الإثنين , ديسمبر 23 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

تساؤلات الأطفال المشكلة والحل .

الأطفال في بداية حياتهم يستخدمون الأسئلة، والاستفسارات الموجهة إلى المحيطين بهم؛ لمعرفة الكثير عن بيئتهم، ولهذا فإن هذا العمر يسمى عمر الأسئلة، وقد أشار كثير من العلماء إلى أهمية تساؤلات الأطفال، وإلى عدم دفعها بل لابد من تشجيع الأطفال عليها؛ فالطفل يميل ميلاً واضحاً إلى التساؤل عن كل شيء دون تميز بين شيء وآخر.
وكما يقولون: بين شفتي الطفل الصغير مستودع للأسئلة لا ينضب، وينبغي علينا ألا نضيق ذرعاً، حتى ولو ظل يسأل طيلة اليوم من الصباح الباكر حتى المساء، إذ يعنى هذا نمو مداركه وتطور ذكائه ، فهو يحاول أن يعرف كل ما يدور حوله في الحياة من مسائل وحوادث تعتبر مثيرة لعقله النامي.
ويصف البعض الطفل في هذه المرحلة بأنه ” علامة استفهام حية بالنسبة لكل شيء، يحاول الاستزادة العقلية المعرفية، ويريد أن يعرف الأشياء التي تثير انتباهه ويريد أن يفهم الخبرات التي يمر بها ، ويقرر غالبية الباحثين أنَّ حوالى 10 : 15% من حديث الأطفال في هذه المرحلة هو عبارة عن أسئلة.
فالأطفال في هذه المرحلة يبحثون في كل شيء ، ويتساءلون عن كل ما يحيط بهم مما يغمض عليهم أسراره ، سواء كانوا – في نظر الكبار – لهم الحق في تساؤلاتهم تلك ، أو ليس لهم، ويساعدهم نموههم على تناول كل شيء، وفتح كل مغلق وتقليب كل مجهول ، ولعل هذا يدفعنا إلى اعتبار أن ما يقوم به الطفل من سلوك استكشافي في محاولاته للتعرف على بيئته، وعلى ذاته أول مدارج البحث العلمي.
ومن هذا المنطلق يصبح على الآباء والأمهات والمعلمات مواجهة هذا السيل المتدفق من التساؤلات والاستفسارات التي يطرحها عليهم الأطفال ليل نهار، إلا أن الواقع يشير إلى أن استجاباتهم لتساؤلات الأطفال قد لا تحقق الأهداف المطلوبة في كثير من الأحيان، فأحياناً يتجاهلون تساؤلات الطفل كلية، وأحياناً يردون عليها بعنف أو يصدونه، ويطلبون منه الكف عن ” الثرثرة ” لأنه غالباً ما تكون تلك التساؤلات من الموضوعات التي تبدو محرجة، أو مما لا يعرفون إجابتها، وفى أحيان أخرى قد يقبل الوالدان والمعلمات التساؤلات ولكنهم يجيبون عنها إجابات غير مقبولة، أو بعيدة عن الصواب .
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: ما الأسس التي ينبغي أن يضعها المحيطون بالطفل في حسبانهم عند الإجابة عن تساؤلات الأطفال؟
والإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تلخيصها في النقاط التالية:
– استجابة الوالدين ، والمعلمة لتساؤلات الأطفال دون ضغط ، أو تأنيب ، أو توبيخ ، أو أمر بالسكوت ، أو دون ، وصفهم بالنقص ، أو التقصير ، أو سوء الأدب ؛ لأن ذلك يجعلهم في نظر الأطفال مصدر كل معرفة، يرجعون إليهم للسؤال عن الموضوعات الجديدة .
– أن يهتم الآباء ، والمعلمات بتثقيف أنفسهم فإننا في السنوات الأولى في حاجة ماسة إلى عملية تثقيف تتعلق بخصائص ومتطلبات النمو للطفل في تلك المرحلة ، وقد تبدو في البداية هذه العملية صعبة ، ولكن يمكن التغلب عليها من خلال استخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في نقل المعلومات المبسطة والتي تتفق مع جوهر الدين.
– كثيراً ما ينسى الأطفال إجابة الوالدين أو المعلمة فيسألون ثانية السؤال نفسه مرة بعد مرة، وعندما تلاحظون ذلك فاعلموا أن الأطفال يضعون كل ثقتهم فيكم، وهو لا يريد من السؤال أكثر من أن يظهر لكم مقدار ما يكنه لكم من ثقة.
– الأسئلة التي تثار عن الله مثل لماذا لا نرى الله ؟ أو الأسئلة الجنسية المحرجة، يمكن أن تواجه بهدوء وثقة من جانب الوالدين، والمعلمة .
– الطفل كثير الإلحاح والتكرار في تساؤلاته، فهو لا يكف عن وضع التساؤل أمام أبويه، أو المعلمة ، ويلح في الحصول على الإجابة عنها ، كما أنه يراجعها من وقت لآخر، وقد يعود لاستكمال إجابة سبق أن أعطيت له.
– قد يقبل الطفل أية إجابة نعطيها له عن تساؤله، ولكنه سرعان ما ينوع وينتقل بسرعة إلى سؤال آخر.
– الغريب أن كثيراً من الأطفال لا يهتمون إلى ما تتضمنه الإجابة من معنى، بقدر ما يهتمون بأن يستجيب لهم الكبار بما يطمئنهم ويشعرهم بالأمن ، والاطمئنان .
– الطفل في هذه المرحلة يكثر من الأسئلة عن ماذا ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ومن ؟ لذلك سميت هذه المرحلة بمرحلة الأسئلة ، والطفل حين يفعل ذلك لا يحتاج من الإجابة عن أسئلته إلا الإجابة المثيرة القصيرة ، فهو لا يعنى بالتحليل ولا بالتفصيل.
– يمكن تدريب الطفل على أن يبحث بنفسه عن إجابات لتساؤلاته من عمر صغير جداً، ويمكن أن ندعو الأطفال إلى الإجابة عن أسئلة بعضهم البعض ، ولعل هذا يسهم في خلق نشاط عقلي سليم.
ومن الأسس المهمة أيضا :
– الترحيب بالأسئلة ، والتشجيع على طرحها، وتهيئة المناسبات لطرحها.
– المصارحة والإجابة ببساطة، وبصدق، وبقدر فهم الطفل.
– الإجابة دون خجل، أو ابتسامة سخرية، أو لهجة حادة.
– عدم انتقاد الطفل لأسئلته السخيفة، والإجابة بروح مشبعة بالاحترام، والمحبة، والقبول.
– شرح وتعليل كل ما هو غامض، أو مثير، أو حدث غير سار، أو كارثة للطفل بصورة مختصرة – وفوراً – وبأمانة تامة.
– عند تقديم مفهوم “الله” للطفل: لا يجب تقديمه وكأنه شرطي، بل يقدم على أساس أنه خالق الكون.
– على الأم أن تضحي بالوقت والجهد؛ لتجيب عن أسئلة الطفل، وأن تجيب راضية وبأسلوب يشبع شغفه، ويخفف قلقه.
– تستطيع أن تقول (لا أعرف) : ولكن لا تشعر الطفل وكأنك تقول : انصرف عنى، أو لا تسأل أسئلة سخيفة، ولكن اتبعها بقول: هل لديك اقتراح لاستنتاج الإجابة، أو لنشترك معاً في البحث عن إجابة.
والواقع أن الآباء ليس أمامهم في كل المواقف سوى أن يستجيبوا لكل تساؤلات أطفالهم ، وأن تكون إجابتهم بطريقة واقعية صادقة ومبسطة، تتناسب مع المستوى العقلي للطفل، وذلك دون شعور بالحرج، والضيق فالطفل في حاجة إلى مزيد من الاستقرار، والهدوء ، والأمن ، وليس العكس، وهذا قد يسهم بشكل أو بآخر في تشكيل جيل من الأطفال مقبل على الحياة، تواق للمعرفة، باحث عن كل أدوات تمكينه في المستقبل.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.