الأحد , ديسمبر 22 2024
البرادعى

الدكتور محمد البرادعي يكتب : حان الوقت لتعود الجيوش إلى ثكناتها .

كتب الدكتور محمد البرادعي، مساعد رئيس الجمهورية السابق، مقالا فى جريدة «Handelsblatt» الألمانية عن مأساة الشرق الأوسط، ونشر ترجمته على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»..

وإلى نص المقال الشرق الأوسط: هل هناك مخرج؟

مرحبًا بكم في الشرق الأوسط، حيث تجدون، مع استثناءات قليلة، باقة متنوعة مما كانت عليه أوروبا في القرن السابع عشر: حروب وجودية بسبب الدين، أو المذهب، أوالعرق، أو أية ذريعة أخري يمكن تصورها، هذا بالإضافة إلى الاستبداد، والفقر، وعدم المساواة، والأمية، والبطالة، أو أية مآس أخري يمكن تخيلها، وحيث السياسات الشمولية، والصراعات الجيوسياسية تحتل الأسبقية بالمقارنة بالحق في الحياة أو الكرامة الإنسانية .

ليست هذه هي المرة الأولى، وللأسف قد لا تكون الأخيرة، التي نشاهد فيها انحطاطا للقيم الانسانية علي هذا النطاق الواسع. َّويزيد من حجم المأساة هو آن الشرق الأوسط يمتلك كل الموارد البشرية والطبيعية التي تؤهله للازدهار، وأن يكون في سلام مع نفسه ومع العالم لولا غياب الحكم الرشيد، بالإضافة للتدخل الأجنبي قصير النظر غير الاخلاقى وغير القانوني أحيانًا.

— إن استمرار الوضع الحالي معناه المخاطرة بتدمير المنطقة بل والعالم بأسره نتيجة أسلحة الدمار الشامل التي في حوزتنا والتي عاجلا أو آجلا سوف تقع في إيد عناصر متطرفة، حيث إنه من قبيل الوهم أن نعتقد أننا نستطيع عزل مناطق الصراع عن باقي العالم أوأننا نستطيع أن نبني سياجا حول أنفسنا، وذلك لأنه في العالم المترابط الذي نحيى فيه اليوم وبسبب ما ادينا من تقنيات متقدمة فإننا جميعا عرضة لتبعات كل ما يجري حولنا.

ومن المبكيات حقا أننا مازلنا نتصرف وكأننا لا نستوعب علي الاطلاق هذه الحقيقة البديهية التي هي في واقع الأمر ليست فقط مسألة أخلاقية وانما في المقام الأول مسألة بقاء للبشرية. — كان يتعين علينا أن ندرك أنه لا يمكن لنا أن نترك قضايا، مثل القضية الفلسطينية، تتقيح لعقود وملايين يعيشون اما كلاجئين، أو تحت الاحتلال، أو في شتات، دون أن ينتج عن هذا الوضع احساس مستشر عميق بالمهانة.

لقد أصبح شئيا مألوفا لدي شعوب المنطقة أن تري مشاهد بشعة من قتل للمدنيين والتمثيل بهم في أفغانستان، والعراق، وغيرهما.

لقد رأوا المتهمين يسلمون خارج نطاق القانون اليد ولأخري ليعذبوا أو يرسلون الي جوانتنامو او أبوغريب ليهانو او تهدر كرامتهم . ولقد كانت أغلبية هؤلاء من المسلمين . ولقد أدى ذلك الي ترسخا لاعتقاد فى المنطقة ان قيمة الحياة الانسانية تتوقف علي من الذي يموت؟ وأين؟ .

— بالاضافة الي حالة ذهنية مفادها انه” : اذا كنت لاتكترث بي أو بحياتي فكيف تنتظر من يأن أكترث بك أوبحياتك”؟! لقد أصبح وجود مؤامرة غربية كبري ضد المسلمين جزءا من الثقافة الشعبية، وبالطبع كان الحكام المستبدون سعداء بتعزيز وتعظيم فكرة المؤامرة كمبرر لسياستهم الاستبدادية واجراءتهم القمعية .

ولايجب أن نتعجب اذا ما أصبح هذا المزيج من البؤس، والقهر، وفقدان الكرامة عاملا أساسيا فيما نراه اليوم من تطرف مقيت يسود المنطقة. لقد أدت الملحمة المأساوية في سوريا الي فرار أربعة ملايين سوري من “قلب الظلام ” أملا في ملاذ آمن في دول الغرب وغيرها .

ولقد قيل لهم في أوروبا، مع بعض الاستثناءات النبيلة :أنه لامكان لكم بيننا خاصة ان كنتم مسلمين.
وجودكم يمكن أن”يخل بالتماسك المجتمعي ” في بلادنا أو من الوارد ـوهو شيء لا يعقل ـ أن تجلبوا معكم” الأمراض والجراثيم”.

أما بعض” العقول النابهة “في الولايات المتحدة فقد اقترحوا منع دخول المسلمين بالكامل الي بلادهمأ وعدم صلاحية مواطنيهما لمسلمين لتقلد المناصب العامة، ومن الأفضل في جميع الاحوال اخضاعهم لرقابة مشددة.

— لقد استمر الشعور بالظلم، والمهانة، والتمييزالصارخ يشكل غصة في حلق المليار ونصف مسلم. ولكن المشكلة تكمن في مكان آخر؛فعندما تحول بعض المسلمين وغيرالمسلمين، ومعظمهم أصحاب سوابق جنائية، الي التطرف بسبب التهميش، أوالمهانة ،أو بسب بمشاكل نفسية لديهم، فانهم وجدوا في المفهوم المتطرف للاسلام اطارا ايديولوجيا مناسبا وضالتهم المنشودة فيبحث هم عن”هوية”.

ولاشك أن المفهوم المتطرف للاسلام قد أو كرامة وأن نفهم آن العنف ليس حلا أو ترياقا لمشاكلنا بل أنه دائما وأبدا يولد مزيدا من العنف .

يجب علينا ان نحمي الأقليات، التي كثيرا ما تتعرض للاضطهاد، من طغيان الأغلبية .

وف يتلك الصيغة للعيش المشترك فان المؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني القوي يشكلان حجرا أساسيا. — لقدحان الوقت لتعود الجيوش الي ثكناتها ، وأن يعود رجال الدين الي أماكن العبادة، وأن يسلموا السلطة الي قوي مدنية كفؤة ومنتخبة.

ولكن في كل هذا يحتاج الشرق الأوسط الي الدعم والمساندة .نحتاج أول مانحتاج الي تغيير في العقل الجمعي الانساني يرسخ لفكرة أننا جميعا ننتمي الي نفس الأسرة الانسانية والتي لا مكان فيها لأي تمييز أو تفرقة من أي نوع.

يجب أن نفهم أن المجتمعات الحرة المزدهرة هي وحدها القادرة علي تحقيق الاستقرار. — ومن الأهمية بمكان أن ندرك بأن كل التحديات التي نواجهها هي تحديات مرتبطة ببعضها البعض سواء النزاعات، أو الحكم الرشيد أو التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخ.. إن هنا كحاجة ماسة اليعقد مؤتمر علي غرار مؤتمر ويستفاليا (1648) تشارك فيه جميع القوي الكبري والاقليمية، وتطرح فيه كافة قضايا المنطقة، وأن تعالج بالتوازي من أجل أن نتوصل معا الي بناء نظام أمن إقليمي جديد قائم علي الكرامة الانسانية والمساواة والتنمية ونبذ العنف.

وبالارتباط مع هذا يجب أن يكون هنا كمشروع مساعدات ضخم للنهوض بالشرق الأوسط علي غرار مشروع مارشال في أعقاب الحرب العالمية الثانية يمول من دول المنطقة والمجتمع الدولي وذلك لخلق حافز وأمل لشعوب المنطقة في مستقبل أفضل.

ويجب أن يكون الهدف الأول من مشروع النهوض بالمنطقة هو التنمية البشرية مع اعطاء الآسبقية للتعليم، والعلوم ، والتكنولوجيا. نحن علي مشارف صحوة تاريخية فارقة. نعلم أن الطريق طويل ووعر ، وندرك أنها البداية وليست النهاية.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.