تنتظر السوق خفض البنك المركزى لقيمة العملة الحلية، فى ضوء الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على اتباع سياسة سعر صرف أكثر مرونة، بما يعزز من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، ويتوقع أغلب المحللين أن يقدم “المركزي” على خفض عنيف للجنيه فى سبتمبر الجارى، أو أكتوبر المقبل، ولكن يبقى التساؤل الأهم، وهو: هل ستعزز تلك الخطوة الوصول لسعر صرف موحد، أم ستهدأ السوق الموازية قليلاً، قبل أن تعاود نشاطها، كما حدث فى مارس الماضى عندما اقترب «المركزى» بالسعر الرسمى للدولار من نظيره الموازى بخفض العملة المحلية بنحو %14.
واستطلعت «المال»، آراء عدد من الخبراء والمصرفيين، حول سبل مواجهة السوق الموازية والتلاعب بسعر الدولار في السوق السوداء، وعودة التعاملات للقطاع المصرفى، والوصول لسعر صرف موحد للصرف.
من جانبه قال إسماعيل حسن، رئيس بنك مصر إيران، ومحافظ البنك المركزى الأسبق، إن كافة الإجراءات التى أعلن البنك المركزى والحكومة عن اتخذها الفترة المقبلة تستهدف الوصول لسعر موحد للعملة المحلية أمام الدولار.
وأعلنت الحكومة المصرية، أنها تستهدف تمويل برنامجها الاقتصادى بنحو 21 مليار دولار على ثلاث سنوات، من بينها 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى.
ولفت “حسن” إلى أن قرب اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولى على قرض بقيمة 12 مليار دولار تحصل بموجبه على 4 مليار دولار سنويا سيعزز من سد عجز الموارد الأجنبية التى تعانى منها البلاد، وقد يعجل بالقضاء على وجود سعرين لسعر العملة المحلية.
وأكد أن اختفاء وجود سعرين للعملة المحلية من السوق مرهون بالوصول لنقطة تتساوى فيها الطلبات الحقيقية على العملات الأجنبية مع المعروض منها، متابعاً أن هذا لن يحدث فقط بدعم الموارد والحصول على قروض بل أيضا من خلال ترشيد الاستخدامات والاعتماد على الإنتاج المحلى.
وأوضح أنه لابد أن يشعر الجميع أننا فى ظل أزمة حقيقية ولا يمكن التعايش مع هذا الوضع دون دفع الثمن حسبما، قال حسن.
وشدد على ضرورة الاهتمام بتخفيض الطلب مع زيادة المعروض محذرا من اقتصار الحديث عن زيادة المعروض الدولارى دون النظر للإسراف فى استخدام العملة فى شراء سلع غير ضرورية.
وقال حسن إننا نقترب بشدة من الوصول إلى سعر موحد للعملة المحلية مع تفعيل برنامج الحكومة الاقتصادى الذى تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولى، رافضا فى الوقت ذاته تحديد فترة زمنية محددة للقضاء على السوق الموازية بالكامل.
من جانبها ترى سهر الدماطى، نائب الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب لبنك الإمارات دبى الوطنى بمصر، ضرورة تحفيز تصدير السلع للأسواق الخارجية، خاصةً للأسواق التى يتمتع فيها المنتج المصرى بميزة تنافسية عالية.
وأكدت أيضاً على ضرورة تشجيع الاستثمار فى المشروعات الاستراتيجية وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المحلى على رأسها محور قناة السويس، بجانب خفض معدلات الاستيراد وطرح أسهم بعض البنوك وشركات القطاع العام بالبورصة، من ثم تراجع الطلب على العملة الأجنبية، بما يصب فى النهاية فى توفير عملة أجنبية ويحسن من مستويات احتياطى النقد الأجنبى.
وأكد طارق عامر، محافظ البنك المركزى، فى حوار سابق مع “المال” استمرار المركزى فى العمل على برنامج طرح البنوك فى البورصة المصرية بما يساهم فى احتلالها مكانة متميزة ضمن بورصات المنطقة والأسواق الناشئة، موضحاً إنه سيتم طرح %40 من البنك العربى الأفريقى ومن 20 إلى %30 من بنك القاهرة بنهاية العام الجارى أو أول العام المقبل على أقصى تقدير.
ولفتت الدماطى إلى إن تلك الإجراءات ستخفف الضغط على العملة الأجنبية، ومن ثم تمكن السلطة النقدية من عدم اللجوء إلى قرار التعويم خاصة إنه لا يمكنها اتخاذ هذا القرار فى ظل ضعف الموارد بالعملة الأجنبية.
وتابعت أن تلك الخطوات التى طرحتها قد تستغرق بعض الوقت لتأتى بثمارها لكنها تعتبر أنسب الحلول للخروج من هذه الأزمة، وسيعزز الاتفاق بشأن قرض صندوق النقد الدولى يعزز من حصيلة الموارد الدولارية بصورة عامة.
وأصدر البنك المركزى، عدة قرارات تستهدف تقليص معدلات الاستيراد واستهلاك العملة الأجنبية فى الأغراض غير الضرورية، كان بدايتها فى ديسمبر الماضى، إذ أقر تعليمات لتنظيم عمليات الاستيراد، وألزم البنوك بتطبيقها مطلع يناير، وتقضى باقتصار تنفيذ العمليات الاستيرادية من خلال مستندات تحصيل واردة للبنوك مباشرة عن طريق نظيرتها العاملة فى الخارج، مع عدم قبول مستندات التحصيل الواردة مباشرة للعملاء.
وألزم البنوك بالحصول على تأمين نقدى بنسبة %100 بدلًا من %50، وذلك على الاعتمادات المستندية التى تفتح لتمويل استيراد سلع لحساب الشركات التجارية أو الجهات الحكومية.
واستثنى عمليات استيراد الأدوية والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها وألبان الأطفال فقط من التأمين النقدى، لكن يجب مراعاة تطبيق تلك القواعد من بداية يناير الماضى مع التأكيد على عدم استخدام الحدود الائتمانية المصرح بها للعملاء من البنوك فى سداد التأمين النقدى، بما فيها التسهيلات الائتمانية بضمان أوراق تجارية أو مالية.
كما أصدر «المركزى» فى نهاية يناير الماضى، قرارًا جديدًا يستثنى فيه العمليات الاستيرادية للفروع أو الشركات التابعة للشركات الأجنبية، الطيور والحيوانات الحية، بجانب خامات ومستلزمات الإنتاج وقطع غيار للمصانع من خلال الشحن الجوى، من قرار إلزام عدم قبول مستندات التحصيل الواردة مباشرة من العملاء.
واستثنى أيضًا العمليات الاستيرادية من التأمين النقدى بواقع %100، وهى الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية، قطع غيار الآلات والمعدات، بجانب البرامج والتطبيقات وأجهزة الحاسب الآلى ومستلزماتها.
كما وضع حدوداً قصوى للإيداع والسحب بالعملات الأجنبية ليقوم بإلغائها فى مارس الماضى، للأفراد الطبيعيين، والأشخاص الاعتباريين التى تعمل فى مجال استيراد السلع والمنتجات الأساسية، لكنه أبقى على تلك الحدود للأشخاص الاعتباريين فى مجال استيراد السلع الأخرى بخلاف الأساسية منها.
فيما اقترح هانى توفيق، خبير الاستثمار المباشر، ضرورة اتخاذ البنك المركزى خطوات جادة لتطبيق تعويم كامل لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، مع السماح لكافة البنوك بالتعامل فى السعر الجديد، موضحاً إن تلك الخطوة ستساهم فى رفع معدلات تدفق العملة الأجنبية للسوق المحلى سواء عبر ضخ استثمارات مباشرة أو استقبال تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وللتعويم نوعان هما «التعويم الحر»، إذ يتم ترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق، ويقتصر تدخل السلطات النقدية – البنك المركزى- على التأثير فى سرعة تغير سعر الصرف، أما التعويم المدار فيتم ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب مع لجوء البنك المركزى المصرى إلى التدخل كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات.
ولجأ البنك المركزى لخفض البنك المركزى قيمة الجنيه مقابل الدولار فى السوق الرسمى عدة مرات على مدار السنوات الخمس الماضية ليصل معدل الخفض إلى %51.7 ليسجل الدولار 8.88 حالياً جنيه مقابل 5.85 جنيه مطلع عام 2011.
وأضاف توفيق أن تداول العملة الصعبة بسعر واحد داخل البنوك ومكاتب الصرافة يشعل المنافسة بالسوق ويساهم فى خفض سعر الدولار إلى ما بين 11.7 جنيه و12 جنيه.
وتابع أن الاستثمارات المباشرة تتدفق فقط فى الأسواق التى تتميز بوجود سعر صرف واحد للعملة الأجنبية عكس السائد فى السوق المحلى، كما أن الفرق بين السعرين يتجاوز الـ %40، لذا تتجنب تلك الاستثمارات القدوم لمصر، لذا لا ينبغى على البنك المركزى انتظار قدوم الاستثمارات لاتخاذ قرار التعويم.
وسجلت صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة 5.8 مليار دولار خلال التسع شهور الأولى من العام المالى 2016/2015، مقابل 5.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضى، حسبما أوضح البنك المركزى على موقعه الإلكترونى.
ولفت إلى أن سعر صرف الجنيه أمام الدولار تخطى 13 جنيها لكنه تراجع، ولم يتجاوز حاجز الـ 12.7 جنيه بعد ذلك، بما يشير إلى السعر الموازنى الذى يعكس قوى العرض والطلب فى السوق.
وأشار إلى إنه قد يصاحب قرار التعويم ارتفاعاً فى أسعار السلع، خاصة أن نسبة كبيرة منها يتم استيرادها من الخارج لكن السوق تلقى هذا التأثير خلال الفترة الماضية، لاسيما أن كثير من التجار حددوا أسعار منتجاتهم وفقاً لقيمة الدولار خلال الفترة الماضية.
وتعتقد رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية، أن القضاء على تعاملات السوق الموازية لن تحدث إلا فى حالة واحدة فقط تتمثل فى ضمان تدفق موارد أجنبية مستدامة إلى القطاع المصرفى تعزز من قدرته على تغطية الطلبات الدولارية المتزايدة للسوق المصرى.
وأضافت أن الموارد الرئيسية للعملة الصعبة التى تضمن تدفقات نقدية مستدامة كالسياحة وقناة السويس والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة ستستغرق وقتا قد يتراوح من عام إلى عامين لاستعادة معدلاتها الطبيعية مرة آخرى.
وتابعت أن إعادة تدفق تحويلات المصريين بالخارج التى تبلغ حوالى 18 مليار دولار من السوق الموازية للقطاع المصرفى عامل مهم لا يمكن إغفاله لضبط إيقاع معدلات التنازل عن العملة التى تستخدم فى تمويل التجارة بالبنوك المصرية، حسبما قالت السويفى
وأشارت إلى أن الإشكالية تكمن فى أن معظم مصادر العملة الأجنبية المستدامة تواجه تحديات لاستعادة مستوياتها السابقة، مع إشارتها إلى أن بعض هذه التحديات خارج عن إرادتنا، مستشهدة بتراجع حركة التجارة العالمية وتأثيرها السلبى على إيرادات قناة السويس، إضافة إلى تهديد تراجع معدل النمو الاقتصادى بدول الخليج لحجم تحويلات المصريين بالخارج، علاوة على تدهور أحوال أسواق تصدير رئيسية كليبيا.
وأوضحت أن برنامج الإصلاح الذى تضمن تدبير 21 مليار دولار، منه 12 مليار دولار من صندوق النقد، وحوالى من 3 إلى 5 مليار دولار عبر طرح سندات دولية، علاوة على الودائع الخليجية سيساهم فى تأمين خطوة المركزى لخفض الجنيه الرسمى الفترة المقبلة.
وقالت إن المركزى لن يقدم على خطوة خفض الجنيه دون وصول موارد دولارية كافية لإيقاف المضاربات بالسوق الموازية، مشيرة إلى أن تخفيض قيمة العملة المحلية أمام الدولار دون توفير الأخير بالبنوك المصرية سيسفر عن انفلات أسعار السوق السوداء وصعوبة السيطرة عليها.
وتابعت أن السعر العادل للجنيه أمام الدولار بناء على دراسة أجرتها شركتها مؤخراً يتراوح بين 11.60 و11.70 جنيها، مع إشارتها إلى أن إقدام المركزى على خفض الجنيه بقيمة أقل من ذلك أمر جيد بشرط القدرة على توفيره بهذا السعر داخل البنوك.
ويرى صفوت عبد النعيم، محلل مالى، إن معالجة أزمة السوق الموازية وزيادة تدفق مصادر العملة الأجنبية مرهون بتعزيز الموارد الدولارية عبر تطبيق 4 إجراءات من قبل صانعى السياسة النقدية تتمثل فى اقتصار التمويل الدولارى على المصنعين لشراء خامات ليس لها بديل محلى.
ووضع قواعد مسبقة لطالبى الاستيراد لبعض السلع التكميلية وليست الرفاهية بأن يتم سداد الفجوة التمويلية بالدولار خلال فترة تناسب فترة استلام البضاعة والتصنيع كمنتج نهائى وتكون الأولوية للنشاطات التى تتميز بقصر معدل دوران مبيعاتها.
وأضاف أنه ينبغى على المركزى تحفيز الادخار الدولارى باستخدام معدل الفائدة التنافسية بالتزامن مع الالتزام بتوفير ما يطلبه المدخر حال طلبه فى حدود رصيده.