أشارت توقعات محللين والخبراء إلى أن الدولار في طريقه للانخفاض بشكل تدريجي خلال الشهور المقبلة، مع تحسن التدفقات الدولارية القادمة من الخارج، سواء في شكل قروض أو استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة.
وقالت ريهام الدسوقي، كبير محللي الاقتصاد في بنك استثمار أرقام كابيتال الإماراتي، إنها تتوقع انخفاض الدولار إلى ما يتراوح بين 15 و16 جنيها بنهاية العام المالي الجاري (في يونيو)،.
وأضافت المحللة “سعر الدولار الحالي مرتفع نتيجة المضاربة عليه قبل التعويم، ولا يعبر عن قيمته الحقيقية التي تقل كثيرا عن هذا المستوى”.
وقالت ريهام إن المستوى الذي يمكن أن ينخفض إليه الدولار في الشهور المقبلة يتوقف على حجم التدفقات من العملة الصعبة التي ستتلقاها مصر خلال الفترة المقبلة، سواء في صورة استثمار مباشر أو من خلال طرح شركات وبنوك حكومية في البورصة.
أقرىء أيضا الدولار يبدأ رحلة الهبوط
واتفق عمر الشنيطي، الخبير الاقتصادي، والمدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار، مع رأي ريهام، متوقعا أن يهبط الدولار بشكل تدريجي خلال الأسابيع المقبلة ليتراوح بين 15.5 و16.5 جنيه خلال شهر مايو أو يونيو المقبل.
وتتوقع رضوى السويفي رئيس قسم البحوث في بنك استثمار فاروس، أن يتراجع الدولار ولكن بداية من العام المقبل، “توقعاتنا في فاروس أن الدولار سيصل في المتوسط إلى 18.20 جنيه في 2017، وسينزل بعد ذلك إلى 17.70 جنيه في 2018”. ويدور سعر الدولار حاليا في البنوك الحكومية والخاصة حول مستوى 17.80 جنيه، بعد أن كان لامس مستوى 20 جنيها عقب ما يزيد على شهر من قرار التعويم.
وظل الدولار عند مستوى 8.88 جنيه في البنوك منذ مارس وحتى تحرير سعر الصرف في نوفمبر من العام الماضي، رغم أنه وصل قبلها إلى ضعف هذا السعر في السوق السوداء. وتعني توقعات أغلب المحللين أن السعر الذي يتداول به الدولار حاليا ربما هو الأنسب لبيعه لمن يدخره ويحتاج لعائد الاستثمار فيه في المدى القريب، أما من يدخره كاستثمار على مدى أطول فإن التوقعات تشير إلى أنه سيعاود الارتفاع مجددا في المدى المتوسط.
أقرىء أيضا توقعات سعر الدولار فى نهاية 2017
التحسن المتوقع في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار على المدى القريب مرهون بقدرة خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي، التي تنفذها ضمن برنامج اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي، على إقالة الاقتصاد من عثرته، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التصدير.
وقال شريف عثمان، الخبير المصرفي، إن سعر الدولار من الممكن أن ينخفض إلى ما بين 15.5 و16 جنيها في أواخر شهر مارس أو أوائل أبريل، “وسيكون هذا ارتفاعا قويا في قيمة الجنيه في ظل الظروف الحالية”. لكن عثمان رهن هذا الانخفاض باستقرار الوضع الأمني والسياسي “هذا الانخفاض متوقع إذا لم تحدث كوارث كحادث إرهابي كبير، أو اندلاع حرب في المنطقة أو تصاعد الخلاف مع السعودية”.
ويقول هشام الشبيني، رئيس قسم البحوث في شركة عربية أون لاين، “نحن متفقون على أن الدولار حاليا أعلى من سعره العادل الذي يناسب وضع الاقتصاد المصري، لكن انخفاضه مرهون بحل المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد”.
ويضيف أن عودة السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة والتوسع في التصدير في ظل استقرار سياسي وأمني عوامل ستساعد في حل مشكلات الاقتصاد ومن ثم انخفاض الدولار. وكان التراجع في مصادر العملة الصعبة الأساسية للبلاد، التي تعتمد على الواردات بشكل كبير في تدبير احتياجاتها من الغذاء والوقود، عاملا أساسيا في ارتفاع سعر الدولار وندرته.
وتشير عدة تقارير لبنوك الاستثمار إلى مخاطر ارتفاع الدولار على المدى المتوسط، رغم انخفاضه المنتظر في وقت قريب. فبينما يتوقع بنك استثمار بلتون فاينانشال، في تقريره السنوي، أن يتراجع الدولار بنهاية العام المالي الجاري إلى 15.5 جنيه، فإنه يرى أيضا أنه سيعود للارتفاع مجددا ليصل إلى 18.5 جنيه في 2017-2018 ثم إلى 21 جنيها في العام المالي 2018-2019. كما توقع تقرير أصدره بنك بي إن بي باريبا يوم الثلاثاء الماضي، أن يتراجع سعر الدولار في نهاية العام الجاري إلى 14.6 جنيه، وارتفاعه مجددا إلى 16.5 جنيه في 2018.
أما بنك استثمار فاروس فتقديراته تشير إلى عودة الدولار للارتفاع بداية من عام 2019 ليصل إلى 17.90 جنيه، ثم 19 جنيها في 2020، و20.10 جنيه في عام 2021. وهو ما فسرته رضوى السويفي قائلة إن “السعر المرتفع للدولار حاليا جاء نتيجة تعويم الجنيه مرة واحدة بعد تثبيته طوال العقود الماضية، وكان من الطبيعي أن يقفز بشكل مبالغ فيه”. وأضافت أن “سعر الدولار الحالي يفوق حقيقة العرض والطلب في السوق، نتيجة حالة من عدم الاتزان وعدم العقلانية، التي أصابت السوق بعد التعويم”.
وقالت رضوى إنه مع استقرار سوق سعر الصرف وتجاوز فترة “عدم الاتزان” ودخول تدفقات دولارية جديدة، فإنه من المتوقع أن “يهدأ” الدولار بشكل تدريجي. “لكن في السنوات المقبلة، على المدى المتوسط، سيعود الدولار للارتفاع مجددا”، كما تقول رضوى، ليعكس العلاقة بين مصادر العملة الصعبة للبلاد وبين المدفوعات التي يتم تسديدها.
وأضافت “أنت دولة تدفع دولارات كثيرة من أجل الواردات، تفوق ما تحصل عليه من عملة صعبة سواء مقابل تصدير الخدمات والسلع أو السياحة أو الاستثمارات، وبالتالي من الطبيعي أن يرتفع الدولار أمام الجنيه، لأن مدفوعاتك بالعملة الصعبة تفوق كثيرا ما يدخل إليك منها”.
وقالت رضوى إن تغيير هذا الاتجاه على المدى المتوسط يتطلب تغييرا كبيرا في طبيعة الاقتصاد المصري، ليقوم على التصدير الكثيف وجذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة بقوة، بما يغطي الفاتورة الكبيرة لاستيراد الغذاء والوقود، وباقي الالتزامات بالعملات الأجنبية.
وأشارت ريهام الدسوقي إلى أن الالتزامات التي يجب على مصر سدادها خلال السنوات المقبلة، سواء بالنسبة للقروض أو خدمة الدين، ستحدد اتجاه سعر الدولار مقابل الجنيه على المدى المتوسط، “فإذا كانت الالتزامات كبيرة وتسدد في فترة قصيرة ستكون بالطبع ضاغطة على ميزان المدفوعات وتؤدي لارتفاع الدولار”. لكنها تتوقع أن تسعى مصر لإعادة جدولة هذه الالتزامات لسدادها على فترات أطول، وبالتالي تخفيف الضغط على العملة المحلية.
وحصلت مصر منذ بداية العام المالي الجاري على عدة قروض وتسهيلات مالية من الخارج، منها 2.75 مليار دفعة أولى من قرض صندوق النقد الدولي، الذي تبلغ قيمته الإجمالية 12 مليار دولار تقدم على مدار 3 سنوات، ومليار دولار قيمة الشريحة الأولى من قرض للبنك الدولي، و500 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي. بالإضافة إلى 2 مليار دولار وديعة من السعودية، ومليار دولار وديعة من الإمارات، و2.7 مليار دولار من خلال اتفاق تبادل للعملة مع الصين، تم توقيعه قبل نهاية 2016.
كما باعت مصر سندات دولارية في الأسواق الدولية بقيمة 4 مليارات دولار قبل أسبوعين، بأسعار فائدة اعتبرها وزير المالية عمرو الجارحي أفضل بكثير من التوقعات السابقة على الطرح، كما تمت تغطيتها من المؤسسات الدولية بأكثر من 3 أضعاف، بحسب وزارة المالية. وشهد الدولار انخفاضا كبيرا أمام العملات الرئيسية في الأسابيع الماضية بسبب مخاوف تتعلق بسياسات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، حيث سجل في شهر يناير الماضي أسوأ معدل تراجع له في 30 عاما، بحسب وكالة أنباء رويترز.
وتفضل إدارة ترامب أن يكون سعر الدولار منخفضا في إطار رغبتها في تحسين الصادرات والحد من الواردات من الصين ودول شرق آسيا، التي تعتمد على انخفاض عملتها في غزو الأسواق الأجنبية. لكن الجنيه المصري لن يستفيد من هذا الانخفاض العالمي للعملة الأمريكية في المدى القريب، وفقا لما قاله عمر الشنيطي. “بعد التعويم الجنيه يمر بمرحلة تأقلم تستغرق ما بين 3 و6 أشهر، تكون خلالها العوامل المؤثرة فيه داخلية بشكل أساسي” بحسب الشنيطي.
وأضاف “نحن لسنا متأثرين حاليا بتصريحات ترامب أو انخفاض الدولار خارجيا، وإنما بالدولار الداخل إلى أو الخارج من البلد”. وهو ما أكده شريف عثمان قائلا إن “سعر الدولار في مصر مرتبط بعوامل داخلية بنسبة تزيد على 90%”. “عودة السياحة، واستلام باقي قرض الصندوق، وحصيلة السندات الدولارية، وتغطية الاعتمادات الدولارية المفتوحة في البنوك للمستوردين.. هذه هي الأمور المهمة بالنسبة لسعر الجنيه في مصر حاليا” بحسب ما قاله الشنيطي.
وأضاف الشنيطي أنه “من الآن وحتى الربع الثاني من العام الجاري، التأثير الحقيقي على الجنيه سيكون من السوق المحلي، وبعد الوصول إلى سعر مقبول للدولار في السوق، ستأتي العوامل الخارجية، وعندها يبدأ الجنيه في الارتفاع مع انخفاض الدولار عالميا والعكس”.
وقال “أمر جيد إنك تكون بتنتهي من الفترة الانتقالية بعد تعويم الجنيه، في الوقت الذي يتراجع فيه الدولار عالميا، خاصة أن ارتفاعه بقوة في العالم خلال العام الماضي كان من أسباب معاناتنا من ارتفاعه في مصر”.
وسجل الدولار أعلى سعر له اليوم، الأحد، داخل بنك “بلوم مصر”، والذي قدم 17.70 جنيهًا للشراء مقابل 17.80 جنيهًا للبيع.وقدم “البنك الأهلي اليوناني بمصر” نفس أسعار الصرف.
بينما عرض بنك “المصرف المتحد” أسعار صرف بلغت 17.60 جنيهًا للشراء مقابل 17.70 جنيهًا للبيع، وعرض “مصرف أبو ظبي الإسلامي” 17.65 جنيهًا لشراء “الأخضر” و17.75 جنيهًا للبيع.
ووصلت أسعار الصرف لدى بنوك الحكومة الرئيسية 17.60 جنيهًا للشراء مقابل 17.70 جنيهًا للبيع في بنك “القاهرة”، بينما وصلت ببنك “مصر” إلى 17.69 جنيهًا للشراء مقابل 17.44 جنيهًا للبيع، كما وصل سعر “الأخضر” بالبنك “الأهلي المصري” إلى 17.70 جنيهًا للشراء مقابل 17.75 جنيهًا للبيع.
وعرضت السوق السوداء التي شهدت (ركودًا) كبيرًا، متوسط أسعار بلغ 17.85 جنيهًا للشراء مقابل 18 جنيهًا للبيع، وفقًا لمتعاملين بها.
ومنذ تعويم الجنيه ظهرت بعض الأزمات المرتبطة بأسعار السلع وتوفرها، أبرزها نقص عدد كبير من الأدوية في الصيدليات، بما في ذلك أدوية علاج أمراض السرطان، إضافة إلى أدوية أساسية مثل الأنسولين والتيتانوس وحبوب منع الحمل.
وارتهن مستوى معيشة المصريين بقيمة الدولار، حيث جاء بعد القفزات الكُبرى التي حققها مقابل الجنيه المصري، والتي انعكست بدورها على موجة غلاء في أسعار السلع الأساسية، فضلًا عن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة، مثل زيادة أسعار الوقود، وإقرار قانون القيمة المضافة.