الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
الدكتور إيهاب أبو رحمة

الشدة المستنصرية وتعويم الجنية المصرى .

 الشده المستنصرية إنها الكارثة المفجعة التي قصمت ظهر مصر في عهد الدولة الفاطمية العبيدية و الخليفة الفاطمي المستنصر بالله حيث استبداد الحكام الفاطميين على شعوبهم و احتفاظهم بالسلطة لفترات طويلة و تفشي الظلم و الفساد في كل جنبات الدولة و ما زاد الطين بلة نقصان منسوب مياه النيل في النهر مما أدي الي جفاف و فقر مدقع .

و لقد وصف المؤرخ الكبير تقى الدين أبو العباس أحمد بن على المقريزي في كتابه ” إغاثة الأمة بكشف الغمة ” الذي كتبه سنة 1442هذه الايام و الشده قائلاً : تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخُطف الخبز من على

رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها

وجاع الخليفة نفسة حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه أبنة أحد علماء زمانه

وخرجت النساء جياع يتظاهرن.

و خرجت إبان هذه الشده أول مظاهره نسائية في التاريخ و كانت قائده هذه المظاهرة هي أرملة الأمير جعفر بن هشام و هو ما نشرته مجلة تايم الأمريكية عام 1947 في تحقيقا صحفيا عبر صفحاتها, وأكده المقريزي في كتابه حيث يقول : ..

ومن غريب ما وقع ، أن امرأة من أرباب البيوت أخذت عقداً لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة

في أن يعطوها به دقيقاً ، والكل يعتذر إليها ويدفعها عن نفسه إلى أن وافقها بعض الناس ، وباع لها تليس

” شوال ” دقيق ، وكانت تسكن بالقاهرة ، فلما أخذته أعطته لمن يحميه من النهابة

” اللصوص ” في الطريق ، فلما وصلت إلى باب زويلة تسلمته من الحماه له ومشت به قليلاً ، فتكاثر الناس عليها وانتهبوه نهبا ، فأخذت هي أيضاً مع الناس ملء يديها لم ينبها غيره ، ثم عجنته وشوته ، فلما صار قرصة أخذتها

معها ، وتوصلت إلى أحد أبواب القصر ، ووقفت على مكان مرتفع ، رفعت القرصة على يديها بحيث يراه الناس 

ونادت بأعلى صوتها و هي تذم و تشتم الخليفة : يا أهل القاهرة ..

ادعوا لمولانا المستنصر الذى أسعد الله الناس بأيامه ، و حل عليهم عهده بالبركات حتى حصلت على هذه القرصة بألف دينار !

و أدت هذه المحنه إلى ضعف الخليفة و كثر النهب و السرقة و انتشر في البلاد الفساد فجاع الشعب

وعطش الأطفال و الكبار وانتشرت جثث المصريين في الطرقات و انتشر الوباء و المرض

ولم يعد هناك أمناً ولا أمان , ووصل الحال بأن الناس اصبحت تآكل الجيفة والميتة والقطط و الكلاب

و روث البهائم من فرط الجوع فكان سعر الكلب ٥ دينار والقطة ٣ دينار و رغيف الخبز ١٥ دينار

وهو مبلغ كبير جداً كما أن الكثير من الحرائر لجأوا إلى أن يبيعوا أولادهم وبناتهم كعبيد وجواري

و قيل أن هذه المحنه أبادت ما يقارب من ثلثي الشعب المصري في ذلك الحين .

وذكر ابن إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل زمن تلك المجاعة 

منها: أن الكلب كان يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض

لدفعه عن ولدهما من شدة الجوع والضعف ، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه

ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس، وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله !

وكانت تٌصنع الخطاطيف و الكلاليب لاصطياد المارة في الشارع لقتلهم و أكلهم ,وتراجع سكان مصر

لأقل معدل يذكر في تاريخها كله.

و لم تنتهى المحنه إلا حينما استدعى الخليفة والى عكا حينها بدر الجمالي و الذى تولى الوزارة

و كان حكيماً عاقلاً متريثاً في قراراته و كان اقتصادياً ناجحاً عمل على ادخار ما يمكن ادخاره و فرض الأمن

والأمان في ربوع المحروسة و خفف من حدة الضرائب التي فرضها الخليفة المتجبر و من حسن حظه

وفقه الله فعاد النيل إلى مجراه بعد فتره من جفاف النيل و أخضرت الأرض مره أخرى

وعادت الحياه إلى مصر من جديد ,و من فرط حب المصريون ل بدر الجمالي أطلق اسمه علي حي الجمالية

بالقاهرة تيمنا بعدله و حكمته .

تذكرت هذه القصة و أنا أتابع الأخبار التي تتنبأ بتعويم العملة المصرية .

ورغم أنى لست اقتصادياً ولا أدعى أنى أعرف حتى القليل ,و لكن متابعتي لرجال الاقتصاد الرافضين

للتعويم عبر جهاز التلفاز أشعرتني بقلق بالغ من وضع ما بعد التعويم وزاد همى بعد سماع بعض أصوات

للمواطنين عبر برامج التوك شو و هي تئن و تصرخ من الغلاء و من فقدان السيطرة عليها ومن صعوبة الحياة خاصهً

و أنه لا يخفى على أحد أبدا المشكلة الاقتصادية التي تعيشها مصر الأن و التي يصدرها و يزيد القلق منها الكثير من برامج التوك شو و الصحف المصرية

وما زاد من استفزازي تصريحات بعض الأشخاص ممن أدعوا امكانيه الحياه يومياً بجنيه واحد فقط

رغم أنهم سعوا لإعفاء رواتبهم من جميع الضرائب عليها و رغم أنهم يعيشون في حياه ترفه

لا يرى الشعب مثلها إلا على شاشات التلفاز .

لا أعلم حجم المشكلة الحقيقي كونى لست خبيراً اقتصادياً لكن ملامح الخوف و القلق تطغى على وجوه

أبناء الشعب المصري كافه و زاد من هذا الخوف فرض ضريبه القيمة المضافة و التي في حد ذاتها لا يفهم الكثير

من أبناء الشعب المصري مدى تأثيرها عليهم و على حياتهم اليومية كل هذا بالإضافة إلى ضعف الأجور

واستقرارها على ضعفها و تناقص قيمتها تدريجيا و بتسارع عجيب في مواجهه ارتفاع الأسعار

وأيضا كثره الشائعات و التي من شأنها زياده الشعور بالقلق و أيضا ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية

والتي فُقدت السيطرة عليها من قبل الحكومة .

في واقع الأمر لا أعرف كيفيه حل هذه المشكلات و لا أعرف ما هى النتائج المتوقعة و لكن السؤال هل من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه ؟؟

مجرد تخوف من مواطن لا علاقه له بالاقتصاد و لكنه يشعر بأنين الفقراء و يسمع صرخاتهم المتتالية

فهل من حلول لرحمه الناس من مستقبل مجهول تصدره لنا الفضائيات و الصحف المصريه .

أتمنى إيجاد الحلول حتى نرفع المعاناة عن أهلنا في الشعب المصرى الصبور الذى تحمل الكثير

وعلى أتم الاستعداد للتحمل في حاله إيجاد حلول عمليه علميه لا حلول وقتيه خياليه 

وعلى أتم الاستعداد للتحمل إذا وجد أن هناك عداله على الجميع في تحمل المشكله و تحمل الازدهار

فمن غير المعقول أن يتحمل بسطاء هذا الشعب الفقر وحده و يتحمل الحلول وحده ولنأخذ العبرة من

فرض الضرائب على الأمراء المماليك قبل فرضها على أفراد الشعب الفقير والتى طالب بها سلطان العلماء الإمام

العز بن عبد السلام السلطان المظفر قطز قبيل عين موقعه جالوت الشهيرة و التى أثمرت بانتصار تاريخي

على التتار حينما حل العدل و تحمل الجميع الأغنياء قبل الفقراء مسئوليتهم و حمل الجميع المحنه على اعتاقهم .

فرج الله قريب فالشعب المصرى تحمل الكثير و لن يخزله المولى في سؤاله الرحمة ,فهو الرحمن الرحيم مجيب دعوه الداعي إذا دعاه وما أكثر دعاء البسطاء لله أن يبسط عليهم رزقه و يرحمهم .
رحم الله مصر و الشعب المصرى
الكاتب : د. إيهاب أبو رحمه

شاهد أيضاً

نجيب محفوظ ومقهاه وخان الخليلي ووطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي جسد الروائي العالمي نجيب محفوظ العديد من أعماله الأدبية من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.