الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

قلم شريف .

الكلمة نور… وبعض الكلمات قبور… بعض الكلمات قلاع شامخة… الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة… الكلمة حصن الحرية ……
فليس هناك شيءٍ أخطر من الكلمة، ففي البدء كانت، وفي النهاية تكون، والكلمة هي المسئولة عن الحب والبغض بين الناس؛ فكم من كلمةٍ غرست المودة والرحمة والحب والألفة في قلوب الناس، وكم من كلمةٍ زرعت البغضاء، والحقد والكراهية في القلوب، فأشعلت الفتنة وعمت بسببها النقم، وتفككت بسببها أواصر المجتمع
تللك الكلمة المقدسة التي تقف بمحاذاة أدوات البناء الكبرى، وفي ذات اللحظة تقف بجوار أدوات التدمير الكبرى، تلك الكلمة تحتاج إلى قلم شريف يسطرها وهو أمين، ويحرسها وهو يقظ الضمير.
فالإعلامي الذي ينقل ويحلل الخبر، ويشكل وجدان الأمة، ويذود عن ذوي الحاجات، ويسلط الضوء على ممارسات يرجي دعمها أو علاجها، عندما يفعل ذلك وهو يراعي ضميره، وتحرصه قيمه، ويردعه خوفه من سيف الحق، وسلطان الصدق، هو قلم شريف.
والمعلم وهو يبث رسالته المقدسة، ويرسخ القيم في نفوس طلابه، ويصنع من نفسه قدوة، ونموذجا يحتذي به، ويسهم في علاج المفاهيم الخطأ لدي أبنائه، ويضعهم علي طريف المستقبل مسلحين بمعرفه رصينة، ومهارات مميزة، واتجاهات وميول صائبة، هو أيضا قلم شريف.
والضابط المؤتمن الذي يسجل تحريات تُلقي بأفراد في أحضان البراءة والسلامة، أو تقذف بهم في غياهب الظلمات، وهو يفعل ذلك يتحرى الدقة، ويعمل جهده ويبذل وقته، ولا يبخل وهو يفعل ذلك أن تكون الرحمة رائدا ودليلا له، هو أيضا قلم شريف.
والطبيب الذي تحتضن يديه آلام المرضى، وآهات الموجوعين، وهو يشخص ويكتب العلاج بعيدا شركات الأدوية التي يحابيها، أو يرسل مرضاه إلى معامل تحاليل له شراكة فيها، دون جدوى أو فائدة ترجي من تلك التحايل، أو يكلف مرضاه مالا يطيقون من الأموال، ويحول رسالته إلى تجارة، هو أيضا قلم شريف.
والمهندس الذي يرسم ويخط بمهارة وأمانة ما يؤثر علي حياه البشر، بعيدا علي كوارث المحليات، وتقاريرها الوهمية، هو أيضا قلم شريف.
والأديب الذي يضع في خلفيته قيم راقية ينبغي أن يسهم في غرسها في وجدان أمته، ويحرص أن يعزز مكانة وطنه بين الأمم، ويبث من خلال كلماته كل ما يقوي أوصر المجتمع، ويستخدم قلمه نارا تحرق كل الداعين إلى هدم القيم، ودس الفرقة، وغرس الانحلال، هو أيضا قلم شريف.
و القاضي الذي تفرد دون البشر أن يصدر أمرا بقبض الأرواح بأمر من الله، وأن يحبس الحرية، وهو يفعل ذلك عندما يواصل الليل بالنهار متحرياً، ومدققا، وباحثا عن الحق والحقيقية، خالعا رداء الهوى، ومتقلدا وشاح الشرف، ومرتديا لباس الفضيلة، هو أيضا قلم شريف.
والوزير والمدير والمسئول مهما كانت حدود مسئوليته، وهو يضع أمامه ما يؤذي من يتولى أمرهم؛ فيبادر بالعودة إلي ضميره، ولا يعمل إلا الصواب، ولا ينتصر إلا للحق، ولا يسعى إلا للصالح العام، هو أيضا قلم شريف.
وأخيرا فإن القلم الشريف هو كذلك في كل الأحوال، ومع كل الأشخاص، وفي كل الحالات، فالشرف سلعة غالية، يسجل صاحبها في وجدانه ما يجعله ينام قرير العين، خالي البال، مستريح الضمير، حسن السمعة، يورث أولاده ثروته من تلك السمعة التي لا تعدلها كنوز الأرض مجتمعة، فأولئك الذين يخشون على أولادهم بعد مماتهم، قد وعدهم الله بعدم الخوف على ذريتهم، فالله قد تكفل بهم، وذلك إن هم قالوا قولا سديا، والقلم الشريف ينعكس علي كامل المجتمع رقيا، وسموا، وإشراقا، ويصبح الشرف هواء نقيا يتنفسه الجميع، ويصبح سلعة رائجة في كل الأسواق، بل يصبح عدوي حميدة تتنشر في كل الساحات.
فقلم شريف ينتج قيما، ويرسخ عدلا، وينثر حبا، هو أداة الوطن في معركته ضد التخلف، وضد الفساد، وهو أيضا طريق الأمة الممهد للعبور إلى مستقبل نحلم به، ونتمناه جميعا.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الرديكالية القبطية وفن صناعة البدع والازمات

مايكل عزيز ” التركيز على ترسيخ مفهوم ديني جديد ، وإعادة ترديده بشكل دائم على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.