قال الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، في أول ظهور إعلامي له بعد غياب ثلاث سنوات: ” انه اختار الغياب عن وسائل الإعلام السنوات الثلاث الماضية اعتقادا منه بأنه أدلى بما يمكنه الإدلاء به، ففَّضل أن يمنح الفرصة لغيره ليكون الحكم على النتائج، وأضاف: “ٌكنت هكون سعيد جدا لو كنت غلطان، وأنا حزين إني طلعت صح”.
وأشار البرادعي، في الجزء الأول من حواره مع برنامج “وفي رواية أخرى” المذاع على التلفزيون العربي إلى أنه قرر الحديث لأنه أصبح من واجب كل فرد أن يتكلم من واقع خبرته ووجهة نظره، ويحاول المساعدة ولو بنسبة 1%، لأن العالم العربي كله في مأساة، ووصل لمرحلة أنه يدمر نفسه على حد قوله.
وأوضح البرادعي أنه استغرق في العمل العام لمدة 16 عامًا متواصلة وصفها بأنها “تهد جبال”، منها 12 عامًا أثناء عمله رئيسًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم أربعة أعوام في مصر، مؤكداً أنه في كل هذه المحطات كانت رسالته واحدة، وهي أن يطالب الناس بمحاولة إيجاد وسيلة للعيش معاً بسلام دون أن يقتل أحدهم الآخر.
وقال: «لن ينصلح حالنا في مصر والعالم العربي الا لو كان عندنا توافق أن نعيش معاً كبشر، لكننا في مرحلة ذبح الآخر».
واعتبر أن المشكلة الكبرى التي يعاني منها العالم العربي هي غياب الفكر والمعرفة، قائلاً «كانوا بيتريقوا عليا على تويتر، مش فاهمين أن الفكر أقوى من الفعل»، مضيفا أن العالم العربي لن ينصلح حاله بدون مصر ، ومصر لن ينصلح حالها بدون العالم العربي.
وقال الدكتور محمد البرادعي، إن الخارجية المصرية أوفدته قبل حرب 1967 إلى بعثتها بالأمم المتحدة، وكان يحمل مستندات تدعم وجهة النظر المصرية، وكان شاهدًا على ضياع فرصة تاريخية بذلك الوقت.
وأوضح البرادعي، أنه شاهد على القنوات الأمريكية خبر تدمير سلاح الطيران المصري، لكن وزير الخارجية محمود رياض قال لرئيس البعثة المصرية، السفير محمد عوض القوني، إن هذه الأخبار «كاذبة وسلاح الطيران لم يُضرب»، لذلك رفضت مصر عرض المندوب الأمريكي في يوم 5 يونيو بصدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وعودة الأمور إلى ما كانت عليه.
وتابع: «رفضنا لأن وزير الخارجية قال لنا الأمور عظيمة، واحنا لسه هنطلع بالطيران، ورفضنا لأن عودة الأمور إلى ما كانت عليه يعني عودة قوات الطوارئ، وإحنا قلنا رافضين قوات الطوارئ عشان السيادة المصرية».
وأضاف أنه فوجئ بعدها يوم 7 يونيو باتصال من وزير الخارجية يطلب منهم قبول العرض الأمريكي، فلم يصدق أعضاء البعثة وكان منهم وقتها السفير نبيل العربي، حتى أن أحدهم طلب من السفير القوني أن يتصل مرة أخرى بالوزير لأنه من الوارد أن يكون هناك من يقلد صوته ليضللهم.
وتابع البرادعي: «بعدها رحنا للمندوب الأمريكي وقلنا له نقبل اللي قلته يوم 5 يونيو قالنا ما معناه كان زمان وجبر».
وكشف أن 18دولة لاتينية تقدَّمت بعد قرار مجلس الأمن وقف إطلاق النار دون انسحاب إسرائيل، بمشروع قانون مكون من فقرتين الأولى: تنص على الانسحاب من كامل أراضي 67، والثانية تنص على: إنهاء حالة الحرب وحل عادل للقضية الفلسطينية، لكن الدول العربية رفضته وضغطت لإسقاط القرار، حتى سقط لأنه نال أغلبية ضعيفة بحصوله على 57 صوتًا في مقابل 43 دولة رافضة هي الدول العربية وأصدقائها.
وتابع البرادعي: «أنا متذكر لسه وإحنا سنة 67 بنصقف إننا اسقطنا هذا القرار، طيب أسقطنا القرار ليه؟ أنا باسأل نفسي النهاردة، مش كان زماننا رجعنا كل الأراضي وأنهينا حالة الحرب، عمرنا ما كان عندنا تقدير سليم ايه قدراتي وبناء عليه أحدد مطالبي وإمكانياتي».
وأشار إلى أن الرئيس الجزائري بورقيبة حين أعلن قبوله إقامة دولة فلسطينية بالضفة وغزة لاقى رفضًا واسعًا وتعرض لإلقاء الطماطم عليه.
وعن التحاقه بكلية الحقوق عام 1958، أوضح انه لم يكن بأمر من والده، ولكن من الوارد أن يكون قد تأثر به، بالإضافة إلى أنه طيلة عمره كان ممتازًا بالمواد الأدبية وليس في العلوم والرياضيات، وهو نفس حال العديد من أفراد أسرته، ومنهم ابنته التي درست أيضًا الحقوق وتعمل محامية، لكن الاستثناء هو ابنه الذي يعمل بمجال التكنولوجيا الحيوية، لذلك هو مثار مزاح العائلة.
وأوضح أن: «الحقوق تتعامل مع أفكار مجردة أو مفاهيم، أنا كويس أوي في المفاهيم، دي الحتة الي انا باستريح فيها، محبش اتكلم في التفاصيل كتير، ولغاية دلوقتي قراءاتي في الفلسفة والتاريخ والمنطق».
ورد البرادعي، على الانتقادات الموجهه له بشأن كتاباته على موقع التغريدات القصيرة «تويتر» قائلًا: «مش فاهمين أن الفكر أقوى من الفعل، ومشكلتنا في مصر هي الفكر والمعرفة، وفكرة حان وقتها أقوى من أي سلاح».
واستنكر البرادعي، غياب الدور العربي عن الأزمة السورية، قائلاً: «هل النهاردة أنا أقدرأقول أنا عندي جامعة عربية؟.. بقالي يومين بأفكر في الولد إيان كردي اللي مات على الشواطيء التركية ده، إيه الرد لو سأل السادة القادة العرب والسادة القادة المسلمين والعالم كله أنا مت ليه؟ دمرتولي بلدي ليه؟»
وأشار البرادعي إلى أن العالم بأكمله اليوم يعيش أزمة حكم، ومن نتائجها ظواهر الإرهاب واللاجئين وغيرها، ومركز الثقل في غياب الحكم في العالم هو العالم العربي، لذلك أصبح مهمشاً تماماً، مضيفاً: «منخدعش نفسنا، في الوقت الحالي ليس لدينا المقومات للوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية».
وانتقد نائب رئيس الجمهورية المصري السابق، عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقال إن نتيجة هذا العهد كانت نكسة 67 التي لم تتجاوز مصر ودول العالم العربي نتائجها حتى اليوم، مضيفا: ثورة 23 يوليو كانت تحمل مبادئ عظيمة كالعدالة الاجتماعية، والحياة الديمقراطية السليمة، وكان للرئيس عبدالناصر احتراما واسعا في العالم الثالث، و«الفكرة كانت ممتازة، لكن التنفيذ مكانش كويس على الإطلاق».
ورأى أن أهم مساوئ هذا العهد أنه سلب الشعب المصري حريته، وتم التحول إلى فكرة القائد الزعيم الملهم، كما أنه شهد الاعتماد على معدومي الكفاءة في الإدارة المدنية، وتابع: «اعتمد أساساً على زملاؤه في القوات المسلحة، والشخص خريج القوات المسلحة قد يكون قائد عظيم، إنما ميقدرش يدير وزارة التربية والتعليم».
وأوضح أن مصر في ذلك الوقت كان لديها نخبة لا تقل عن أي نخبة متعلمة بالخارج، لكن هذا الأسلوب في الحكم قام بتهميشهم، وهذا من مظاهر غياب الحكم الرشيد المستمرة في العالم العربي.
وعن ذكرياته عن حرب 67، قال البرادعي: فوجئت بنتيجة الحرب، لأن الاعتماد الوحيد وقتها كان على الإعلام المُوجه، وكان الجميع تحت الانطباع أن لدينا جيش قوي لن يهزم، مضيفاً: «أنا مكنتش باسمع أحمد سعيد لأنك متقدرش تسمعه».
وتابع: «كنا وصلنا إنك متقدرش تتكلم في التليفون، كنت تخاف من زميلك تتكلم قدامه. هتكسب حرب ازاي وانت همشت شعبك؟ وانت خوفت شعبك وقمعت شعبك؟»، مشيراً إلى أن العسكري المصري في حرب 67 كان مقهوراً، ودخل حرباً غير مؤهل لها.
وهاجم البرادعي، النخب العرب قائلا: من الصعب أن نطلق اسم «نخبة» على النخب في نظام سلطوي، لأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو تقديم النصيحة على استحياء، وإذا لم يقبل الحاكم لا يصبح بيدها ما تفعله.
وأضاف: «كام واحد شفناه في العالم العربي بيستقيل احتجاجًا على سياسة يعارضها؟ لما السادات راح القدس سنة 77 استقال 3 وزراء خارجية، إنما دي كانت أول وآخر مرة».
وتابع: حين عرض مشروع قرار الأمم المتحدة الخاص بإنسحاب إسرائيل وإنهاء حالة الحرب عام 1967 نصح وزير الخارجية الرئيس عبدالناصر بقبوله، لكن حين رد عليه بالرفض التزم بموقفه، ولم يعترض أحد أو يستقيل، وقال: «أنا لا ألوم أي شخص، لكن لازم نفهم الفارق بين ما لدينا وبين نخبة في نظام حر ديمقرطي حاسه انه محدش هيأذيها».
وقال البرادعي إنه في أول أيام حرب 67 تم اعتقال 150 شخصاً من النخبة القديمة قبل يوليو مثل فؤاد سراج الدين، رغم أنه لا صلة لهم بالأحداث الجارية، ومع ذلك تم القبض عليهم من منازلهم، رغم أن العديد منهم كان مُسناً ومريضاً.
وقال البرادعي إن معاهدة كامب ديفيد أخرجت مصر لمدة 10 سنوات من العالم العربي، و«بعدها عمر ما مصر رجعت كقلب العالم العربي زي ما كانت، وكامب ديفيد فتحت لإسرائيل الباب انها تعربد في المنطقة لأن مصر رمانة الميزان خرجت».
وأكد: «القضية الفلسطينية أصبحت الآن سرابًا»، والوقت الحالي ليس لدينا المقومات للحديث عن حل عادل للقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن العالم العربي الآن في وضع «يذبحون بعضهم البعض».