بقلم : جرجس بشرى
قد يتساءل البعض : لماذا لم يصدر قانون دور العبادة الموحد للآن بعد أن ظل حبيس أدراج نظامي مبارك والرئيس المعزول محمد مرسي ؟ وأنه لمن العار حقاً أن لا يوجد قانون ينظم دور العبادة في مصر سواء إسلامية كانت أم مسيحية أو حتى يهودية ؟ وأنه لمن الخزي أيضاً أن ترميم كنيسة أو دورة مياة أو ترميم حائط أو تبليط أرضية تحتاج إلى قرار وموافقة من الجهات المختصة وكأن الكنائس تشكل خطراً داهماً على الامن القومي المصري ، وكأن الصلوات التي تتلى فيها تدعو للإرهاب والقتل والتحريض ضد الوطن ، مع أن الصلوات المسيحية جميعها تدعو للسلام والمحبة والاخاء ونبذ العنف ودعم الوطن والصلاة من اجل الحكام !.. ترى ما السر أو اللهو الخفي الذي يجعل الحكومات والبرلمانات المصرية جميعها تسعى جاهدة لمنع ظهوره إلى النور ، وتتعامل مع أقباط مصر كعبيد وليسو مواطنين مصريين لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات وفقا لما نص عليه القانون والدستور؟ نعم تتعامل الحكومات والبرلمانات مع الاقباط فيما يتعلق بقانون يقر حقوقهم الكاملة وغير المنقوصة في بناء دور العبادة واقامة الشعائر على انهم عبيد ، ولم يصل هذا التعامل او يرتقي الى كونهم جاليات في وطنهم من وجهة نظر الحكومة ، فالجاليات الإسلامية في كافة بلدان العالم اوفر حظا وتتمتع بكامل حقوقها في اقامة المساجد والجمعيات والمنظمات الدينية دون عوائق ،والحق أقول أن هذه الحكومات تنتهج هذه السياسات المقيدة لبناء الكنائس استناداً لاراء فقهية وهابية متطرفة لا تعبر عن سماحة الإسلام ووسطيته ، فمن يقرأ وثيقة نصارى نجران لسوف يجد أن عهد الرسول عليه السلام مع نصارى نجران كان عهدا ملزما لكل مسلم سواء كان حاكما او محكوما تجاه المسيحيين في كل زمان ومكان ولسان ، وقد اعتبر كل من يناقض هذا العهد عصيا لله ولرسوله ، وقد ورد في مقدمة العهد: “هذا كتاب أمانٍ من الله ورسوله، إلى الذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شىء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبد الله، رسول الله إلى الناس كافة؛ ذمة لهم من الله ورسوله” وقد نص العهد على الآتي وفقا ً لما ورد في مجلد ” مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة، جمعها محمد حميد الله. دار النفائس – بيروت، الطبعة السادسة 1987″
أولا- أن أحمى جانبهم – أى النصارى- وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح حيث كانوا من جبل أو واد أو مغار أو عمران أو سهل أو رمل
ثانيا- أن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا؛ من بر أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به نفسى وخاصتى، وأهل الإسلام من ملتى
ثالثا- أن أدخلهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى، من كل أذى ومكروه أو مئونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابا عنهم كل عدو يريدنى وإياهم بسوء، بنفسى وأعوانى وأتباعى وأهل ملتى
رابعا- أن أعزل عنهم الأذى فى المؤن التى حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شىء من ذلك».
خامسا- لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شىء من بنائهم فى شىء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمة الله
سادسا- ألا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد فى الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئا من الجزية أو الخراج
سابعا- لا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام»؛ «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ». ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم الأذى حيث كانوا من البلاد
ثامنا- إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذب عنه والغرم عن جريرته، والدخول فى الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما مُنّ عليه، أو يفادى به
تاسعا- لا يرفضوا ولا يخذلوا ولا يتركوا هملا، لأنى أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين
عاشرا- على المسلمين ما عليهم بالعهد الذى استوجبوا حق الذمام، والذب عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كل مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم “.إلى هنا انتهى الاقتباس من بنود الوثيقة ، وبالتالي فمن يقرأ هذا العهد للرسول ويضاهيه بما تفعله الحكومات المصرية المتعاقبة بالمسيحيين وكنائسهم وممتلكاتهم ، فلسوف يتأكد له أنها حكومات متطرفة بامتياز اخذتها العزة بالاثم و انحرفت انحرافا كاملا عن تعاليم الاسلام وعصت ما جاء بعهد الرسول عصيانا مبينا .. بل وانقلبت على عهد الرسول انقلابا بينا ً لاجل مطامع ارضية زائلة ولتقديم فروض الطاعة والولاء والانبطاح لآل سعود رعاة التطرف في العالم ، واتذكر انني مرة منذ قرابة سبعة سنوات اتصلت تليفونيا بالدكتور “محمد عمارة ” لمعرفة رأيه في بناء الكنائس ومع اختلافي الشديد مع التوجهات الايدلوجية للدكتور محمد عمارة إلا انني للتاريخ اذكر ما قاله الرجل ، حيث اكد ان من حق الاقباط ان يبنون الكنائس وان الحكومة يجب ان تخصص مساحات من الارض وعلى نفقتها الخاصة لبناء الكنائس مؤكدا أن الإمام الليث بن سعد قال ” أن بناء الكنائس من عمارة الأرض ” ، ومن هنا يتضح أن رفض الحكومات المصرية المتعاقبة اصدار قانون موحد لبناء دور العبادة ووضع شروط مجحفة على بناء الكنائس انما يستند لاراء فقهية متطرفة وإملاءات ربما تصل لحد التمويل من قبل التيارات الوهابية لاجهاض هذا القانون ودفنه ، وخشية من وهم تهديد الهوية الإسلامية لمصر الذي اصبح هاجس يراود قطاعات متطرفة في الحكومة والمتشددين بل ومغازلة للمتطرفين ، كما أن احد اسباب اجهاض هذا القانون أن الحكومة ستجبر بعد اصداره على اظهار التعداد الحقيقي للاقباط في مصر حتى يتسنى لها أن تخصص اماكن عبادة في كل منطقة بما يتناسب وكتلتها العددية وهو سر اشار اليه الخبير الامني والكاتب الصحفي نبيل شرف الدين ، فتعداد الاقباط في مصر من وجهة نظري من الملفات التي تؤرق الحكومة وتقلق منام التيارات المتشددة وإن كانت الكنيسة المصرية متمثلة في البابا تواضروس قد ألمحت في لقاء البابا مع وفد من اتحاد الإعلاميين الافارقة منذ عدة شهور بأن تعداد الاقباط في مصر والبابا بالتأكيد يقصد الاقباط الارثوذكس 18 مليون نسمة ، إلا أنني هنا افجر لكم مفاجأة لا يمكن ان يتوقعها احد وهي ان الدكتور ياسر برهامي في احد حواراته عام 2015 قد أوضح وفقا لما نشره موقع قناة العالم ” أن الاخوان خططوا لتهجير 30 مليون مصري ” وستجدون التصريح على هذا الرابط
http://www.alalam.ir/news/1689800
، وليس معقولا وفقا لكلام برهامي أن الإخوان كانوا فقط يخططون لتهجير الاقباط خاصة بعد سلسلة الاعتداءات على الكنائس والممتلكات واستهداف مقر بابا الكنيسة الى ان انهى بهم الحال لحرق الكنائس بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة فحسب كانوا يريدون تهجير المصريين الشيعة الذي لا يقل تعدادهم في مصر عن 5 مليون نسمة وذلك لاستنساخ مخطط اسقاط سوريا في مصر ، فهذا التفسير يكون اقرب ومنطقيا بأن الاخوان خططوا لتهجير الاقباط والشيعة ونحن نعلم جيدا مخطط استهداف الشيعة ومحاولة اثارة حرب مذهبية سنية شيعية في مصر بعد مقتل الشيخ حسن شحاته بأوامر وهابية وفقا لما اكده القيادي الشيعي احمد راسم النفيس ، وهذا يؤكد ان الحكومة ترفض اصدار قانون موحد لبناء دور العبادة لئلا ايضا يطالب الشيعة بحقهم القانوني في بناء دور عبادة لهم يؤدون فيه شعائرهم الدينية ، كما ان عدم اصدار القانون الموحد لدور العبادة كان ولا يزال بمثابة المسكن او المخدر او المنوم الذي تغازل به الاقباط بعد حدوث اي حوادث عنف طائفي ، يا سادة احذروا الحرب المذهبية واحذروا الدول الداعمة لها وانظروا وتعلموا الدرس من سوريا والعراق واليمن ، فالملف الطائفي قادر لا ان يسقط رؤساء بل دول وانظمة ، فاصرار الحكومة على عدم اخراج القانون الموحد لدور العبادة للنور سيزيد من حدة الطائفية في مصر ، كما انني ارفض وبشكل قاطع وجود قانون خاص ببناء وترميم الكنائس ، لان ذلك تكريس للطائفية والعنصرية بعينها ، كما اطالب ان يكون القانون بعيدا عن يد الاجهزة الامنية ، فيا ليتنا نستفيق ونتعلم الدرس سريعا قبل فوات الاوان ، ونجهض اي مخططات طائفية ومذهبية تحاك ضد مصر ووحدتها وشعبها بالالتزام بالدستور والقانون وتعاليم الاسلام الوسطي .
Gergesboshra98@yahoo.com
الوسومجرجس بشرى
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …