إن للعيون في سجل الجمال منازل أخذتها بسطوتها ما فرطت فيها يوما، وما تنازلت عنها، بل هي في كل يوم تزاحم الأخريات؛ لتوسع سطوتها في سجل الجمال، وللعيون في تاريخ المحبين معارك ما تنازلت يوما عن الفوز فيها، والظفر بحبائل سويداء ناظريها.
العيون جلست علي عرش الجمال محلقة، آمرة، جاذبة، معذبة، راحمة، قاهرة، رائعة، ضاربة في قدس الوجدان طريق، فلم اعرف يوما للعشاق رفيق كعيون أرسلت الرحمة، ولم اسمع يوما لشهداء الحب من سلوي سوي وعد من عين تسعد بالصحبة .
في القرآن الكريم وسيرة أفضل من نطق بالعربية عليه أفضل الصلاة والسلام كانت العيون حاضره في كل مواطن التأمل، والمحبة، والدفء، والعاطفة، وفي لحظات الخوف والانكسار، فهذا ينطر بطرفي خفي، وهذا لم يكد يراها، وثالث يشيح بنظره معرضا، ورابع تفيض من الدمع عيناه، وخامس تبيض عيناه من الحزن……
ولعلماء النفس في حديث العيون كلام، فالتواصل بالعين يلعب دورا مهما في العلاقات الإنسانية، فنظرة العين هي الأساس في تعزيز الثقة بالنفس، فصاحب النظرة الواثقة يحظى عادة بإعجاب المحيطين به على عكس الشخص صاحب النظرة الخجولة الذي لا يستطيع النظر طويلا في عين من يتكلم معه، كما تكشف حدقة العين عن السعادة إذ تتسع بشكل ملحوظ، وتضييق في مواقف الغضب والحزن، وفي حالات الحب، تتسع أيضا حدقة العين وتلمع بشكل واضح.
أما أولئك الذين امتطوا صهوة البيان فعن معارك النظرات فحدث ولا خجل فهذا يقول:
دموعك يا حسناء تغري بي الهوى
فعيناك مينائـي وقلبي قد رسا
وابن الرومي يقول:
نظرت فأقصدتْ الفؤاد بطرفـهـا ثم انثنت عني فكدتُ أهيمُ
ويلاه إن نظرتْ وإن هي أعرضت وقع السهام ونزعهن أليمُ
وآخر يطلب السقيا من عيون حبيبته:
سقتني بعينيها الهوى وسقيتها فدَّب دبيب الرَّاح في كل مفصلِ
وقد أبدع الشاعر إيليا أبو ماضي حين قال:
رأيت في عينيك سحر الهوى مندفعاً كالنور من نجمتين
فبت لا أقـوى على دفـعـه من رد عنه عارضاً باليدين
يـا جنـة الحب ودنيا المني ما خلتني ألقاك في مقلتين
وآخر يطلب الفكاك من أسر العيون:
كفي القتال.. وفكي قيـد أسـراكِ يكفيك ما فعلتْ بالناس عيناكِ
وعن إشارات العين قال الشاعر ابن كلدة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة محــزونِ ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم
أما نزار قباني أمير النساك في محراب الجمال فيقول:
ذات العينين السوداوين المقمرتين
ذات العينين الصاحيتين الممطرتين
لا أطلب أبداً من ربي
إلا شيئين
أن يحفظ هاتين العينين
ويزد بأيامي يومين
كي اكتب شعراً
في هاتين اللؤلؤتين
وآخر لطاغية الجمال يقول:
طاغية الجمال خضراء العيون…… تعلم أنّي بها مفتون
عيونكم بريد محبتكم، ورسائل تواصلكم، ومستودع أسرار قلوبكم، هي المِحْراب للعباد الناسكين، وهي القلم في أيدي المبدعين، وهي النضارة في جبين العارفين، وهي الرحمة في سويداء المخلصين، هي المخلص والخلاص .
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط
الوسومأ.د/ عبدالرازق مختار محمود
شاهد أيضاً
لماذا تصلي الكنيسة على المنتقلين !؟
جوزيف شهدي في الايمان الارثوذكسي أن الكنيسة الموجودة على الارض تسمي الكنيسة المجاهدة وأن أبناءها …