على اول شخص يحمل أليه نبأ الولاية !! , أو برتبة الباشوية أن كان يحمل رتبة البكوية ! , فضلاً عن صرة من العملات الذهبية , وكان رئيس مكتب التلغراف بالقاهرة ويدعى ( بسى بك ) يعرف هذا التقليد , فكان أشد الناس تحرقاً إلى نبأ موت الوالى سعيد !! , فيكون أول من يزف النبأ السعيد بموت سعيد إلى اسماعيل !! , وظل الرجل مرابطاً فى مكتبه لايغادره ليلا ولا نهاراً , وبين الحين والىخر يتصل بزميله رئيس مكتب تلغراف اسكندريه يستعجله الخبر ! , ومرت الأيام والليالى والمسكين لايذوق طعم النوم حتى أوشك على الأنهيار , ثم خطر له أن يتمدد بضع دقائق , يختطف فيها قسطاً من الراحة , حتى يتمكن من مواصلة العمل , فاستدعى معاونه وكان رجلاً خبيثاً وقال له :
أنت تعرف ياعزيزى أهمية خبر وفاة الوالى وتعرف أنه سيعود علينا بالخير العميم !!
رد المعاون قائلاً فى بلاهة : أجل أعرف ياسيدى!! ..
ثم قال بسى بك : وتعلم أننى لم أذق طعم النوم منذ أيام
رد المعاون : أجل اعلم
قال بسى بك : إذن سأدخل إلى مكتبى لاغفوا قليلاً .. إذا جاء النبأ السعيد , فما عليك إلا أن توقظنى فوراً , وستكون لك عندى مكافاة 500 فرنك ..قبل المعاون العرض
ودخل بسى بك إلى مكتبه , وهو بملابس الشغل , فاستلقى على أريكه جلديه قديمة , وراح فى سبات عميق , وماهى إلا دقائق , حتى تلقى المعاون نبأ موت سعيد !! , فامسك بالبرقية وفتح باب غرفة رئيسه , فوجده يغط فى النوم ! , وأصوات شخيره تزلزل أركان الغرفة !! , فأوصد عليه الباب وانطلق من فوره إلى القلعة ! , وكشف للحراس عن مهمته ! , فذهبوا به إلى القصر وأدخله رجال البلاط إلى القاعة الرئيسية حيث كان اسماعيل يترقب وصول النبأ السعيد ! , وتقدم معاون التلغراف جاثياً على ركبتيه , وهو يرفع البرقية إلى الوالى الجديد , فما أن قرأها اسماعيل حتى طفرت من عينيه دموع الفرح !! , وسقطت البرقية من يده فالتقطها المعاون وهو لابزال جاثيا على ركبتيه فى انتظار المكافأة , وأقبل رجال البلاط والحاشية بزفون التهانى إلى ولى النعم ! , وتلفت اسماعيل فوجد المعاون لايزال جاثيا شاهراً البرقية فى يده .. فتبسم ضاحكاً من إصراره وقال له : أنهض يا ” بك ” !! .. ونهض المعاون .. وقدم له أحد رجال القصر الصرة الذهبية فأخذها .. ثم غادر القصر عائداً إلى مكتب التلغراف , وتذكر المكافاة الموعوده من رئيسه , وبلغ به الجشع أن يرفض التغاضى عنها , بالرغم من أنه أصبح من حملة العملات الذهبية , فدخل على بسى بك وأيقظه من نومه , وقدم أليه البرقية , وكانه تلقاها على التو!! , ونهض الرجل وهو يهتز طرباً , وانهال على معاونه تقبيلاً , وهم بالخروج فى طريقه إلى القلعة , ولكن المعاون ذكره بالمكافأة , فأخرج بسى بك كل مافى جيبه من نقود مصريه وتركيه وفرنسية , ودسها فى جيب المعاون !! , وانطلق من فوره إلى القلعة والبرقية فى يده وهو يمنى نفسه برتبة الباشوية , وبالصرة التى سترفعه من زمرة الموظفين التعساء إلى صف الموسرين السعداء ! , ولكن ما ان بلغ مشارف القلعة حتى سمع دوى المدافع بتولية اسماعيل !! , وبهت المسكين , وأقترب من أحد رجال القصر يستفسره النبأ ! , فأبلغه بما حدث من معاونه , وصعق الرجل من هوا الخيانة التى ارتكبها معاونه , وقفل عائدا إلى مكتبه حزينا كسيفا , ناقما على الرجل الذى خدعه مرتين :
مرة عندما انفرد بصرة الذهب .. ومره عندما سلب منه المكافأة التى لايستحقها , فلما بلغ المكتب , وحاول تعنيف معاونه الخبيث , حذره الاخير من التطاول عليه باعتباره ( زميل ) ويحمل نفس الرتبة التى يحملها هو !! , فقد تساوت الرءوس ( ومفيش حد أحسن من حد ) .. واستفاق الرجل من هو الصدمه .. وأخذ يلعن نفسه لأنه ” وضع ثقته بإنسان ليس اهلا للثقة

شاهد أيضاً

الغرب ورحلة البحث عن خائن مصرى

أشرف حلمى مازالت المؤامرة علي مصر مستمرة منذ السبعينيات بقيادة دول الغرب بالتعاون وخيانة بعض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.