أناستازيا اسم لكلبة تعيش في بيئتنا العربية، وفي مصر التي تعاني من لهيب الوضع الاقتصادي، وقد لا يكون هناك غرابة في غُربة الاسم عن بيئتنا، ولكن الغريب تلك الضجة التي قامت من أجل ما قيل كذبا أنه اغتصاب من بعض الشباب، سرعان ما تحول إلى هتك عرض بآلة حادة، فأجريت لها على عجل عملية جراحية فيها تم إزالة الرحم لتلك الكلبة المسكينة.
نعم أمرنا ديننا بالرفق بالحيوان، وفي ديننا يدخل الرجل الجنة؛ لأنه سقى كلبا بخفه فرحمه الله برحمته للكلب، وأخرى في ديننا تدخل النار؛ لأنها حبست قطا ومنعته من الطعام، فكانت قاسية فنالت جزاء القسوة؛ فالحيوانات خلق الله، ورسولنا أرسل رحمة للعالمين الإنسان، والحيوان، وكل المخلوقات.
ولكن ما حدث لهذه الكلبة المسكينة يؤشر علي أننا أصحبنا ممن يتقاذفه الهوي، ويهوي بها الهزل، ويغرقه السفه، فعندما تفرد لتلك الكلبة عشرات الساعات علي القضائيات، وسيل من التقارير، وزفة من العناوين لم تفرد لأهم القضايا منها علي سبيل المثال تغيير قانون الجامعات الذي يمس شكل الأمة بكاملها في المستقبل، ويخاطب بشكل مباشر حياة قرابة ربع مليون من أعضاء هيئه التدريس والعاملين بالتعليم العالي، وما يقارب ثلاثة ملايين طالب من خلفهم ملايين كثيرة من الأسر. ولكن يبدو أن الإعلام يري الكلبة أناستازيا هي أولي بالرعاية، وتسليط الأضواء من كل هؤلاء، ناهيكم عن قضايا أخرى ربما أكثر أهمية وإلحاحا، وربما بعيدة أسطوانات التشكي، ووصلات الردح اليومي علي تلك الشاشات.
والعجب العجاب ما جاء على لسان صاحبة الكلبة التي أرسلت الصرخات طلبا للمساعدة، فكان هناك فريق ساخر، ومحرض، ورافض، ومبالغ في التهكم، وأنا لست معهم، وفريق آخر كان رقيق بدرجة تثير الألباب، أرسل لصاحبة الكلب سيلا من الاتصالات من داخل مصر، ومن خارجها تطلب تبني أناستازيا، وتتكفل برعايتها، وتقوم على راحتها، فما كان منها إلا الرفض لارتباطها الشديد بكلبتها، وهذا لها حق.
ولكن ألا يعلم هؤلاء الغارقون في الحنو، والمنغمسون في الرقة، والحالمون حتي عالم الكلاب، أن شوارعنا عامرة بأطفال بلا مأوى، وبهؤلاء الذين يلتحفون السماء في البرد الشديد، ويتضورن جوعا، ولا يجدون إلا ما تجود به صناديق القمامة، ألم يمس هؤلاء تلك القلوب الرقيقة؟! ألم ترقب تلك الأعين التي تباكت علي أناستازيا هذه الآلام الصارخة، والصامتة، والمرهقة، والمتعبة في كل زوايا شوارعنا، وعلي أطراف نواصينا، وعلي حواف تلك الكباري القديمة، وخلف إطارات السيارات؟! ألم تخجل تلك العيون، وهي تذرف الدمع علي أناستازيا أن تدقق النظر في هؤلاء فتبحث علي مؤسسات تهتم بهم، وتتولي رعايتهم فيقدمون لها ولهم العون؟!
وأخيرا فإن أمه هذا إعلامها، وهؤلاء الرحماء فيها، ممن يقدمون الكلاب علي البشر، هي أمة تحتاج الي المزيد من الصياح، والعمق في الصراخ؛ حتي تعد جيلا شريفا رقيقا بحق يهتم بالبشر وقضاياه، ويدرك أن رحمة الحيوان أيضا من العبادة.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط
الوسومأ.د/ عبدالرازق مختار محمود
شاهد أيضاً
صناعة الانحدار !!!
كمال زاخر الخميس ٧ نوفمبر ٢٠٢٤ من يحاربون البابا الحالى هم تلاميذ من حاربوا البابا …