بقلم : مروه أحمد
لطالما كانت لدي القناعة أن عمرو أديب هو أمهر إعلامى النظام، (مع ملاحظة الفارق بين المهارة والمهنية)، لدرجة تدفعني لقناعة بأنه يجب على النظام الحالى أن يؤمّن على حياته.
بداية إن أردنا تحليل الإعلام المؤيد للنظام عبر نموذجه الأشهر والأكثر صخبا أحمد موسى، سنجد أنه يخاطب شريحة محدودة جدا كتفكيره، وهم من قرروا إتخاذ موقف عدائى من يناير منذ يومها الأول وحتى الآن لدوافع مختلفة، إما لثقافة ضحلة تخولهم لتصديق أكاذيب لا يصدقها الأطفال، أو خوفا على مكاسب ما.
رجل يروج لأن كل شئ عال العال زى الفل، ولكن المؤامرات الخارجية فقط ما يعكر صفو حياتنا
يضحكني رغم أنه ثقيل الظل لأنى أشعر كلما رأيته بأني أشاهد شيئا يعود لعصور ما قبل التاريخ.
ناهيكم عن عدد من الإعلاميين منعدمي الكاريزما والكفاءة، وبالتالى لا يحظون بنسبة متابعة تذكر.
أما عمرو أديب فيخاطب الشريحة الأعرض من المواطنين، الذين يكرهون الفساد ويكرهون حقبة حسنى مبارك بطبيعة الحال، ولن ينسوا بالتقادم ما ارتُكب فى حقهم من جرائم خلالها، ولكن خاب أملهم لأنهم لم يجنوا ثمار الثورة سريعا، ليسوا مؤيدين ليناير تماما وليسوا معارضين لها، ودوافعهم في هذا أكثر إنسانية، إما الخوف الغريزي من مستقبل مجهول خاصة فى لحظات مربكة كالتى نعيشها، أو غياب الثقافة السياسية بسبب توقف الحياة السياسية منذ عام 1954.. فوارق الأجيال أو أية أسباب أخرى.
لم يفهم الكثيرون أن كثيرا منهم أيدوا السيسي لا بسبب الحنين للنظام القديم، ولكن لأنهم لم يربطوا بينه وبين النظام القديم، رأوا فيه إبنا للمؤسسة العسكرية غير مسؤول عما كان يفعله مبارك، ويحمل الكثير من الخير لهم، وبالتالى تتراجع شعبيته بينهم الآن.
بإختصار هم القطاع الأوسع فى أى دولة فى العالم، المواطنون الباحثون عن “المصلحة ” وفقط.
عمرو أديب يدرك هذا جيدا، ولهذا يتعامل بذكاء شديد، فهو لا يهاجم يناير أبدا بشكل مباشر ولا يتهم الشباب بالخيانة عمّال على بطّال، ولكنه يلمح للمؤامرات التى اخترقت مصر عبر الثورة ومخطط الشرق الأوسط الكبير.. إلخ، وهو طرح يلقى قبول القطاعات السابق ذكرها التى لا تجزم بأن الثورة مؤامرة كما يزعم أحمد موسى وجمهوره، ولكن على أقل تقدير هى ردة فعل طبيعية لممارسات آل مبارك الأخيرة
وتم اختراقها وكفاية عليها كده.
عمرو أديب ليس ساذجا ليحاول إقناعك بأن الوضع عظيم وعال العال، ولكنه يروج دائما لمرافعة أحمد زكى “كلنا فاسدون لا أستثني منكم أحدا”، وبالتالى من المفهوم ضمنا أنك فاسد تحب الفساد وتمارسه يوميا فى تعاملاتك، وبالتالى مالكش عين تطالب بالتغيير، وأن الفساد الإدارى متوغل لدرجة تستعصي على الإصلاح أو على الأقل تحتاج لديشليون سنة كده وربنا يدينا ويديكم طولة العمر.
ولأن أذكى أشكال الكذب هو ذلك الذى يحتوى على شئ من الحقيقة، فطرح “أديب” لا يخلو من الحقيقة، ولكنه يتناسى عشرات الدول الفاسدة التى نجحت فى الإصلاح بسبب وجود إرادة سياسية، رغم أنها لم تكن تقل فسادا عن مصر، وأننا مارسنا الفساد بسبب غياب القانون الذى لم يترك لنا شكلا آخر من التعامل.
الأخطر هو التبنى المستمر لمنهج الرأسمالية فى التعامل مع القضايا المختلفة، وبما أن هناك تحالفا بين رجال الأعمال والسلطة منذ السبعينيات، فيصب خطابه لصالح السلطة فى النهاية، ولكن بشكل أكثر أناقة وحداثة.
لكن لأن ما يحدث فى بلادنا ليس رأسمالية بمعناها الدقيق، بل حكم مجموعة من حرامية الغسيل، يعرض هذا الطرح مبتسرا، فنجده يتحدث عن ترهل الجهاز الإداري باعتباره أكبر عائق فى طريق تقدم الدولة وملايين الموظفين غير المنتجين، والذين لا يجرؤ أحد على استبعادهم كما تفعل الدول (النضيفة)
وكما قلنا فى كلامه شيء من الحقيقة دائما، فالجهاز الإدارى مترهل فعلا، ولكن ليس بسبب العدد فقط، بل بسبب غياب التدريب والتأهيل والقوانين المنظمة للعمل والتى هى جميعا مسؤولية الدولة قبل الأفراد -مع إحترامى لإعلانات مكافحة الفساد للسيد بيومى فؤاد-
تناسى الأستاذ عمرو أيضا أن بالدول الرأسمالية (النضيفة) ديموقراطية تضمن محاسبة المسؤولين، وتكافؤ فرص يضمن العمل وفقا للكفاءة لا بالوساطات، وحد أدنى للأجور بالساعة، وقوانين ناجزة واقتصاد إنتاجي يجذب الاستثمار، والعائق أمام التخلي عن هؤلاء الموظفين ليس بلطجتهم، فهناك تداعيات اجتماعية يجب مراعاتها عند اتخاذ أي قرار، لنا أن نتخيل تداعيات حرمان ملايين الأسر من الدخل وما يعقبه من ارتفاع معدلات الجريمة.
يستضيف عمرو أديب أركان النظام السابق كحسين سالم ليخلق حالة جدل تصب فى صالحه فى النهاية، ويستضيف خالد داوود وأمين إسكندر والسفير معصوم مرزوق، وهى وجوه لم تظهر كثيرا مؤخرا، ليضمن ولاء القطاعات العريضة غير الفاسدة السابق ذكرها، مع تأكيده طوال الحلقة بأنهم أقلية وأنه -وفي لمسة إنسانية- حايش عنهم شتيمة المتصلين!
ولأنه لا يخّون بشكل مباشر ولا يطبل بشكل أحمق، يعتمد على ضعف إطلاع مشاهديه على الإعلام الغربي، فنجده يصفق للإفراج عن الصحفي الأسترالي وما له من رد فعل إيجابية تجاه الدولة المصرية فى الإعلام الغربي
لامتصاص غضب الناس تجاه تمييز الأسترالي عن المعتقلين المصريين، رغم أنه يفترض أننا منيمين الغرب من المغرب! بينما الحقيقة أن الرجل شهد بكل وسائل الإعلام أن التجربة التى مر بها أكدت له سوء الأوضاع القانونية بمصر، ولم يمتدح الإفراج عنه ولا يحزنون.
يحتفل بقناة السويس لا لأنها ستدر ديشيليون دولار ربح، ولكن لأننا وضعنا هدفا وأنجزناه، بغض النظر عن جدواه، وهو ما يعفيه من الحرج بعد ما كل شيء إنكشفن وبان حاليا، إلى آخره من أمثلة.
اللعبة الحلوة تستحق الإشادة حتى لو من الخصم، ولكن علينا أن نتعلم منها كيف نطور أسلوبنا لمخاطبة القاعدة العريضة وليس مخاطبة من يشبهوننا فقط.