كـتب : وائل سعيد
قد تكون أحد المُغرمين بكتابته ، أو من المحتمل أن تصطف مع المناهضين لهذه الكتابة . لكن المؤكد أنك لن تكون في جبهة ثالثة محايدة ؛ فالكتابة ” الخراطية ” إذا جاز لنا التعبير لن تجد معها حلاً وسطاً إما معها أو ضدها ؛ وبالطبع هذا كما أتخيل وكما رأيت ذلك من كثيرين .
لكنك في كل الأحوال لن تستطيع نزع الأهمية عنها ؛ كتابة إدوار الخراط المُترقرقة وسط الأحلام تارة والمخترقة للهوى والتهلكة والأشواق الطائرة تارة أخرى . الكتابة التي أبحرت عبر الأنواع وفيما وراء الواقع بحساسية جديدة ، تراود المستحيل وتهاجمه وتخرج من الصمت إلي التمرد في زمانٍ آخر وسط ساعاتٍ من الكبرياء والحيطان العالية والأبنية المتطايرة ، يقينها الوحيد هو يقين العطش .
يا بنات إسكندرية وأهلها ، بالله عليكم حدثوني عن الخراط وأهو كُله تنويعات علي ما كتب !
……………………………………….
جاء إدوار من أصل صعيدي لعائلة مسيحية بالاسكندرية في 16 مارس 1926 ، ورغم أن سمات عقيدته التي تربي عليها قائمة علي الأيقونات – وهي الصورة أو المثال التي تُصنع وفق أساليب محددة – إلا أن الخراط سينحو نحو غير المعتاد والمستقر في مشروعه الكتابي فيما بعد .
في عام 1946 يتخرج من جامعة الأسكندرية بليسانس الحقوق ويعمل في عدة وظائف بعد تخرجه ؛ بادئاً بمخازن البحرية البريطانية وموظف بالبنك الأهلي لينتقل بعد ذلك إلي العمل بشركة التأمين الأهلية عام 1955 ، يلتحق بالسفارة الرومانية بالقاهرة كمترجم وينخرط كبقية أبناء هذا الجيل في الحركات الوطنية المناهضة للاحتلال ولسياسات القمع والخنوع .
تماشياً مع السمة الغالبة لتلك السنين يتم إعتقاله في 15 مايو 1948 في اليوم التالي لقيام دولة إسرائيل ، وينتقل بين مُعتقلي الطور وأبو قير .
تجيء آخر مراحل إدوار الروتينية أو الالزامية بالعمل في جهة معينة للشغل عام 1983 نهاية عمله في منظمة الكتاب الأفريقيين والاسيويين التابعة لمنظمة الشعوب الافريقية والاسيوية ، لأنه بعد ذلك التاريخ سيتفرغ لكتابته – المتعددة – حتى يتوفاه الله في الأول من ديسمبر 2015
……………………………………….
من زمان ؛ وكل جديد يُخايلني ويفعل بي الأفاعيل ؛ لهذا لفتت نظري تجربة الخراط فقط من السماع أو القراءة عنها قبل قراءتها . رغم أن ولهُه اللغوي كثيراً ما وقف حائلاً بيني وبين تشرب التجربة ؛ إلا أنه لم يمنعني من إستطعامها .
مثلما فعل يوسف شاهين في تزييل أفلامه بـ : فيلم من …… فيلم لـ …… ؛ صنف الخراط رواياته بشيء من هذا القبيل .
سماها : تنويعات روائية ، نزوات روائية ، كولاج روائي … – علي نفس المنوال جذبني التصنيف الذي وضعه الراحل الجميل مجدي الجابري ” كتاب شعري ” وليس ديوان أو مجموعة كما اعتدنا – في هذه الحالات تجد نفسك أمام طرح كتابي وفني مختلف بداية من التصنيف ، وهذا هو الجديد الذي شدَ إنتباهي للخراط .
( ليست هذا النصوص سيرة ذاتية ، ولا شيئاً قريباً منها . ففيها من شطح الخيال ، ومن صنعه الفن ما يشط بها كثيراً عن ذلك ) .
البرجراف السابق مقدمة إدوار لترابها زعفران . رغم ذلك تستطيع خلعه علي مشروع الخراط الابداعي في مجمله .
التنويع ؛ التنويع : هو جعل الشيء منوع من كل صنف ولون ..
هكذا كتب الخراط تفصيلاً وعموماً ؛ جاء مشروعه الكُلي بين القصة والرواية والشعر ، ترجم وكتب الدراسات في التجربة الابداعية والنقدية مروراً بالمسرح والفن التشكيلي ، واختص عن غيره بالحديث النقدي عن كتابته هو شخصياً .
علي الجانب التفصيلي ؛ أتت مُعظم كتابات الخراط مُكملة بعضها البعض . منمنمات الفكرة الحداثية في الفن والكتابة ؛ الجسد الشرعي لمشروع الخراط في الكتابة عبر النوعية .
……………………………………….
أصل كلمة ” كولاج ” هي coller بالفرنسية وتعني لصق ، ويعتبر الكولاج الفن الذي يعتمد علي قص ولزق عدة مواد لتكوين شكل جديد .
يصف الخراط كتاب ” أسكندريتي ” بـ ” كولاج روائي ” ؛ يقص ويلزق البشر والروائح والكلمات . يجعلهم مواد وشذرات وصوراً مختلفة – ويخرطهم – لتكوين شكل فنه الجديد .
تتجاور وتتباعد وتختلط كل الأشياء عند إدوار في تعمد واضح لطرحٍ جديد غير المتعارف عليه ، غير الثابت والآمن في نفس الوقت – لاحظ أن ذلك يحدث وقت ترسيخ مفهوم الرواية المحفوظية والإطمئنان لهذه الكتابة – تتقابل عوالمه بين فضاءات مختلفة وطيف مدينته القُدسية يُخايله أينما حط .
متنقلاً بين مسمياته الكتابية بين الكولاج الروائي في ” إسكندريتي ” أو تنويعات روائية في ” تباريح الوقائع والجنون ، وقد يصل لحد النزوة في ” اختراقات الهوى والتهلكة ” التي صنفها كنزوات روائية .
يُعَرفون النزوة علي إنها قوة بيلوجية في الانسان – لا شعورية – تكون في حالة نشاط وإثارة متواصلة … توجه الفرد نحو هدف معين .
وفي المُعجم / نزوة – مفرد – جمعها نزوات ، وتحمل معاني التقلب . التهور . عدم الاستقرار علي حال .. وما الذي فعله الخراط غير ذلك !!
……………………………………….
الأسكندرية ، التي تغنت بها أسماء عالمية ككفافيس ولورانس داريل في رباعيته الشهيرة ؛ كوم .. وإسكندرية الخراط كما يرها كوماً آخر .
( علاقتي بالأسكندرية علاقة خاصة ، فقد كانت الأسكندرية – ومازالت – موقعاً حُلمياً ، علي كل واقعيتها .
…. لكأنها إمرأة فردانية ومتكثرة بلا نهاية .
…… الأسكندرية عندي هي الفعل الروائي ، بمعني ما ، هي قوة فاعلة ، وليست مادة للعمل ولا مكاناً فيه .. ) .
هكذا مارس الخراط الفعل الإبداعي بالفن عبر النوعية في جو لغوي وخط سردي يتشابك مع الحلم والواقع وتتضافر مفرداته في علاقة خاصة – لخرط – هذا الإبداع . فاللهم أرحم المُجدد الأبدي إدوار الخراط وأجعل التراب الذي واراه تراب زعفران !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تم الرجوع إلي :
– مهاجمة ومراودة المستحيل سيرة حياة .. ادوار الخراط
– الكتابة عبر النوعية
– الحساسية الجديدة
– بعض حوارات ادوار
– ترابها زعفران
– اسكندريتي
– اختراقات الهوى والتهلكة
– وما نسيت
الوسوموائل سعيد
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …