جريدة الأهرام الجديد الكندية 
مقالات مشابهة
بقلم : الحسين خضيرى
اصطفى الله من عباده من اصطفى, وكتب لبعض القلوب الرضا صاحب أحد هذه القلوب, التقيت به أثناء إحدى جولاتي بعد العصاري. مستظلًا بشجرةٍ عتيقةٍ, جلس بوجهه الذي تشي ملامحه بقناعةٍ ورضًا يندر أن تجدهما, استوقفني هذا المشهد, رجلٌ يستظل بشجرةٍ عتيقة عند إحدى النواصي, مستندًا إلى الرصيف, يفترش الأرض, حافيَ القدمين, إلى جواره دراجته العتيقة, وأمامه أدوات صنعته البسيطة, وابور جاز قديم, وكاوية من الحديد, وشريط من القصدير, هذه هي كل أدوات عم نوبي, الذي يقوم بما أسماه لي بـ “السمكرة” عم نوبي كان على المعاش, يأبى أن يجلس في البيت خامل اليدين, كما حكي لي على حدِ قوله- القعدة في البيت تجيب الهمّ والواحد لو يخرج حيقابل ناس ويشوف ناس ويعمل حاجة تنفعه وتنفع الناس, وتكفيه شر العيا- حين ساءلته متى تعلمت السمكرة يا عم نوبي, شردَ بذهنه بعيدًا وأرسل ناظريه إلى السماء وابتسم كما لو أنه يرى شيئًا لا يراه غيرُه, وقال لي: تعلمتُها من جلستي عند رجل سمكريٍ كان اسمه عبد الحميد, كنتُ ابن خمسين عامًا حين لازمته وعلمني إياها, وحين أُحيل عم نوبي إلى المعاش, لم يركن إلى الخمول, بل دعته الحياةُ وعشقُها إلى الخروج ثانيةً إلى العمل, عشق عم نوبي السمكرة, رغم أنه قد لا يأتيه في اليوم أكثر من أربعة زبائن, منهم من يريد لحامَ شيشته أو تانك دراجة بخارية, ومنهم من يريد لحام شئ آخر, كعصارة عصير القصب, التي ترونها في الصورة, عرفتُ أنها كذلك حين ساءلتُ الشاب الذي راح يتأمل عم نوبي مثلي بفضول المُحب, ما اسم هذه..وفيم تُستخدم, أجابني بأنها توضعُ على عصارة عصير القصب.
عم نوبي قنوع ويغلب الرضا على سمرة وجهه الجنوبي, تركتُ عم نوبي بعد أن استئذنته أن أكتب عنه هذي السطور القليلة, ولم أنسْ أن أسأله أن يدعو لي, فقال ببساطةٍ غير معهودة إلا من قلبٍ نبت فيه الإيمان منذ عهود: سأدعو لك في صلاة الفجر.
بارك الله لك وفيك يا عم نوبي, وبارك لك في رزقك القليل, رزقك الحلال, الذي دعاني أن أسألك بأن تدعو لي.
