الأربعاء , نوفمبر 20 2024
Amal farag
أمل فرج

علمني القلم..

بقلم / أمل فرج
كانت تلقائية الأبرياء تملأ ردود أفعالي.. كنت لكل صغير وكبير أهتم ولا أعرف كيف لا أبالي.. ربما كنت أنسى الكلام عند لقاء الكبار ، كنت أتلعثم رغم أني أجيد اللباقة في الحوار..
كانت دميتي هي وحدها عالمي وبعض الرفقة الصغار..
كانت كل أحلامي حلما واحدا في أن أتكون ألعابي في غرفتي ، وحولي أفراد أسرتي التي كنت أراهم أهل الأرض ومَن عليها ، ألهو مع أخوتي ؛ نضحك ونلعب وقد نصرخ ونبكي ولازلنا سعداء.. وفي هذه الأجواء تناديني أمي لتوبخني ؛ فقد تأخرت في مهامي المنزلية.. ويمضي النهار ويقترب المساء ويأخذني الشوق إلى عودة أبي حتى يعود ؛ فأشعر أن حلمي قد اكتمل وقد استقر الأمان في قلبي ،حينها يأخذني النعاس إلى نوم هادئ اختلف كثيرا ..
كنت لا أعرف شيئا عن العالم خارج البيت ، وكأن العالم يسكن منزلي ، حتى فرضت الطبيعة أمرها وكان عليَّ أن أستجيب لها ؛ بدأت الحياة تتسع في عيني والحقيقة أن نظرتي هي التي اتسعت لتشمل حقيقة العالم ، تغيرت الأيام ، وربما أنا مَن تغير شيئا فشيئا..
عثرات وكبوات في طريق الحياة ما أصعبها ، كان عليَّ مواجهتها وحدي وما كنت أفعل ، لم أجرب مرة أن أكتشف كم أنا قوية.. ولكن فرضت الأيام قوتها على ضعفي و كانت تعشقني صلابتها حتى أخذت كثيرا من طبيعتها شيئا فشيئا ، ومضت الأيام ومضيت في طريق الحياة وحدي يأخذني التحدي ولم أعد أبالي ،عرفت حقيقة العالم التي جعلتني ألفظه خارج المنافسة في محاولة لإثبات أي شيئ ، هو عالم لا يساوي جناح بعوضة ، ذلك الذي كنت أراني عليه كقشة تسبح على وجه المحيط .. هانت الدنيا أمام عيني وانهارت بكل ما أوتيت من تجبر ، ولم يعد يعنيني أمرها غير أنني كرهت ذلك الوعي الذي أصبحت تفرضه عليَّ الأيام والخبرات وعثرات الحياة ، ولكني لم أكن أعلم يوما فضل هذه العثرات أن قد يصل إلى هذا الحد الذي جعلني بلا تخطيط أو شعور أشعر بأني صديقة القلم ، الذي وحده ينطق بما في نفسي دون أن أنطق ، قلمي الذي عرفني عددا من السطور لن أنساها أصبحت لي صديقا وفيا ظل معي طوال عمري ولم يخذلني..
في سن صغيرة وجدت قلمي وقد ساعدني وساعدتني الفرصة للوصول إلى ألا أكون القارئ الوحيد لكلماتي.. هناك مَن يقرءون ، وينقدون ، ويمدحون، ويسبون ، ويلعنون..
ولازالت تمضي الأيام ، وتتوالى خبرات الحياة قهرا وبلا خيار ، ولازالت الكبوات و العثرات تزداد نضجا كلما زاد نضوجي ، ولازال قلمي بل والقلم في مطلقه ، وإن كان قلما لغيري خير مدافع عني ، قلم يجعلك تتناغم مع مافي الدنيا من جمال ، وتتمرد على حماقاتها وقبحها ، حينها شعرت بأن للقلم طاقة تستجذبني كلما تعطلت طاقة الأيام والأحلام ، طاقة تزيدني جرأة وعنادا..
علمني القلم أن أتغلب على الألم ، وأن أثور على أعماقي وعلى العالم بكل قسوته وتقلباته وكل ملذاته ونزواته.. اختلفت كثيرا وزاد ضعفي قوة وصرت أكثر تأثيرا، حتى صنعت عالمي داخل وخارج حدود هذا العالم الضئيل ، ولكني أريد العودة إلى الكوكب الصغير في بيت عائلتي والحضن الكبير في قلب أمي وأبي ، بعيدا عن مواجهة الحياة وجها لوجه.. أريد هدنة مع الحياة، لحظات أختلي فيها بقلمي ، هي لحظات تغار فيها أوراقي ولكن أصمت ؛ فالقلم معلم يصعب الثأر منه ؛ فكما علمني قلمي دروسا في صخب الحياة ، كذلك كان في لحظات خلوتي وهدوئي بعيدا عن الحياة..

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.