الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
Abdel Fattah El-Sisi
الملك سلمان والسيسى

دراسة توضح كيف انتهى شهر العسل بين مصر والسعودية واللعب بالأوراق الموجعة بين الدولتين .

لم يكن انتهاء شهر العسل المصري السعودي، أمرا مفاجئا، فقد توقع خبراء ومحللون قبل 3 أشهر نهاية «التحالف الهش» بين البلدين بمجرد اختمار الخلافات القديمة، إلا أن تدهور العلاقة بين البلدين بهذه الصورة الدراماتيكية السريعة هو ما لم يكن في حسبان أحد، فسرعان ما انتقلت العلاقة إلى اللعب العلني بالأوراق الموجعة بل ووصل الأمر لانتقام «المكائد»، والمخاطرة بالمصالح الذاتية للبلدين، ما يطرح التساؤل حول أسباب تخلي الشقيقين الغريمين عن سياسة «شعرة معاوية» (شد وأنا أرخي) التي لطالما لعبا بها على المستوى الإعلامي على الأقل.

ورغم تعدد التحركات التصعيدية من البلدين، وتبادل الحملات الإعلامية، إلا أن مسئولي البلدين لا يتوقفون عن نفي وجود خلافات سياسية، حتى أنه قبل أسبوع فقط من التصعيد السعودي الأخطر المتمثل في زيارة مستشار الملك السعودي لسد النهضة الإثيوبي، أشاد وزير الخارجية المصري سامح شكري، بالعلاقات بين البلدين، نافيا وجود أي خلافات، وهو ما كرره بعد الزيارة مسئولون سعوديون.

غير أن نفي الخلافات، لم يعد ينطلي على أحد في البلدين، فرسائل الأيام الماضية واضحة، تضمنت بحسب محللين مصريين تجاوز سعودي للخط الأحمر في الخلافات، وتأكيدا من الرياض أنها لم تعد تهتم بالتحالف الهش مع «القاهرة»، وأن البلدين يقفان الآن في منعطف تاريخي في مسار علاقتهما الثنائية، منعطف سيحدد ليس فقط شكل العلاقة بين الشقيقين الغريمين، ولكن سيشكل خارطة السياسة الإقليمية خلال السنوات القادمة.

السعودية بدأت منحنى «التصعيد الأخطر» في الخلاف، بالتحرك للعب في الفناء الخلفي للأمن القومي المصري، ففي أقل من شهرين، عقدت السعودية وإثيوبيا 3 قمم على مستوى رفيع، بدأت بزيارة مريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا للسعودية، والتقائه مع العاهل السعودي الملك سلمان في زيارة اتسمت بالحفاوة، ثم زيارة وزير الزراعة السعودي عبد الرحمن عبد المحسن الفضلي لإثيوبيا، قبل أن تتوج بزيارة فجة لمستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب، لسد النهضة، وبحثه زيادة التعاون في مجال الطاقة.

واستقبلت المملكة ردود الأفعال المصرية الغاضبة من زيارة السد الذي يهدد أمنها القومي، بفتور دبلوماسي متعمد، والاكتفاء بعبارات مطاطة من قبيل لن نضر بالأمن القومي، مع استكمالها بعبارة أكثر أهمية وهي لنا مصالح واستثمارات هناك ونحافظ عليها، ما يؤكد أن زيارة السد لم تكن سوء تقدير، بل كانت رسالة دبلوماسية مباشرة للقاهرة، مفادها لدينا أوراق لعب موجعة، ونفوذنا في إثيوبيا قد نستخدمه لدعم مشروع السد حتى وإن أضر بمصر.

استدعاء الخليج للخلاف:

قبل يوم من أزمة الزيارة، نقلت الرياض «الخلاف» مع القاهرة لـ«الخط الخليجي»، ودعمت إصدار مجلس التعاون الخليجي بيانا يعرب فيه عن «رفضه وانزعاجه من زج الحكومة المصرية باسم قطر في تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة»، وقال البيان: إن التسرع في إطلاق التصريحات دون التأكد منها، يؤثر على صفاء العلاقات المتينة بين مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية.

وتحدثت مصادر دبلوماسية خليجية عن تحفظ إماراتي كويتي على البيان الخليجي، الذي ردت عليه القاهرة بتحفظ واضح قائلة: «مصر كانت تأمل في أن يعكس موقف الأمين العام لمجلس التعاون قراءة دقيقة للموقف المصري، حيث إن البيان الرسمي الوحيد الذى صدر عن وزارة الداخلية المصرية بشأن الحادث، تضمن معلومات مثبتة ودقيقة بشأن الإرهابي المتورط في هذا الهجوم وتحركاته الخارجية خلال الفترة الأخيرة».

الدعم السعودي للبيان الخليجي يكشف مدى تدهور العلاقات مع مصر، خصوصا إذا ما قارنا موقف الرياض هنا بموقفها مع بيان الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أصدره في 19 فبراير 2015، وهاجم فيه مصر بعد اتهام مندوبنا الدائم في الأمم المتحدة قطر بدعم الإرهاب، ووقتها انتقدت السعودية ودول المجلس ماعدا قطر، البيان، وأجبرت «الزياني» على حذفه من موقع المجلس، وإصدار بيان ثان أكد دعم دول الخليج المطلق لمصر.

تبرير سعودي للتصعيد:

وفي محاولة لتبرير التصعيد، ألمح إعلاميون سعوديون إلى أن تحركات الرياض في إثيوبيا ربما ردا على تحركات مصرية في سوريا والعراق، والأهم في اليمن (الفناء الخلفي للأمن القومي السعودي).

وتداول سعوديون على مواقع التواصل أنباء عن زيارة مزعومة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للقاهرة، متحدثين عن دعم سياسي وشيك من القاهرة لصالح والحوثيين، زاعمين أن الملك فتح جبهة إثيوبيا ردا على فتح جبهة اليمن، إلا أنهم تناسوا أن الزيارة وإن صح حدوثها، -وهو أمر صعب بسبب منع صالح من السفر بقرار دولي-، فإنها جاءت بعد نحو شهر من التقارب السعودي الإثيوبي، ولعب الرياض في الفناء الخلفي للأمن القومي المصري، وتهديد مصالح المصريين وليس النظام.

ويأتي التصعيد السعودي ضد مصر بعد أقل من أسبوعين من فشل الوساطة الإماراتية لعقد قمة ثلاثية في أبو ظبي بين السيسي وسلمان وولي عهد الإمارة محمد بن زايد؛ ورغم تعمد الأطراف الثلاثة عدم الحديث عن سبب عدم عقد القمة رغم تأخير السيسي زيارته يوما كاملا، قبل أن يسافر قبل ساعتين فقط من وصول العاهل السعودي، نقلت وسائل إعلام عن مصادر لم تسمها إن الفشل يرجع إلى تمسك الرياض بتبني القاهرة مواقف داعمة لها في الملفين السوري واليمني، والكف عن دعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وتسليم جزيرتي تيران وصنافير.

كما تعمد العاهل السعودي زيارة قطر قبل الإمارات، واستقبله أميرها بحفاوة، في رسالة مباشرة للرئيس المصري بتغير الموقف.

الأسباب القديمة للخلاف:

الخلاف المصري- السعودي، بدأ في الظهور للعلن بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد حكم المملكة، فالبلدين لديهما رؤية مختلفة حول الأزمات والصراعات الإقليمية، فالسعودية ترى في إيران تهديد وجودي لها، وترغب في حشد العرب ومصر لمواجهتها، في حين ترى مصر أن الإرهاب والجماعات المسلحة بما فيها جبهة النصرة التي تدعمها المملكة هي التهديد الأكبر للمنطقة، كما ترى السعودية أن الخيار العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء أزمة اليمن وسوريا وأنه لا حل إلا بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، في حين ترى مصر أن الحل العسكري وحده لن يحسم أي من المعركتين وأنه يجب اللجوء لحل سياسي وترك إقصاء الأسد لقرار من الشعب السوري.

واشتعل الصراع بين نظامي السيسي/ سلمان، لمحاولة الأخير التقدم لزعامة العرب، وهو ما بدا جليا مع الشهور الأولى لتولي سلمان الحكم، فبمجرد أن تحدث السيسي عن اقتراحه إنشاء قوة عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب، سارع محمد بن سلمان للإعلان عن تحالف عسكري إسلامي وأعلن مشاركة بلدان دون استشارتها. كما فاجئ الجميع بإعلان الحرب على الحوثيين، وتحدث عن شن الحرب بتحالف عربي، قبل أن يتضح أن الدول التي انضمت بعدها للتحالف لم تستشر في الأمر، وتورطت في دعم المملكة بالتصريحات فقط، مع وعود بالدفاع عن المملكة إذا تعرض لعدوان.

وظلت العلاقة بين مصر والسعودية لا تراوح خانة التحالف الهش، مع سعي الرياض لتقوية التحالف عبر الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات كمساعدات مالية لدعم الاقتصاد المصري، إلا أن تعقد الملفات الإقليمية أشعل الخلافات لتحتدم معارك إعلامية تحمل طعم رسمي، خصوصا مع تزايد القناعة السعودية بضرورة أن تحصل على ولاء مطلق من السيسي مقابل الدعم الاقتصادي، وهو ما لم يحدث.

وفي 8 أكتوبر الماضي، تصاعد الخلاف المصري/ السعودي، بعد تصويت مصر لصالح قرار تدعمه روسيا في الأمم المتحدة بشأن سوريا في أكتوبر الماضي يدعو إلى هدنة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء سوريا، لكنه لا يشمل الدعوة صراحة لوقف غارات الطيران الحربي. واعتبرت الرياض التصويت المصري «صادما»، ورأته مؤشرا على ابتعاد القاهرة عنها واقترابها من موسكو.

وردت الرياض بوقف إمداد مصر بالبترول، وأبلغت شركة «أرامكو» مصر بشكل رسمي بعدم وصول شحنات أكتوبر من النفط، قبل أن تنقل الصراع لمرحلة المكائد السياسية، مع الفشل في نقل جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية للسعودية، واستمرار الخلاف في الملفات الإقليمية.

لماذا عجلت المملكة بإخراج الصراع للعلن؟

لطالما حرصت المملكة طيلة سنتين على إبقاء الصراع مع مصر في الغرف المغلقة، إلا أن الأمر تبدل بشكل عنيف في الشهرين الماضيين، ربما يكون السبب هو إحساسها بخروج الأمور عن سيطرتها في اليمن وسوريا، وأنه لا مخرج من ورطتها إلا بدعم سياسي وربما أبعد من ذلك من مصر خصوصا.

والحقيقة أن قراءة أي سياسة خارجية للمملكة السعودية تبقى قاصرة إلا إذا أعدت قراءتها في سياق العداء الوجودي مع إيران، الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الملك وولي ولي عهده، فاليوم إيران تنتصر في العراق بدعم دولي، وأفشلت حلم بن سلمان في حرب خاطفة في اليمن، وحولتها إلى حرب استنزاف، وتسبب دعمها منع سقوط الأسد، ما أدى في المحصلة لإفشال الخطة السعودية لفك أذرع الحصار الإيراني المتمدد في محيطها، وتوريط الرياض في خسائر مالية لا يمكن تلافيها بدون الاعتراف بالهزيمة وتغيير السياسات، كل ذلك نمى شعور حكام السعودية بالورطة، وربما دفعهم ذلك للضغط على السيسي لإثبات ولاء أكبر مقابل ما تلقاه من مساعدات وقروض.

موقف الرياض المأزوم، تعقد أكثر مع وصول دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، وتصريحاته العدائية تجاه المملكة ودول الخليج، مقابل تقربه من روسيا ومصر وسوريا، فسارعت إلى الضغط على مصر عبر وقف الدعم المالي والبترولي في محاولة لضمان ولائها، إلا أن الضغوط أتت بنتيجة عكسية، ودفعت القاهرة للبحث عن صديق بديل، فكان التقارب المصري الروسي، والمصري العراقي، لتشعر المملكة أن ما أعطته للقاهرة لم يتحول لولاء مطلق كما كانت تتمنى، فزاد قلقها خصوصا مع تعويلها على الجيش المصري كدرع في أي حرب محتملة مع إيران.

المخاوف السعودية من عدم وقوف القاهرة معها، تزايدت أكثر بعد تصريح الرئيس «السيسي»، الذي رفض فيه دور التابع، وأكد أن مصر لن تركع، كل ذلك دفع المملكة إلى البحث عن أصدقاء «تابعين» بدائل لمصر.

حلف الضرورة (السعودية- بريطانيا- تركيا- قطر- باكستان- إسرائيل) بديل الحماية المصرية الأمريكية:

لم تجد الرياض طريقا لمواجهة تغير رياح السياسة العالمية، إلا بالركوب في مركب قطر وتركيا، ولأنها تشعر أنهما لا يملكان القوة الكافية لترجيح أية مواجهة عسكرية محتملة مع إيران، فقد لجأت لفتح قناة اتصال مباشرة مع إسرائيل، فأرسل الملك سلمان مستشاره الجنرال أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، إلى تل أبيب لترتيب الأوراق، كما فتحت قنوات اتصال مع بريطانيا واستخدمت نفوذها لضمان وقوف المملكة البريطانية معها.

الخطة السعودية لمواجهة إيران كانت تقوم بالأساس على ضرورة تدخل الجيش المصري، في حال اندلاع أية حرب، إلا أن تزايد الصراع بين البلدين، دفعه للبحث عن بديل إسلامي، يضمن ولائه، فكان لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، في قصر اليمامة بالرياض، الأحد الماضي، مع قائد الجيش الباكستاني الفريق أول قمر جاويد باجوا.

ويرى محللون أن حاجة الرياض الماسة لضم الجيش المصري لتحالفها الجديد وضمان وقوفه في جانبها وفق أي احتمالات، تعززت بعد وصول «ترامب» ودخول علاقتها مع أمريكا عصر الخريف، ما دفع المملكة للضغط بشتى السبل على القاهرة، لضمان ولائها فعليا، وبهذا يبررون استخدام المملكة المكائد السياسية كجزء من عصى موسى، بعد فشل الجزرة والذهب في شراء الولاء.

سيناريوهات مستقبل العلاقات:

حتى وقت قريب، كان الرهان أن الحاجة المشتركة لبقاء التحالف الثنائي بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، كافية لابتلاع الخلافات وتحجيمها، إلا أن أحداث الأسبوعين الماضيين، تؤكدان أن السعودية لم تعد مقتنعة بهذه الآلية، وأنها تبحث إما عن تحالف وثيق تتبعها فيه القاهرة، أو عن حرب باردة تعتمد على المكائد السياسية.

ومع تأزم الموقف، تتواصل الوساطة الإماراتية الكويتية، لإعادة العلاقات بين البلدين بشكل كلي، أو على الأقل التطبيع الجزئي وفق مبدأ ابتلاع الخلاف حفاظا على المصالح المشتركة، إلا أن المعطيات الحالية ترجح استمرار الخلاف وتصاعد لعبة المكائد.

وفي لعبة المكائد والصراع البارد، يبدو أنه لا يزال في جعبة البلدين ما يوجع الآخر، فالرياض قد تقوم بتحركات اقتصادية توجع النظام المصري، مثل سحب الودائع والاستثمارات التي تقدر بأكثر من 25 مليار دولار، وإذا طلبت ذلك لن يكون أمام السيسي سوى ردها، والبحث عن بدائل.

كما يمكن للرياض التحرك سياسيا لمحاصرة النظام المصري بالتضييق على علاقاته مع الخليج، إضافة لدعم الإخوان، خصوصا بعد فشل الوساطة السعودية في إنهاء الصراع بين الإخوان ومصر، وفق المبادرة التي أعلن عنها إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، في نوفمبر الماضي.

في المقابل، لا تزال في يد القاهرة أدوات تصعيدية، أهمها سياسيا اللعب على التقارب مع إيران، وربما تطبيع العلاقات، ودعم الحوثيين وعلي عبد الله صالح ما يهدد الفناء الخلفي للأمن القومي للمملكة، والدخول في تحالف مصالح اقتصادية مع العراق وليبيا حفتر، إضافة لدعم مبادرات اقتصادية تقشفية طرحت في أوقات ما كعقاب مصري للمملكة مثل مبادرة خالد صلح بخصوص وقف برامج العمرة سنة، ما يعني حرمان السعودية من 10 مليارات ريال سعودي، وفق تقديرات المملكة.

والأخطر بالنسبة للسعودية، أن استمرار الخلاف مع مصر، والتقارب البديل مع قطر وتركيا، قد يهدد برفع عصا الانشقاق بين دول مجلس التعاون الخليجي لأول مرة، خصوصا وأن الإمارات والكويت والبحرين يشاركون مصر نفس الرؤية حول القضايا الإقليمية، ويتخوفون من تمدد الإرهاب أكثر من تمدد إيران.

شاهد أيضاً

ارتفاع قيمة واردات مصر من الوقود إلى 12.5 مليار دولار

قال مسؤول حكومي إن مصر استوردت شحنات وقود من الخارج بقيمة تجاوزت 12.5 مليار دولار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.