محمد السيد طبق
حين اشتدت وطأة المرض على والى مصر محمد سعيد باشا ,نصحه أطباء أوربا بالعوده إلى بلاده ليلفظ فيها أنفاسه , بدلاً من (البهدله) فى بلاد الفرنجه , واستجاب سعيد لنصيحة اطبائه , وعاد إلى قصره بالأسكندريه ينتظر ملك الموت بين لحظة وأخرى ! , ولم يكن اسماعيل وريثه على العرش – أقل استعجالاً لنهاية عمه , حتى يستريح من الآلام المبرحة , ويقفز هو إلى عرش المحروسة , وذاعت أخبار احتضار الوالى فى انحاء البلاد , وبدأت الأنظار تنصرف عن الشمس الغاربه فى مياه الإسكندرية , وتتجه نحو قلعة القاهرة , حيث يقيم الوالى المنتظر , واخذت زرافات المنتفعين والوصوليين ومحترفى السلطة تتحرك نحو القلعة , ترقب النجم الصاعد , وتحجز لنفسها مكاناً فى دولة اسماعيل المقبلة .
وكان من عادة ذاك الزمان , أن يتعطف الحاكم الجديد بالإنعام برتبة البكويه على اول شخص يحمل أليه نبأ الولاية !! , أو برتبة الباشوية أن كان يحمل رتبة البكوية ! , فضلاً عن صرة من العملات الذهبية , وكان رئيس مكتب التلغراف بالقاهرة ويدعى ( بسى بك ) يعرف هذا التقليد , فكان أشد الناس تحرقاً إلى نبأ موت الوالى سعيد !! , فيكون أول من يزف النبأ السعيد بموت سعيد إلى اسماعيل !! , وظل الرجل مرابطاً فى مكتبه لايغادره ليلا ولا نهاراً , وبين الحين والىخر يتصل بزميله رئيس مكتب تلغراف اسكندريه يستعجله الخبر ! , ومرت الأيام والليالى والمسكين لايذوق طعم النوم حتى أوشك على الأنهيار , ثم خطر له أن يتمدد بضع دقائق , يختطف فيها قسطاً من الراحة , حتى يتمكن من مواصلة العمل , فاستدعى معاونه وكان رجلاً خبيثاً وقال له :
أنت تعرف ياعزيزى أهمية خبر وفاة الوالى وتعرف أنه سيعود علينا بالخير العميم !!
رد المعاون قائلاً فى بلاهة : أجل أعرف ياسيدى!! ..
ثم قال بسى بك : وتعلم أننى لم أذق طعم النوم منذ أيام
رد المعاون : أجل اعلم
قال بسى بك : إذن سأدخل إلى مكتبى لاغفوا قليلاً .. إذا جاء النبأ السعيد , فما عليك إلا أن توقظنى فوراً , وستكون لك عندى مكافاة 500 فرنك ..قبل المعاون العرض
ودخل بسى بك إلى مكتبه , وهو بملابس الشغل , فاستلقى على أريكه جلديه قديمة , وراح فى سبات عميق , وماهى إلا دقائق , حتى تلقى المعاون نبأ موت سعيد !! , فامسك بالبرقية وفتح باب غرفة رئيسه , فوجده يغط فى النوم ! , وأصوات شخيره تزلزل أركان الغرفة !! , فأوصد عليه الباب وانطلق من فوره إلى القلعة ! , وكشف للحراس عن مهمته ! , فذهبوا به إلى القصر وأدخله رجال البلاط إلى القاعة الرئيسية حيث كان اسماعيل يترقب وصول النبأ السعيد ! , وتقدم معاون التلغراف جاثياً على ركبتيه , وهو يرفع البرقية إلى الوالى الجديد , فما أن قرأها اسماعيل حتى طفرت من عينيه دموع الفرح !! , وسقطت البرقية من يده فالتقطها المعاون وهو لابزال جاثيا على ركبتيه فى انتظار المكافأة , وأقبل رجال البلاط والحاشية بزفون التهانى إلى ولى النعم ! , وتلفت اسماعيل فوجد المعاون لايزال جاثيا شاهراً البرقية فى يده .. فتبسم ضاحكاً من إصراره وقال له : أنهض يا ” بك ” !! .. ونهض المعاون .. وقدم له أحد رجال القصر الصرة الذهبية فأخذها .. ثم غادر القصر عائداً إلى مكتب التلغراف , وتذكر المكافاة الموعوده من رئيسه , وبلغ به الجشع أن يرفض التغاضى عنها , بالرغم من أنه أصبح من حملة العملات الذهبية , فدخل على بسى بك وأيقظه من نومه , وقدم أليه البرقية , وكانه تلقاها على التو!! , ونهض الرجل وهو يهتز طرباً , وانهال على معاونه تقبيلاً , وهم بالخروج فى طريقه إلى القلعة , ولكن المعاون ذكره بالمكافأة , فأخرج بسى بك كل مافى جيبه من نقود مصريه وتركيه وفرنسية , ودسها فى جيب المعاون !! , وانطلق من فوره إلى القلعة والبرقية فى يده وهو يمنى نفسه برتبة الباشوية , وبالصرة التى سترفعه من زمرة الموظفين التعساء إلى صف الموسرين السعداء ! , ولكن ما ان بلغ مشارف القلعة حتى سمع دوى المدافع بتولية اسماعيل !! , وبهت المسكين , وأقترب من أحد رجال القصر يستفسره النبأ ! , فأبلغه بما حدث من معاونه , وصعق الرجل من هوا الخيانة التى ارتكبها معاونه , وقفل عائدا إلى مكتبه حزينا كسيفا , ناقما على الرجل الذى خدعه مرتين :
مرة عندما انفرد بصرة الذهب .. ومره عندما سلب منه المكافأة التى لايستحقها , فلما بلغ المكتب , وحاول تعنيف معاونه الخبيث , حذره الاخير من التطاول عليه باعتباره ( زميل ) ويحمل نفس الرتبة التى يحملها هو !! , فقد تساوت الرءوس ( ومفيش حد أحسن من حد ) .. واستفاق الرجل من هو الصدمه .. وأخذ يلعن نفسه لأنه ” وضع ثقته بإنسان ليس اهلا للثقة
الوسوممحمد السيد طبق
شاهد أيضاً
الغرب ورحلة البحث عن خائن مصرى
أشرف حلمى مازالت المؤامرة علي مصر مستمرة منذ السبعينيات بقيادة دول الغرب بالتعاون وخيانة بعض …