الدكتور /صلاح عبد السميع عبد الرازق
يعرف البعض التربية بأنها : عملية اجتماعية تسعى لإحداث تغيرات إيجابية في سلوك الفرد وشخصيته من كافة الجوانب العقلية والنفسية والاجتماعية بهدف إعداده للحياة بصورة متوازنة ومتكاملة .
كما يعرف البعض المنهج الدراسي بأنه : مجموعة الخبرات المربية التي يتم التخطيط لها ليمارسها المتعلم خلال عمليتي التعليم التعلم سواء داخل المدرسة أو خارجها بغرض تحقيق النمو الشامل للمتعلم في تكامل واتزان.
على الرغم من تعدد التعريفات بالنسبة للتربية وللمنهج الدراسي ، إلا أن الحديث هنا ليس عن تأصيل تلك المفاهيم ، وإنما إلى اى مدى يمكننا إظهار العلاقة بين عنوان المقال وبين مضمون المفهوم بالنسبة للتربية وكذلك بالنسبة للمنهج الدراسي .
كلاهما يهدف إلى إعداد المتعلم للحياة إعدادا نفسياً وعقلياً واجتماعياً وثقافياً .. الخ ، بما يجعله قادراً على النمو الشامل والقدرة على الحياة بشكل متوازن .
والسؤال الآن إذا كانت المدرسة كمؤسسة تربوية تهدف إلى ترجمة المفاهيم السابق ذكرها ( التربية ـ المنهج ) بشكل ايجابي يسمح للمتعلم أن يمارس دوره الفاعل ، وأن يشعر بذاته ، وأن يمارس النشاط بشكل فعال،وأن يسعى كافة العاملين بالمدرسة إلى تربية المتعلم وتوجيهه بشكل يحقق له الصحة النفسية ، وأن تكون ممارسات الجميع بعيدة عن العنف اللفظي أو النفسي الذي قد يمارسه البعض تجاه المتعلم عن قصد أو دون قصد .
دعونا نذهب إلى العالم الغربي وبخاصة في المجتمع التعليمي والتربوي بفرنسا ، حيث كانت تلك الدراسة الميدانية والتى تحولت الى كتاب منشور ، عنوان الكتاب ” التلميذ المهان : ( المدرسة، مكان لاحقوق فيه) إعداد ” بيير مارل ” ترجمة فوزية العشماوى “، والكاتب فرنسي والكتاب صادر من المركز القومي للترجمة 2014 .
يعتمد الكاتب في دراسته على تحليل ما يقرب من 500 استمارة تم تجميعها وتعبئتها ببيانات التلاميذ المقيدين في المعهد العالي للتدريب في مقاطعة ” بروتون ” في فرنسا ، وكان السؤال الذي أجاب عنه التلاميذ كتابة هو : “
اذكر مثالاُ من تجربتك المدرسية عن حق من حقوقك تم احترامه أم لم يتم احترامه ” .
وبشكل عام توصلت نتائج تحليل الاستجابات لتلك للدراسة الميدانية إلى أن الاهانات التي تحدث داخل الفصول الدراسية تعتبر حالات فردية وشخصية بحتة ، ولكنها في واقع الأمر تعتبر أيضاً جماعية ، وغالباً ما ينتج عنها تصنيف التلاميذ طبقاً لمستواهم الدراسي ، والذي يعد المعيار الغالب في التقييم داخل المؤسسة المدرسية . هذا المعيار للتقييم الذي يهيمن على المدرسة هو مفتاح أساليب الاهانات داخل الفصول وداخل المدرسة وفيما بينهما .
ولقد أورد الكاتب مجموعة من الأساليب للاستهزاء بالتلميذ علنا أمام الآخرين ، ويبدو أن أكثر الأساليب المعروفة والمستخدمة هو ما يحدث في حصة الرياضيات ، على الأخص عندما يطلب المدرس من التلميذ ” الوقوف أمام السبورة ” ، وهناك أسلوب آخر معروف للاهانة العلنية يستخدمه المدرسون عادة أثناء توزيع كراسات الواجبات على التلاميذ ، فيبدأ المدرس بتوزيع أفضل الإجابات الحاصلة على أعلى الدرجات ووصولاً إلى الأضعف ،
وعادة ما يصاحب ذلك تقدير شفهي يبدأ بـ ” جيد جداً ” ووصولاً إلى ” سيء جداً ” .
ترى ماذا لو وجهنا نفس السؤال إلى طلاب اليوم ممن التحقوا بالتعليم الجامعي أو ممن تخرجوا من الجامعات والمعاهد ، ماذا سيكون ردهم عندما يستعيدوا ذكريات ما حدث لهم طوال مراحل التعليم العام ؟
من يطلع على واقع المدرسة بمراحل التعليم العام ، نعم لقد طرحت هذا السؤال على عينة من طلابي بالمرحلة الجامعية بلغ عددها ما يقرب من مائة طالب وطالبة ، وطلبت أن يستدعى كل طالب وطالبة نموذج ايجابي ونموذج سلبي اثر في وجدانه عبر معاملة المعلمين لهم منذ مرحلة الروضة إلى مرحلة الجامعة ، وأكدت على ضرورة عدم كتابة الأسماء حتى لا يشعر الطلاب بالحرج من استدعاء تلك النماذج ، وبالفعل جاءت الاستجابات مكتوبة وعكفت على قراءتها ، وتحليلها ، وكان يغلب عليها نماذج سلبية تمثل احتقار بعض المعلمين والمعلمات للطلاب ، بسبب عدم مشاركتهم فى الدروس الخصوصية ، كذلك من النماذج السلبية التي تعرض لها الطلاب بالمرحلة الجامعية ، التعامل السلبي من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس نتيجة عدم شراء الطلاب للكتاب ، وما ينتج عن ذلك من تهديد ووعيد فى حال تكاسل الطلاب أو تأخروا عن شراء الكتاب ، بل من يطلع على حال الروضة ليرصد تصرفات المعلمين والمعلمات ، والمدراء ، والعاملين بتلك المدارس ، من المؤكد أننا سوف نقف أمام نماذج مختلفة من الاهانات التي توجه عن قصد أو دون قصد ، إننا نرى ونرصد ذلك التمييز الذي يمارسه المعلم أو المعلمة بين التلاميذ بسبب عدم وجود البعض معهم ضمن مجموعات الدروس الخصوصية ، ما يترتب على ذلك من سلوكيات لفظية ولغة جسد تجعل التلميذ غير راغب في الذهاب إلى المدرسة ، نرصد أقوال وتصرفات داخل الصف الدراسي لا يليق بمعلم أو معلمه قرأ عن التربية ومفهومها ، أن يبادر إلى تلك السلوكيات التي قد تدفع بعض المتعلمين إلى التسرب من المدرسة ، ومن قاموس الألفاظ التي يستخدمها بعض المعلمين ” يا فاشل ، يا بليد ، يا متخلف… الخ من قاموس الشتائم التي يكفى أن تسأل أي طفل عنها فيرددها على مسامعك فوراً .
إننا أمام واقع يحتاج منا أن نعترف بأن المجتمع بأسره قد قصر في التربية ، وقبل أن نلوم الأبناء على تصرفاتهم علينا أن نلوم أنفسنا أولاً ، إننا بحاجة إلى مراجعة الواقع النفسي للمتعلمين داخل المدارس ، ومن قبل داخل المنازل ، إنهم يدفعون ثمن تقصير المجتمع بأسره في تحقيق رسالته التربوية ، يدفعون ثمن استهتار الإعلام المرئي الذي يصدر لهم نماذج سلبية من الأقوال والتصرفات الغير تربوية والغير أخلاقية.
إن أردنا ألا نرى الاهانات في مدارسنا فلا بد من إعادة النظر في أدوار المعلم داخل المدرسة ليتحول من ملقن للمعلومات إلى موجه ومرشد للطلاب ، ليتحول من معلم متفرغ ” للدروس الخصوصية ” إلى مربى يعرف ما عليه تجاه طلابه .
من المهم أن نراعى البعد النفسي للمتعلمين في كافة مراحل التعليم ، بل من الأهم إن تهتم المدرسة بذلك في المرحلة العمرية المبكرة ، لأن الطفل لا ينسي أبداً ما يقدم له من إحسان ، وكذلك ما يقدم له من إساءة ، ولعل مجرد الابتسامة من قبل المعلم أو / المعلمة في وجه التلميذ تجعله فرحاً مسروراً كأنما ملك الدنيا بأسرها ، ومن الجميل أن نعلم ومن الأجمل أن نربى ، والتعليم لا يعنى أن نهتم فقط بالحفظ والتلقين ، وإنما ان نهتم بجوهر الإنسان، لنحترم عقله وقلبه وإرادته ، حتى ينتمي لأسرته ولمجتمعه ولوطنه ولأمته ، وحتى يبقى الوفاء قيمة يتمثلها في حياته ، وليكون شعاره عندما ينهى حياته التعليمية ويندمج في الواقع المجتمعي ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ” ليبحث عمن أحسن إليه في التعليم وفى التربية ليرد إليه الجميل ، وليكون شعاره في مواقفه وتصرفاته نابعاً من سواء نفسي نتيجة تربية حقيقية ومناهج دراسية تحقق النمو الشامل للمتعلم قولاً وفعلاً ، ووقتها لا نبحث عن الاهانات التي توجه للمتعلمين ، بل نبحث عن الاحترام والتقدير والحب الذي تصدره المدرسة للأبناء .
تعليق واحد
تعقيبات: مقال بعنوان "الطالب المهان " - الملتقى العربي للدراسات الاجتماعية التربوية