د. مجدي الجعبري
إن نجاح السياسة الاقتصادية في تحقيق أهدافها يعتمد على مدي التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية ودرجة فعاليتهما، فالسياسة النقدية تكمل السياسة المالية وتتفاعل معها لتحقيق أهداف برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر السياسة النقدية والسياسة المالية أهم أدوات السياسة الاقتصادية تأثيرا علي النشاط الاقتصادي، والمظاهر التي تعيشها مصر حاليا تؤكد عدم وجود تنسيق أو تفاعل بين الحكومة والبنك المركزي في إدارة هذا الملف، فمصر تعيش حالة من الارتفاع الجنوني في أسعار كافة السلع والخدمات بالإضافة إلي احتكار بعض السلع الأساسية واختفائها من الأسواق، وضعف مستوي الخدمات المقدمة للمواطنين أو انعدامها، وزيادة في معدل البطالة وارتفاع معدل التضخم، وفشل البنك المركزي في السيطرة علي سعر الصرف حتى اقترب سعر الدولار من حاجز 20 جنيه، بالإضافة إلي زيادة احتياطي النقد الأجنبي عن طريق الاقتراض.
وقد جاءت البيانات التي أعلنها البنك المركزي بالنشرة الشهرية عن شهر نوفمبر 2016 صادمة، حيث أكدت علي ضعف التنسيق بين البنك المركزي والحكومة وأن كل طرف يعمل لتحقيق أهداف خاصة دون النظر إلي تأثيرها علي خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد أدي هذا التخبط إلي تدهور كافة مؤشرات الأداء خلال العام المالي المنتهي والربع الأول من العام المالي الحالي كما يلي:
• ارتفع رصيد الدين الخارجي بواقع 4.4 مليار دولار في الربع الأول من السنة المالية 2016-2017 بمعدل زيادة 7.9% عن الربع المنتهي في يوليو 2016 (الفترة السابقة) ليصل رصيد الدين الخارجي إلي 60.2 مليار دولار، كما بلغت أعباء خدمة الدين عن نفس الفترة 2.5 مليار دولار وهي عبارة عن أقساط وفوائد، وتبلغ نسبة رصيد الدين الخارجي إلي الناتج المحلي الإجمالي 16.3% في نهاية الفترة مقابل 13.2% في نهاية الفترة المماثلة من العام المالي السابق.
• تحقيق عجز كلي بميزان المدفوعات بلغ 2.8 مليار دولار في السنة المالية 2015 / 2016 مقابل فائض بلغ 3.7 مليار دولار في السنة المالية السابقة، ويرجع ذلك إلي تصاعد العجز في حساب المعاملات الجارية ليصل إلي 18.7 مليار دولار متأثرا بعجز الميزان التجاري البالغ 37.6 مليار دولار.
• بلغت حصيلة الصادرات خلال السنة المالية 2015 / 2016 حوالي 18.7 مليار دولار بانخفاض بمعدل 15.9% عن السنة المالية السابقة.
• بلغت المدفوعات عن الواردات السلعية 56.3 مليار دولار عن السنة المالية 2015 / 2016 منها واردات بترولية بقيمة 47 مليار دولار وواردات غير بترولية بواقع 9.3 مليار دولار.
• ارتفع معدل التضخم الأساسي علي أساس شهري إلي 2.81% عن شهر أكتوبر 2016 مقابل 1.39% في شهر سبتمبر 2016، وعلي أساس سنوي ارتفع إلي 15.72% في شهر أكتوبر 2015 مقابل 13.93% في سبتمبر 2016.
• بلغ إجمالي الدين العام المحلي 2.758 تريليون جنيه وبما يعادل حوالي 150 مليار دولار في نهاية الفترة الأولي من السنة المالية 2016 / 2017 بزيادة قدرها 118 مليار جنيه خلال هذه الفترة، وهذا يؤكد خطورة الوضع الاقتصادي نظرا لتجاوز قيمة الدين العام إجمالي الناتج المحلي حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 2.7083 تريليون جنيه.
أن تدهور المؤشرات السابقة دليل علي أننا نعتمد حاليا علي الاقتراض ولا توجد استثمارات فعلية، الأمر الذي أدي إلي وضع الاقتصاد المصري في مرحلة حرجة، وللخروج بالاقتصاد من هذه المرحلة يجب إقالة الحكومة الحالية ومحافظ البنك المركزي، علي أن يتم إسناد مهمة رئاسة الحكومة الجديدة إلي شخصية اقتصادية تستطيع تكوين فريق وزاري للمجموعة الاقتصادية يتمتع بالخبرة، ويمكنه قيادة المجموعة وضبط إيقاع عملها والتنسيق فيما بينها، فهذه المرحلة تحتاج أصحاب الخبرة، والخطر الاقتصادي هو اكبر خطر يواجه مصر حاليا، كما اعتقد انه حان الوقت لتعيين نائبا لرئيس الجمهورية ذو خلفية اقتصادية يتولي الإشراف علي خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويتابع عمل المجموعة الاقتصادية بالحكومة والبنك المركزي ويدعم الاقتصاد المصري لدي الدول الخارجية والمؤسسات المالية الدولية.