الإثنين , ديسمبر 23 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

رجل آخر

غادرت مكتبه وهو يدرك أنها تشاركه نفس السعادة…سعادة اللقاء وعودة الحب القديم، لم يكن يتخيل أن يلتقيا ثانياً بعد كل هذه السنوات وهو الذى ظن أن شمس حبهما قد أفلت ولم يعد لها وجود، ولكن ها هو حبه القديم يتجدد ويعود أقوى وأجمل مما كان.

ذهب بخياله بعيداً يسترجع تلك الأيام التى رفض أن يتذكرها لسنوات فقد كانت ذكراها بمثابة إيقاظ لجرح غائر فى قلبه، أما الآن فقد إختلف الأمر وصارت ذكرى حلوة المذاق…ولم لا وهو على أعتاب تحقيق حلم حياته والارتباط بمن تعلق بها قلبه.

أراح ظهره على المقعد الوثير فى مكتبه الأنيق والذى يدل على ثراء صاحبه وسمو ذوقه وسرح مجتراً ذكريات الجامعة- وبالتحديد – يوم تخرجهما وقد إتفقا على إتمام قصة حبهما بالنهاية الطبيعية….الزواج. كان هو وقتها قد ضمن وظيفة لا بأس بها كمهندس فى رئاسة الحى بمنطقة شمال المدينة، وكم عانى وتسول الوسائط بل وحارب لكى يحصل على تلك الوظيفة التى حسده أقرانه عليها فى ذلك الزمان، إعتدل فى جلسته وقطب جبينه وبدت على وجهه علامات الحزن وهو يتذكر زيارته لوالدها ليطلب يدها بصورة رسمية ثم عودته خائباً بعد رفض طلبه رفضاً تاماً والسبب…..

قلة إمكانياته من وجهة نظره وإنعدامها بحسب رأى والدها. وعلى الرغم من توقعه ذلك الرفض لكنه كان واثقاً من قدرته على إقناعه بمجموعة من الجمل المنتقاة عن الكفاح والأمل وبناء الأسرة على أساس من الحب لكنه- امام صرامة الأب وعبوسه – خانته الكلمات وزاغت منه وسائل الاقناع وأحس وكأنه فأر فى مصيدة رجل تصقله الخبرات والتجارب ولم لا وهو رجل عسكرى حصل على رتبة اللواء قبل أن يبلغ الخمسين.

فى الكافيتريا كان اللقاء الأخير أخبرته أن أبيها طلب منها أو أمرها أن تقطع علاقتها به وأخبرته أيضاً بأن هناك من جاء ليطلب يدها…ليصلا معاً لخط النهاية لعلاقة كُتب عليها أن تفشل وتتحول الى فصل من فصول قصص الحب الجامعية الفاشلة. وإفترقا…ولم يرها لكن كانت تأتيه بعض أخبارها أهمها على الاطلاق كان خبر فسخ خطوبتها…فراوده الأمل من جديد ثم سرعان ما تبدد بخبر آخر عن خطبتها لرجل آخر.!!! وتمر سنوات ثلاث لم يرها خلالها ولم يسمع عنها، بعدها جاءته فرصة عمره بعقد عمل فى إحدى الدول الخليجية فقبلها على الفور وهناك قضى من السنوات سبع فى عمل مستمر هدفه الأوحد زيادة رصيد حسابه البنكى والذى كان قد فتحه وهو مازال يعمل فى وطنه. ثم أخيراً عاد وقد تضخم رصيده بصورة تفوق ما تمناه، وأصبح لديه كل ما كان يخشى أن يحلم به..

فيللا فاخرة وأخرى فى المصيف، مكتب أنيق للإستشارات الهندسية بمهندسيه وموظفيه وطاقم السكرتارية وفراشيه بالاضافة الى الأعمال الغير منتهية والتى تزداد مع النجاح المستمر الذى جعل منه المكتب الهندسى الأشهر فى المدينة الكبيرة. وبمصادفة غريبة -كالأفلام الرومانسية القديمة- وجدها أمامه كممثلة لاحدى الشركات التى تتعامل مع مكتبه وتقع عيناه على أصابعها الخالية ويسألها فتجيبه بأن الخطبة الفاشلة تكررت لأربع مرات..والسبب ؟

سألها فأجابت ” لأنى أحب رجلاً آخر” عاود سؤالها ان كان هو الرجل الآخر فأطرقت خجلاً . سألها عن والدها فعلم أنه تقاعد لكنه أسس شركة خاصة للحراسات الأمنية. لم يضيعا وقتاً واتفقا على كل شىء ثم عادا لنقطة البداية فى وجوب أن يلتقى بوالدها ليطلبها رسمياً، لكنهما اتفقا على أن موقف اليوم يختلف تماماً عن موقف الأمس.

وبالفعل التقى والدها الذى رحب به لكنه طلب منه إمهاله بعض الوقت للسؤال عنه!!!!! دارى إبتسامته ولم يشأ أن يناقشه فيكفى أن يقرأ الصحف أو يشاهد التليفزيون أو يجالس رجال الأعمال أو يسأل رجال المجتمعات الراقية ليعلم من هو. وطال انتظاره أسبوعاً تحدث خلاله مع فتاته أكثر من مرة فكانت تجيبه بأن والدها يجمع معلومات عنه…إستشاط غضباً وتذكر أحد أصدقائه المقربين والذى يحمل رتبة عقيد وقد عمل تحت رئاسة والد فتاته قبل تقاعده فوسطه ليعرف ماذا يدور هناك وماذا يفعل ذلك المخرف..هل يظن أنه لا يزال فى الخدمة؟

ضحك صديقه العقيد وقال مداعباً “عيب تقول ان حماك مخرف…دع الأمر لى وسأوافيك بكل شىء”. ومر أسبوع وجاء العقيد الوسيط فسأله متلهفاً ” هل أنهى تحرياته عنى” -الأمر ليس هيناً يا عزيزى قال مندهشاً ماذا تعنى أجابه العقيد ” قابلت طلعت بك وسمعت حديثاً عن عملك القديم فى الحى…فى إدارة التراخيص وكلام عن قبولك رشاوى وترددك على البنوك وأنت مازلت موظفاً صغيراًوتحويلك للتحقيق الادارى.رد مقاطعاً كذب..تخاريف.شائعات وأحقاد هل يظن نفسه لواء فى المخابرات؟

لماذا ينبش فى الماضى البعيد؟ -إهدأ يا عزيزى فالرجل لم ينته من تحرياته بعد. نزل قوله كالصاعقة -ماذا تقول؟ تحريات أخرى؟ رجل مجنون..- إهدأ وأصبر أسبوعاً آخر. ولم يكن أمامه سوى أن يهدأ ويصبر. أسبوع مر حاولت فتاته أن تمتص غضبه خلاله بعدها أتاه الصديق الوسيط بأخبار جديدة ..سأله وهوبالكاد يكتم غيظه “ايه الأخبار؟” تردد صاحبه ثم قال ” كلام يُقال عن شقة مفروشة تملكها بناءاً واثاثاً ..تملكتها أثناء عملك فى الخليج” – وماذا فى هذا ..إستثمار…أضاف الصديق ” وكل من سكن فيها أخوة من الأثرياء العرب ولا

أحد يعلم إن كنت قد تقاضيت منهم إيجاراً أوكانت على سبيل المجاملة المجهولة الأسباب” هب واقفاً وهو ينتفض غضباً ” إنها تلميحات بذيئة غير مقبولة أنا..سوف أصرف النظرعن الموضوع..بهذه الطريقة سأخفق فى الزواج ولن يبقى لى سوى سوء السمعة. – إهدأ يا عزيزى فسألتقى الرجل فى الأسبوع القادم…لنرى ما سوف يحدث.

ومضى أسبوع آخر قضاها الرجل فى كوابيس تحريات اللواء السابق ونبشه فى أمور ظن أن الأيام طوتها إلى الأبد….وأتى الوسيط فبادره..: الجوازة باظت؟” ضحك الصديق – طلعت بك ينتظرك لتحديد موعد الخطبة وتقديم الشبكة فهو يرى أنك الرجل الأنسب لهذا الزمان .!!!! أذهلته المفاجأة أخرج تليفونه …”أخيراً حبيبتى تحقق الحلم …لقد وافق والدك.” – جاء صوتها هادئاً لا يتناسب مع الحدث سألته ” هل المعلومات التى جمعها والدى عنك صحيحة؟” تلعثم قليلاً وأجابها ” بعضها مبالغ فيه وأخرى ليست حقيقية بالمعنى الصحيح ولكن…” قاطعته – أنا آسفة ولكنى لن أستطيع إتمام الزواج. “كيف ولماذا؟” – أنت لم تعد أنت…. ..والحقيقة هى أننى أحببت رجلاً آخر يختلف تماماً عن ذلك الذى اراه امامى..

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.