الإثنين , ديسمبر 23 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

المُهمة

مدحت موريس

ساعات قليلة وتنتهى المهمة لاعود اخيراً الى وطنى، اديت عملاً جليلاً والأمور تبدو مطمئنة الى حد كبير….هكذا كتب وهو يختم تقريره الذى جاء فى صفحات قليلة قد لاتتناسب مع خطورة المهمة الصعبة التى قام بها على مدى اعوام.

نهض من مكانه، خرج الى الشرفة ليلقى نظرة وداعية على المكان……ما هذا؟؟؟؟

تساءل بينه وبين نفسه فى قلق وهو يرى التزاحم الشديد والغضب المتصاعد الى عنان السماء…نظر الى ساعة معصمه فى دهشة…لا يوجد خطأ فعقارب ساعته تشير الى الزمن الصحيح فما معنى ذلك المشهد الذى يراه….الزحام شديد والاصوات الغاضبة بدأت تصل اليه فى شرفته العالية، نفس الوجوه ونفس الاصوات…بل ونفس الهتافات.

سمع مقولة من قبل هو نفسه لا يصدقها بأن التاريخ يعيد نفسه….فهل يفعلها التاريخ ويعيد نفسه؟….ابتسم لفكرة داعبت عقله ايكون المشهد الذى يراه وهمياً؟

ايكون هذا هو تأثير تعاطى المخدرات؟ هو متأكد تماماً انه لم يقرب المخدرات منذ ان جربها اول مرة منذ عدة اعوام وعلى الرغم من السعادة اللحظية التى عاشها معها وتمتعه بها الا انه لم يعاود الكرة لأنها تعوق المهمة المقدسة التى جاء من اجلها….

اتسعت ابتسامته بفكرة اكثر وزناً من فكرته الاولى ….ايكون كل هؤلاء الذين خرجوا الى الشوارع والميادين يهتفون وينذرون…قد تعاطوا المخدرات بصورة جماعية؟..

هو لا يستبعد ذلك بل ان هذه الفكرة اكثر قبولاً لديه…لم تستطع ابتسامته الصمود عند هذا الحد فتحولت الى ضحكة عالية…تحولت الى قهقهات متوالية وهو يتذكر الذهول الذى تملكه وهو يرى الناس الذين عرفهم جيداً بل ودرس سلوكياتهم دراسة عميقة متأنية وعرف مدى تدينهم الشديد وايمانهم العميق لدرجة ذكر اسم الله

والتسبح بحمده فى كل عمل يقومون به…يشكرونه ايضاً على نعمة الحشيش اثناء تعاطيهم له والأمر الأشد غرابة هو انهم لا يشعرون بأى تناقض فى هذا!!! مازالت الهتافات تدوى فى السماء…والشعارات المرفوعة مازالت كما هى منذ اعوام والخسائر تتوالى….نفس الحديث يتكرر…

اغلق التليفزيون الذى صار بالنسبة له كجهاز التسجيل …انهم يتسمون بالطيبة والتلقائية…والبعض يفسر الطيبة الزائدة بأنها درجة من درجات الغباء…ووفقاً لأفكاره لا تنطفىء النار المستعرة اذا سقطت فوقها قطرة ماء…..فكيف لهؤلاء وهم فى اعلى درجات ثورتهم وغضبهم تضحكهم نكتة سخيفة تكون -غالباً- جنسية؟…

وانهمر سيل التناقضات التى رآها ليخلق مشاهد متنوعة امامه تثير الضحك والبكاء معاً شعوب تحترم التقاليد قلوبهم تبكى وتنوح اذا سمعوا بمجاعة يعيشها اطفال يبعدون آلاف الأميال عنهم ويبدون استعدادهم لاقتسام طعامعهم معهم ولا تلين نفس القلوب اذا رأت رؤى العين طفل من ابناء جلدتهم يسقط صريعاً امامهم!!!

شعوب تحترم وتقدر الانثى لكونها الأم التى حملت وضحت وربت..ثم تتعامل معها تماماً كقطعة من الحشيش…يغلفونها بعناية فى ورقة من السوليفان بمنتهى الرقة والعذوبة….ثم عند استخدامها للمتعة يحرقونها على جمر من نار مستعرة وهم سعداء. آآآه لهؤلاء لكنهم فى النهاية..يتسمون بطيبة القلب ولا يميلون الى العنف….

قالها فى نفسه قبل ان يسمع اصوات انفجارات فى الخارج…جرى نحو الشرفة فرأى سحب الدخان ترتفع نحو السماء مصحوبة بصرخات وهتافات….فلم تنقطع الهتافات…لن يستمر فى متابعة المشهد…فقد رآه قبل عامين..هو ايضاً يعد العدة للرحيل ومازالت هناك بعض السطور باقية ليستكمل بها تقريره….

وضع التقرير امامه، استعرض ما كتبه قبلاً من هوامش وتفاصيل، بدا راضياً عن كل ما تضمنه تقريره ثم بدأ فى خط نهاية التقرير” بعد معايشتى لهم لعدة اعوام، وبعد ما تضمنه التقرير من تفصيلات توضح التناقض الغريب فى مواقفهم وافعالهم وسلوكياتهم، اقرر بأنهم منشغلون تماماً بمشاكلهم الحياتية اليومية،تلك المشاكل التى غالباً ما يصنعونها بأنفسهم ثم يبدأون فى البحث عن حلول لها…

وبعدما رأيت بعينى واستمعت بأذنى واستوعبت بعقلى اقرر بأن شاغلهم الأعظم هو البحث عما يُسمى بالعدل والعدالة الاجتماعية وهم على هذا الحال منذ زمن بعيد وسيستمرون على نفس الحال لأزمنة قادمة، وبناء على ما تقدم فلا صحة اطلاقاً لتلك الأقاويل المتعلقة بوجود نية لديهم فى غزو كوكبنا”. قام بالبحث واعداد التقرير نيستاش13 عضو المعمل الفضائى بكوكب هلوموس

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.