الأحد , ديسمبر 22 2024
الدكتور رأفت جندى
رأفت جندى

مصر تشوه نفسها

كتب الشاعر الكبير حافظ إبراهيم الذي توفى عام 1932 قصيدة رائعة “مصر تتحدث عن نفسها” ولحنها الموسيقار المبدع رياض السنباطي وغنتها سيدة الغناء ام كلثوم عام 1951 وبدايتها

“وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي

وبناة الاهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي”

ويبدو أن هذه القصيدة قد اتخذت هذه الأيام مسلكا أخر لنقول

“وقف الخلق ينظرون جميعا كيف اشوه نفسي بنفسي

واحكام القضاء في هذا الزمان كفوني الكلام عند التحدي”

وهذا بمناسبة هروب أطفال الاقباط الاربعة لسويسرا وحصولهم على اللجوء بعد الحكم بسجنهم بسبب تمثيلية لثواني قليلة على الموبيل يسخرون من داعش الذين يصلون ثم يقتلون، واعتبر القاضي أنهم يسخرون من الصلاة الإسلامية.

والعجب العجاب أن بعض من الإعلاميين قد ثاروا على الأطفال المساكين واعتبروا هروبهم تشويها لسمعة مصر! وكأن المفروض عليهم ان يستسلموا لحكم هذا القاضي المأفون الذي حكم عليهم بالسجن!

فمن هو الذي يشوه مصر؟ هل هم الأطفال الأبرياء الذين نجوا بحريتهم؟ ام النظام المصرى كله بدءا من تشريع هذا القانون الابله ولمن يحافظ عليه ويحتكم اليه ويقدم به الأبرياء حتى ولو أطفال للمحكمة؟ ام القاضي الثمل بالسلفية الذي يخرج من قلبه الحقد والكراهية وينتقم من أطفال أبرياء؟

بالقطع هذه سقطة إعلامية قليلة الحدوث للألمعي وائل الإبراشي الذي سبق وتناول حادثة الأطفال. ولكن المذيع محمد الغيطى قال بجنون “انه كان أشرف لهم اعدامهم من هروبهم”، وأقوال اخري له تجاوزت حدود العقل تماما.

الخوف على سمعة مصر من التشويه في المجتمعات الدولية لابد وان ينبع من سلوك الدولة نفسها وليس من هروب المظلومين منها! الخوف على سمعة مصر يأتي في طلبنا من قضاء مصر العظيم اقالة قاضى الظلم وليس في الطلب من اطفال الاستسلام لظلمة السجون!

حادثة الحكم على هؤلاء الأطفال يعرفها العالم كله قبل خروجهم وسبق ان سأل أعضاء الاتحاد الأوروبي مفتي مصر عنها وهو في المانيا وأجابهم بالأكلشيه الممل “نحن لا نعلق على احكام القضاء”

اسلام البحيري كان واثقا من تبرئته ولكنه ًخدع وتم سجنه، وفاطمة ناعوت تعلمت من خطأ اسلام البحيري ولم تحضر الاستئناف وخرجت من مصر قبلها لأنها كانت ستخرج من المحكمة للسجن مباشرة وحاولت بعدها مغازلة النظام للحصول على عفو ولوعن طريق مهاجمة ناشطي الاقباط بالخارج الذين مدوا لها يد العون.

فيا من تلومون هؤلاء الأطفال أنتم تحملون أطفالا احمالا ثقيلة لا تستطيعون ان تمسوها بأصبعكم!

ويأيها النظام الفاسد كم من ثورة أتت عليكم ولم تتغيروا، هوذا اطفالكم تركوا نظامكم لكم. ونظامكم هو اول من يتآمر على سمعة مصر.

وكما يقال “كل الأشياء تعمل معا للخير”، وايضا “وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ” وكذلك القول الدارج “رب ضارة نافعة” فقد تكون هذه الحادثة نقطة انطلاق لهؤلاء لمستقبل أفضل مما كانت ستكون لو لم يظلموا.

وعبارة “نحن لا نعلق على احكام القضاء” نفهمها بمعنى ان القضاء هو المسؤول بنفسه عن فاسديه، ولهذا اطلب من رعاة قضاء مصر العظيم ان يهبوا لنصرة سمعته بالقضاء على الفاسد منهم كما سبق وفعلوا بقضاة الاخوان (قضاة من اجل مصر) ويحققون نهاية قصيدة حافظ إبراهيم ” فقفوا فيه وقفة حزم وارسو جانبيه بعزمة المستعد”

حتى لا تتكرر ابياته الأولى عن مصر الحبيبة

وقف الخلق ينظرون جميعا كيف اشوه نفسي بنفسي

واحكام القضاء في هذا الزمان كفوني الكلام عند التحدي

د. رأفت جندي

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.