الأحد , ديسمبر 22 2024
وائل سعيد

ترزية التاريخ أو تفصيل التاريخ بالمقاس اسألوا عن قميص جيفارا وقفازي مانديلا .

كتب : وائل سعيد
خلق الله الكون قائمًا علي الأضداد؛ ليل ونهار؛ حر وبرد؛ خير وشر.. حيث خلق –الفرق- في أول الأمر، ومنه خلق كل شئ.
إذًا؛ فالأصل هو الاختلاف ومن هذا الاختلاف فقط انتشر الناس في الأرض أُمماً وقبائل ليتعارفوا.
محمد مصطفي البرادعي؛ هذا الاسم الذي قد تختلف أو تتفق عليه، تم حذفه من قائمة الحاصلين علي نوبل بمنهج اللغة العربية بالصف الخامس الإبتدائي. هل هذا هو الإشكال؟ ليس في حد ذاته بالطبع؛ فالبرادعي ليس زوجاً لأمي مثلاً.. المُصيبة في واقعة كتلك هي إستمراريتنا غير المفهومة في تأليف التاريخ بما يتوافق مع الأهواء وليس الأحداث.
أين مثلاً محمد نجيب الذي تم إقصائه من الحياة بأكملها وتناسى ترزية تفصيل التاريخ حقيقة تاريخية ليس لها علاقة بالأشخاص والأهواء مفادها أن الرجل كان أول رئيس مصري للجمهورية؟ هل استطاع مبارك حجب جميع رموز حرب أكتوبر بتصدير الضربة الجوية فقط بُرهاناً علي العبور؟؟ أظن أن التاريخ –الحقيقي- أجاب علي ذلك وأكثر!
حتى السيرة العطرة لم تنجُ من ذلك؛ فمعظمها نُسخاً تحفُل بالكثير من عدم التقصي وتسكت –مُتعَمدة- عن تفاصيل في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم، بحجة أن مثل هذه الأحداث لا يصح –كما يرون- أن تصدُر عن رسول، وبهذا يُعدونها غير حقيقية ولم تحدث، ولم تكن هذه المواقف شائنة أو مُدينة؛ فقط هي شِق بشري لا يتعارض مُطلقاً مع خُلقه العظيم، وفي نفس السياق نري الترزية يتغاضون عن الآية الكريمة: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي…).
علي هذا المنوال نشأت العقلية المصرية وتفننت تفصيلات الترزية في طمس تفاصيل حياتية لفنانين وقادة وعلماء ومفكرين، كأن الباحث عن الحقيقة يعجز عن التنقيب داخل حيوات أم كلثوم وعبد الناصر والشعراوي ومُشرفه!!
كتابة التاريخ يا سادة لها مقومات وشروط، معناها الوحيد هو تحري الصدق والحيادية في البحث عن الحقائق؛ لاسيما والمطلوب من التاريخ هو تسجيل ما جرى بالفعل وليس الحكم علي الأشخاص والمواقف.
يُقال مثلاً؛ عن ثائر العصر الحديث جيفارا، إنه كان قليل الاستحمام ولا يُغير القميص الذي لا يرتديه غير مرة واحدة إسبوعياً وظل هكذا حتى مماته، هل حرصت كوبا علي إخفاء تلك المعلومة التافهة –التي لا تُغني ولا تُشبع من جوع- وهل سيأتي من يتهم بتفصيل كهذا مُستقبلاً؟ يأتي أو لا يأتي هذا ليس بمالك يا عم الترزي، الحقيقة المؤكدة أن ذلك لن يُغير من مكانة جيفارا التاريخية.
مانديلا رمز السلام والتسامح في العالم؛ كان مولعاً بلعبة المُلاكمة! بهذه الرياضة العنيفة، هل طمس التاريخ ذلك وهل هذا سيُغير مكانة مانديلا!! الترزية يمتنعون؛ واسألوا عن قميص جيفارا وقفازي مانديلا حتى تُبعثون.
من أجل ذلك نرفع شعار (الترزية يمتنعون)، اكتبوا التاريخ كما يحدث ولا تُفصلوه، اذكروا حيوات البشر دون أحكام كما سيرها الله، ارصدوا نشأة وحياة وتعليم البرادعي دون أحكام، واطرحوا الجدل المُثار حول علاقته بإيران واحتلال العراق وعمله في الوكالة الدولية للطاقة ومن ثم حصوله علي نوبل في السلام، هذه حقائق ليس لها علاقة بالأحكام؛ الحقيقة وحدها هي الحُكم العادل.
اتركوا مهمة تفصيل التاريخ للزمان وحده فهو أجدر بها ولن تفعل المقصات في أياديكم سوى قصكم من الوعي العقلي، وثقوا تماماً بأنه لا أحد استطاع مُطلقاً طمس الحقيقة؛ حتى وإن طال الأمد، وكونوا علي الحياد و المصداقية أو لا تكونوا!!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.