شاعت في الآونة الأخيرة أنماط جديدة من المسئولين، فقديما كنا نتعلم عن المسئول القائد، والمتسلط، والمخطط، والملهم، والاتكالي، والديمقراطي، إلى غير ذلك من الأنماط .
أما اليوم فأصبح السائد هو المسئول الفقاعة، وهو مسئول يمارس مسئولية محدودة في إدارات صغيرة، في السلم الإداري، فغالبا تجد فوقه العديد من المسئولين الأكبر منه حجما، وقدرة، ومسئولية؛ إلا أنه يشعر متوها أن له دورا أو حجما أو حيزا.
وفقاعة الصابون فهي عبارة عن طبقة رقيقة من ماء الصابون لها شكل كروي وسطح متقزح أي يعكس ألوان قوس قزح المختلفة باختلاف الزاوية التي يرى منها السطح. تدوم فقاعات الصابون لبضع لحظات قبل أن تفقع، إما من تلقاء نفسها أو نتيجة ملامستها لجسم صلب. كما تعد عملية نفخ فقاعات الصابون من الألعاب المحببة للأطفال.
أما علماء الفيزياء فيذكرون أن الفقاعات، تتكون، وتتجمع، في أشكال كروية، لأن تلك الأشكال يمكن تكونها عند حالة ذات طاقة أقل. والفقاعات تحكمها قوانين فيزيائية صارمة ومعقدة. فعلى الرغم من أن شكلها كروي، وتمتلك أقل طاقة ممكنة، إلا أنها عند تجمعها وضغطها، تحاول أن تحافظ على الشكل الكروي، وفي حال زيادة الضغط الواقع عليها وللوصول إلى الحالة الأقل طاقة، فإنها تنبعج نحو الداخل ليصبح مجموع سطوحها أقل ما يمكن.
وخبراء الاقتصاد يعرفون الفقاعة الاقتصادية بأنها: ظاهرة تبدأ بتوسع سريع في السوق يليها انكماش حاد فيه، تتميز الفقاعة بارتفاع أسعار الأصول لتتجاوز قيمتها الأساسية بهامش كبير، وتستمر في الارتفاع حتي تصل إلى نقطة السقوط الحر يتبعها انفجار الفقاعة، وغالبا ما تحدث في قطاع معين من قطاعات السوق.
أما علماء الطب فيعرونها بأنها: النفطة أو البثرة أو الفقاعة وهي جيب من السائل يتكون تحت بشرتك، وتنجم عادة عن الاحتكاك أو الفرك، أو الحرق أو التجمد، وقد تكون مؤلمة خصوصا عند الضغط عليها بقوة، وللتخفيف من خطر الالتهاب حاول عدم لمس الجيب، فالجلد غير المتشقق فوق الفقاعة يوفر حاجزا طبيعيا ضد البكتيريا لا تثقبها إلا إذا أصبحت مؤلمة جداً أو منعتك من المشي أو استعمال يديك. ولعلاج الفقاقيع في المنزل، تفادي مصدر الاحتكاك والفرك.، وحماية الإصابة إلى أن يتاح لبشرتك الوقت للشفاء.
ومما سبق وعند كاتب المقال فالمسئول الفقاعة: هو ذلك الهواء الفارغ المحلق في سماء الفراغ، المتوهم عظم الدور، المتخيل كبر الحجم، الساعي لعبادة المسئول الأعلى، الناظر باحتقار إلى من يعلوهم في الفراغ.
هو ذلك المسئول الذي يتصور أن السير على جثث السابقين هو انطلاقة حرة في طريق المستقبل الوعود.
الذي يتصور أن منصات الإعلام الزائف هي المعامل الحقيقية لتجارب نحاجه الوهمية.
الذي يتصور أن تسويق الوهم هو التاريخ الحقيقي الضارب في جذور الواقع.
الذي يتصور أن (البكش ) هو السلعة الرائجة في بورصة الإنجازات الفارغة.
الذي يتصور أن كلمات المديح الزائفة لمقعده الخرب هي صكوك اعتراف راسخة في ديوان إعجازه الفكري.
الذي يتصور أن وهم المخادعين هو الحقيقة المطلقة التي رسخت في وجدان المعجبين.
هو المسئول الذي يهلل لسقطات المحيطين حتى لو كانوا مقربين أكثر من تركيزه فيما يقدم من إنجازات لمن تولي عبثا أمرهم.
الذي يتوهم أن بث الاشاعات هي سلاح فتاك في مواجهة من يتوهم أنهم يرضون به عدوا.
هو المسئول الذي باع كل شيء في سبيل مقعده العفن: باع كل قيم ما كانت بحوزته، كل أخلاق ما اكتسبها، كل سيرة ما كانت عطرة، كل سمعة ما كانت حسنة، ومكانة أبدا ما كانت مرموقة، باع كل ذلك ويزيد من أجل أن يصبح وهما مسئولا فقاعة.
أيها المسئول الفقاعة عاود النظر في المرآة سوف تشاهد فقاعة من سماتها الواضحة لك قبل غيرك: أنها خالية من الجذور، يتقاذفها أصحاب القلوب السوداء، والرؤوس الخالية من كل شيء إلا الشر، والحقد الدفين على ماض كانوا فيه من العبيد، والمستخدمين، والراشين، المرتشين.
هي فقاعة في الهواء بلا وزن، وفي الماء تسير على غير هدى، وبين الأيدي بلا حجم، وعند الأطفال ألعوبة، وعند الكبار أضحوكة، وهي في عين الناظرين قرين الفراغ.
أيها المسئول الفقاعة:
عش ما شئت مختالا بفراغك، منفوخا بوهمك، متعاليا بوهنك، متبخترا بهشاشتك. نعم عش ما شئت لأنك فقاعة في ثنايا تكوينها كتب الاختفاء، وفي جدان بنائها كتب الانتهاء، وعلى أعتاب غلافها سطر التلاشي، ولأنها فقاعة فقد أنشئت بلا هدف، وقامت على عجل، لا يعلم لوجودها سبب، ولا يذكر لاختفائها مبرر، هي رحلت مهما علت، وانتهت مهما انتفخت، وتلاشت مهما بعدت.
أيها المسئول الفقاعة يكفي لك وصفا أنك فقاعة، وأعلم أن هذا المقال لو شعرت أنت وفقاعاتك الصغيرة التي تحيط بك أنه يشير إليك، وأن هذه الكلمات تلمح لك، أو أن هذا الخطاب موجه إليك، يا من لست عزيزي فورا تأكد أنك مسئول فقاعة، وإن تخليت وهما أو كبرا أنها ليست لك، وأنك أكبر من الفقاعة، فتأكد فورا أنك أيضا مسئول فقاعة.
وأخيرا وفي الأوقات التي تكثر فيها الفقاعات يخيل لكل فقاعة أن لها فائدة، ولكنها عندما تتلاشي حتما، لا أعلم أحدا بكي يوما أو ندب حظه؛ لأن هنا كانت فقاعة.
نسأل الله الكريم في هذه الأيام المباركة، أيام القدرة والاقتدار أن يرسل، ريحا غابرة محملة بالرمال والأتربة، تعقبها أمطار نادية، تسحق معها وبها كل كل الفقاعات.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط