بقلم السفير الدكتور محمد حمزة الحسيني
عادت الدبلوماسية المصرية إلى رونقها مرة أخرى، فها هي تتحرك عربيًا وأفريقيًا ودوليًا في جميع المحاور لتبرز دورها الحقيقي الرائد في المنطقة، ولتعود إلينا مكانتنا الرائدة كما كانت في ستينيات القرن الماضي حينما كانت إذاعة صوت العرب تستمد منها الشعوب الأمل في التحرر والاستقلال، وكما كانت للدبلوماسية المصرية دورها البارز دومًا في دعم العديد من قضايا تحرر الشعوب العربية والأفريقية والآسيوية.
ودفعت مصر سابقًا ثمنًا باهظًا لمساندتها لتلك الحركات والشعوب للتحرر من الاستعمار واستعادة الأرض وبنائها من جديد، وكانت لها مكانة قيادية في نشأة عدد من المحافل الدبلوماسية مثل حركة عدم الانحياز وغيرها، وما مرت به مصر من تحديات جسيمة في العقد الأخير جعلنا ننشغل بالوضع الداخلي ومرور مصر بثورتين مجيدتين أعاد مصر من حالة الانعزال إلى الانفتاح، فقد أفاقت الدولة المصرية من حالة العجز إلى النهوض وتصحح المسار الديمقراطي لتنير درب المصريين، فقد اكتملت خارطة الطريق في وقت عصيب ممتلئ بالتحديات محليًا ودوليًا، ولكن حينما نرى حضور وموقف الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة يجعلنا نستذكر أين كان رؤساؤنا، وما كانت قيمة مواقفهم الدولية وكيف كانت الدبلوماسية المصرية.
طالب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال مشاركته في أعمال الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة فتح باب الأمم المتحدة أمام الصين الشعبية، كما ناشد الأمم المتحدة بأن يقفوا صفًا واحدًا للدفاع عن الكونغو وإجلاء جنود الاستعمار البلجيكي منها.
وعن القضية الفلسطينية، قال الرئيس الراحل إنه لابد أن تتحمل الأمم المتحدة مسئولياتها تجاه فلسطين وشعبها العربي، تلك أبسط حقوق ذلك الشعب الباسل الذي واجه في القرن العشرين محنة لم يسمع بمثلها في أظلم عصور التاريخ، وذلك هو الحل الوحيد لمشكلة اللاجئين من أبناء هذا الشعب كما نريد لفلسطين حقوقه كاملة، ولا نريد له الدموع.
واختتم “ناصر” كلمته بتقديم حلول للأزمات التي كان يواجهها العالم في هذا التوقيت قائلًا: “تواجهنا اليوم مشاكل، فإنني أجد أن خير ما يمكن أن أقدمه لكم هو صورة من تفكيرنا عندما كنا تسعًا وعشرين دولة آسيوية أفريقية اجتمعت في باندونج، وناقشت مشاكل العالم وقتها، ومع الأسف أنها نفس المشاكل التي مازالت تواجهنا اليوم بعد خمس سنوات مع بعض الاختلاف في التفاصيل”.
ثم جاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات في خطاب أمام الأمم المتحدة عام 1975 بعد عامين من نصر أكتوبر حيث ركز في خلال كلمته على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال.
ودعا السادات إلى عقد مؤتمر جنيف فورًا بحضور منظمة التحرير الفلسطينية، بهدف التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية قائلًا: “ثم إن هدفنا الأول الذي يحكم كل تصرفاتنا العربية والدولية هو تحرير كل الأراضي العربية المحتلة، واسترداد حقوق شعب فلسطين، وتمكينه من الإمساك بزمام أمره وحرية تقرير مصيره، وفى هذا المجال ليست لدينا أرض عربية أقل إعزازًا من أرضنا في القدس ونابلس والخليل وجبل الشيخ وغزة، ليست أقل إعزازًا من القنطرة والعريش”.
كما تحدث عن علاقة مصر بالدول العربية وقوتهم ووحدتهم التي ظهرت جليًا يوم 6 أكتوبر المجيد والتضامن العربي التلقائي الذي ظهر خلاله، والذي أكد أنه سوف يستمر ويتطور.
وتحدث السادات عن العلاقات مع إسرائيل، فقال: “تذكرون أننا تجاوبنا مع جمهور الولايات المتحدة للتوصل إلى ارتباط يعزز وقف إطلاق النار، ويقلل من احتمالات تفجير الوضع في المنطقة، غير أن هذه الجهود قد أُحبطت بسبب تعنت إسرائيل، وعدم قدرتها على قبول تحدي السلام”.
واليوم يأتي رجل يرفع راية الوطن دوليًا، فقد قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: نعقد الدورة الحالية للجمعية العامة بعد أن أطلقنا مرحلة جديدة لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية باعتمادنا لأجندة التنمية 2030 ووثيقة أديس أبابا لتمويل التنمية العام الماضي.
وجاءت تدوينات حساب الرئيس كالتالي: “مما لا شك فيه أن تطلع الشعوب هو المسئولية الرئيسية لدينا.. تفتقر الدول النامية إلى فرص حقيقية للتنمية المستدامة.. كانت مصر من بين 22 دولة التي وضعت رؤيتها للتنمية المستدامة.. استطاع شعب مصر تحقيق الاستقرار وحماية الدولة ومؤسستها.. تستمر مصر كما كانت دومًا ركيزة تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.. استقبلت مصر نصف مليون سوري تعتبرهم الدولة كأبنائها”.
“نطالب بوقف فوري للحرب الدائرة في سوريا واستئناف المفاوضات في أقرب وقت.. لدينا فرصة حقيقية للوصول لحل للقضية الفلسطينية لتحقيق مزيد من الأمن والاستقرار للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. تعيش ليبيا وضعًا دقيقًا وأزمة سياسية كبيرة.. سعت مصر لدعم بنية الأمن والاستقرار الأفريقي.. لقد أضحت ظاهرة الإرهاب خطرًا داميًا وهو الأمر الذي يستلزم تعاونًا مكثفًا.. أكدت مصر على أن القضاء على الإرهاب لا يتم إلا بالتعامل مع جذوره.. أدعو الأمم المتحدة إلى اهتمام أكبر لمواجهة التطرف والإرهاب.. على البشرية أن تستعيد جوهر إنسانيتها بعيدًا عن سياسة الاحتكار التي سيطرت عليها.. انخرطت مصر مع أطراف الصراع في السودان وجنوب السودان للوصول إلى حل لإنهاء الأزمات بهما”.
لذلك فليشكك من يريد أن يشكك محليًا أو دوليًا، فلينتقدنا من يريد، نعم نحن نمر بوقت عصيب وتحديات جسيمة وحرب داخلية وخارجية، ولكن حينما نرى إدارة وطنية تجتهد يومًا بعد يوم لإعادة مكانة الدولة فواجبنا بصفتنا مصريين أن ننحي خلافاتنا وانتقادتنا وأن نصطف ولو لمرة واحدة منذ أكتوبر 73 ويناير 2011 ويونيو 2013، إنها تواريخ اتحدت فيها أطياف كثيرة من المصريين لوحدة الوطن وسلامة أراضيه، الأمانة ليست بيد الرئيس وإدارته، بل بيد كل مصري أن يجتهد ويعمل، كما نرى في دول الجوار المتقدمة التي تحظى بالأمان والمعيشة الكريمة، وبهذا أختتم كلمتي بكلمات الراحل الشاعر أحمد شوقي حينما قال:
وَطَنِي لَو شُغِلْتُ بالخُلدِ عَنْهُ .. نَازَعَتْنِي إلَيهِ في الخُلدِ نَفسِي
بقلم: السفير الدكتور محمد حمزة الحسيني
رئيس اللجنة الاقتصادية بالجمعية المصرية للأمم المتحدة