الخميس , أغسطس 15 2024
الأنبا بولا

قراءة فى المشهد القبطي ( 1 ) .

بقلم / مايكل عزيز البشموري
إنتابنى حالة من الصمت الطويل صاحبه شعوراً باليأس ، حيال الأحداث الدراماتيكية التى شهدها أقباط مصر بالأونة الاخيرة ، والسبب فى ذلك يرجع ، عدم وجود حل للمشكلات والصعاب التي يواجهونها ، تلك المشكلات التى تهدد وحدة وترابط الشعب المصري بمسلميه ومسيحيه ، والأسوأ من ذلك مشاهدتنا تواطؤ الحكومة المصرية فى عدم اتخاذ أي إجراءات أو حلولاً عملية من شأنها حل الإشكاليات التى تواجه الاقباط ، لتبوح فى الأفق نظرة ضبابية على المشهد القبطي ، وتلك النظرة السوداوية ليست وليدة اللحظة ، وإنما جاءت بعد تراكمات سنوات عدة ، شهدنا من خلالها أحداث طائفية وعنصرية متتالية .
ومن الضروري هنا التساؤل عن دور المجتمع المدني القبطي حيال تلك الأزمات المتكررة ؟
– الإجابة ستأتي مغايرة وعكس المتوقع ، فبعد عدة أعوام قضيتٌها في العمل القبطي العام ، اتضح لى جلياً عدم وجود مجتمع مدني قبطي ، فأغلب الشواهد تؤكد بأن المجتمعات التى يحيط بها الاقباط أنفسهم ، هي مجتمعات دينية منغلقة ومنزوية على نفسها ، ويحكمها الدين والطائفية بطبيعة الحال ، وتلعب الكنيسة ورئيس الطائفة دور المحرك الرئيسي والممثل الرسمي لتلك الجماعات ، ومن هذا المنطلق استخلصت من خلال تجربتي الخاصة عدة نقاط هامة :
١- الاقباط يعيشون داخل مجتمع ديني مسيحي منفصل ويحكمهم رجال الدين وتثيرهم النعرات الطائفية والمذهبية .
٢- كل ما نعانيه من مشكلات يتحمل مسئوليته قــادة الكنيسة الارثوذكسية . ولنكن أكثر إنصافاً تتحمل الكنيسة نصف المشكلات التى يعانيها أقباط مصر .
٣- قادة الكنيسة لا يؤمنون بالدولة المدنية ولا بدولة المواطنة .
٤- سيطرة اليمين الأرثوذكسي المتطرف على صناعة القرار القبطي داخل الكنيسة القبطية .
و يتضح لنا من قراءة تلك النقاط عالية ، أننا نتعامل مع تيارات مسيحية متشددة تتشابه إلى حد كبير بالتيارات الاسلامية المتطرفة ، فالرابط الذي يجمع بين هذان الفريقان : كراهيتهم للعلمانية ، نبذهم للمفكرين ، وإحتقراهم لإقباط المهجر ، وقد أصبحت تلك الجماعات المسيحية المتطرفة ، أداةً خصبة في أيدي الأساقفة المسيسّين داخل الكنيسة القبطية ، فعملوا على خدمة مصالحهم الخاصة وتم إستخدامهم لتضليل وغسل عقول الشعب القبطي البائس . وهو ما يعيد الينا ذكر مصطلح : المسيحية السياسية وكنيسة العصور الوسطي .
وبإختصار وبدون إطالة تعاني كنيستنا القبطية اليوم من إضمحلال روحي وأخلاقي ، فقد ضرب الفساد قيادتها، وأصبحت المصالح الخاصة تقودهم ، فتحولت الكنيسة بعد ثورتين متتاليتين إلى « حزب سلطة حاكم » يتمتع رجالها بنفوذ وصلاحيات موسعة لم توجد إلا فى كنيسة العصور الوسطي ، وكل هذا جاء على حساب الدولة المدنية ، ودولة المواطنة التى باعها رجال الدين الاقباط من أجل تخصيص مادة ثالثة من الدستور المصري ، تسمح لهم بالسيطرة على شعبهم أسوة بنظيرتها المادة الثانية ، والنتيجة كما شاهدنا بالسنوات الاخيرة ، ظهور قيادات دينية خانعة وخائنة لشعبها ، قيادات تآمرت وتحالفت مع قتلة الاقباط فى ماسبيرو من أجل الوصول تحت قبة البرلمان المصري ، فلإول مرة فى التاريخ المعاصر نرى :
١- كنيسة تقوم بالاشراف على قائمة بمرشحين أقباط لإنتخابهم بالبرلمان ( راجع تصريحات الانبا بولا الاخيرة ) .
٢- كنيسة تنفرد بكتابة القوانين المدنية كقانون الأحوال الشخصية وقانون بناء دور العبادة وغيره من القوانين .
٣- كنيسة تساهلت مع الحكومة الدينية وقبلت بالذمية والاحكام العرفية وصمتت إزاء ما يحدث لأقباط المنيا من جرائم عنف طائفية ممنهجة .
٤- كنيسة تنازلت عن مدنية الدولة وعلمانيتها من أجل تحقيق مكاسب زمنية وقتية على حساب نهضة وطنها وشعبها .
٥- كنيسة تغاضت عن دماء شهدائها بمذبحة ماسبيرو والقديسين وغيرها في سبيل تحقيق مكاسب خاصة .
لقد باتت قيادات الكنيسة المصرية اليوم ، مصدر فشل وتعاسة الاقباط فى مصر ، وأصبحت عبئاً كبيراً عليهم ، نتيجة اتخاذهم قرارات مصيرية منفردة تخص شعبهم ، والفضل فى ذلك يرجع سيطرتهم على السلطتين التنفيذية والتشريعية فى ظل مباركة من الدولة الدينية القائمة ، والنتيجة كما نشاهد إنحراف دفة الكنيسة والأقباط سوياً ، وهو الامر الذي حذر من خطورته الاب متى المسكين ، قائلاً : « إنه كلما خرجت الكنيسة عن اختصاصات مسيحها ، وبدأت تنزع إلى السلطان الزمنى ، وتجيش الجيوش بإسم الصليب ، وزاغت وراء أموال الاغنياء ، وإرتمت في أحضان أصحاب النفوذ والسلطة ، وحاولت محاولات جدية وعنيفة للجمع بين السلطان الدينى والسلطان الزمنى ، ودأبت على المطالبة بحقوق عنصرية وطائفية ، كلما فشلت المسيحية فى تأدية رسالتها ، ودب فيها الخصام والنزاع والوهن ، وفقدت شكل مسيحها كمنادية بالتوبة ، وهكذا ضاع منها الخروف الضال ، ولما انشغلت بأمجاد الدنيا ، قُفل فى وجهها باب الملكوت السماوى ، وصارت فى حاجة لمن ينتشلها من ورطتها ويردها إلى حدود اختصاصاتها الاولى » . من كتاب : الكنيسة والدولة .
للحديث بقية

شاهد أيضاً

الدكتور عماد فيكتور سوريال يتحدث من خلال الجزء الثالث للأحوال الشخصية عن المرأة

23 رِيحُ الشِّمَالِ تَطْرُدُ الْمَطَرَ، وَالْوَجْهُ الْمُعْبِسُ يَطْرُدُ لِسَانًا ثَالِبًا. 24 اَلسُّكْنَى فِي زَاوِيَةِ السَّطْحِ، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.