عندما تعاني بعض الدول من بعض المشكلات التي تحول دون انطلاقها في أهم ميدان وهو ميدان التعليم، ينبغي أن تنطلق راغبة؛ لتبحث عن روافد جديدة تصب في قنوات التعليم؛ ولكي تسهم هذه الروافد بشكل أو بأخر في بث الحياة في مجال التعليم، وتساعد في التغلب علي المشكلات، وتقديم الحلول، وتصبح مع مرور الوقت من أولويات النظام التعليمي.
ومنظمات المجتمع المدني العاملة في التعليم، وما قدمته من تجارب ناجحة في هذا الميدان، تعد شاهدا علي أن تلك الروافد يمكن أن تحدث تغيرا، بل يمكن أن تقدم نموذجا جيدا يمكن البناء عليه، والاقتداء به، لفتح آفاق جديده لتعليم جديد.
ومدارس المجتمع التي نشأت من رحم المجتمع المدني، والمؤسسات العاملة والمهتمة بالتعليم في بداية التسعينيات تعد نموذجا لتلك الروافد، وقد أقيمت هذه المدارس في المناطق الريفية المحرومة من الفرص التعليمية؛ لتقدم تعليما معادلا للمرحلة الابتدائية في النظام التعليمي المصري، وقد اشترك في إقامتها والإشراف عليها هيئة اليونيسف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم المصرية والمجتمع المحلى، وهذه المدارس اكتسبت أهمية خاصة؛ لأنها هدفت إلي تقديم خدمة تعلمية مناسبة للأطفال الذين تجاوزوا السن القانونية المناسبة، وهم غير ملتحقين بالتعليم ، وعلى غرار مدارس المجتمع تم إنشاء العديد من التجارب المماثلة منها المدارس الصديقة للفتيات.
وتبرز أهمية التعليم المجتمعي فيما يقدمه من مهارات تعلميه للتلاميذ، واكسابهم مهارات حياتية، وأيضا من خلال إسراع تعليمي يقدم للتلاميذ من خلال فصل متعدد المستويات، فإذا كان من دواعي عدم تعليم الأهالي لأولادهم وبناتهم هو كبر سنهم فإن التعليم المجتمعي يسهم في سرعة إتمام مرحلة التعليم الأساسي، وذلك حسب قدرات التلاميذ التعليمية، وأيضا بما يتناسب مع سنهم.
وقد تبني هذا النوع من التعليم استراتيجيات تحد من التسرب وترتقي بنوعية التعليم منها: اعتناق فلسفة ” التعلم الذاتي ” ومشاركة الطفل في العملية التعليمية، والبعد عن المعاملة السيئة للطفل، وتدريب الميسرات ( المعلمات ) تدريبا جيدا حتى يتسنى لهن فرصة ” تيسير ” عمليات التعلم الذاتي، وكذلك الاعتماد علي نظام الفصل الواحد متعدد الأعمار، والاعتماد علي تصميم خاص لأثاث الفصل يساعد علي تحقيق هدف التعلم الذاتي والابتكارية والعمل الجماعي، وتكوين فريق يتضمن إشراف فني وميداني محكم لمساندة التعليم في هذا النوع من التعليم.
وكشاهد عيان ومشارك في معظم تلك التجارب ولسنوات ليست بالقليلة فإن هذا التعليم تميز بالعديد من المزايا على الرغم من الظروف الصعبة التي يعمل فيها ومن هذه المزايا: إدارة الفصل بأسلوب فعال، تنفيذ أفكار لوسائل متنوعة وفعالة، التواصل الجيد بين الميسرات والتلاميذ، توظيف خامات البيئة لإعداد وسائل تعلمية فعالة ومناسبة، والإسراع التعليمي للتلاميذ “كبار السن والمتفوقين علمياً “، والإدارة الذاتية للتلاميذ للفصل وممارسة هواياتهم، واستخدام الأركان التعليمية الفعالة، واستخدام استراتيجيات متنوعة للتعلم النشط، وتوفير بيئة تعلمية أمنة ومدعمة للتعلم النشط.
وأخيرا وفي تلك اللحظات المهمة من تاريخ الوطن، والتي نحتاج فيها إلى تعظيم كل الجهود؛ لتصب في صالح العملية التعليمية أتمني أن يأخذ هذا النمط من التعليم حظه من الرعاية، والعناية والاهتمام، وإزالة كافة العقبات التي تحول دون توسعه، وقد يكون من المناسب في هذا السياق أن يكون للوزير نائبا للتعليم المجتمعي يكون من ضمن مهامه دعم المشاركة المجتمعية في التعليم، والتمكين له بما يحقق الشمولية والاستمرارية ، والفاعلية، وتكوين اتجاهات إيجابية نحو التعليم المجتمعي، واستثمار الطاقات وتراكم السنوات الماضية، والبناء عليها، ووضع الأُطر اللازمة لنمو هذا القطاع من التعليم، ويكون من ضمن صلاحياته القدرة علي جذب وتنفيذ المزيد من التجارب الناجحة، وهذا يصب في مصلحة تجويد التعليم، والوصول به إلي قطاعات كانت تذهب ألي جبال الأمية المتراكمة، والمتنامية، والممتدة في كل مكان.
وأخيرا فان التعليم المجتمعي تجربة جديرة بالاهتمام بها، والبناء عليها، واستلهام أسباب نجاحها؛ للقياس عليها في مواطن أخري تصب جميعها في نهر التربية والتعليم الراكد منذ سنوات طويلة.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط
الوسومأ.د/ عبدالرازق مختار محمود
شاهد أيضاً
مهرجان الفوضى الخلاقة ؟
نجيب طـلال كــواليس الفـوضى : ما أشرنا إليه سلفا حول المهرجان الوطني للمسرح (؟)(1) اعتقد …