نجح أهالي قرية ترسا التابعة لمحافظة القليوبية في تحقيق انتصار عظيم سيقضي علي الجهل والفقر وعجز الموازنة وارتفاع الدولار وسيساهم في عودة السياحة وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية الي مصر … انتصار سيكتب في كتب التاريخ وهو رفع اسم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من علي مجمع مدارس ترسا التعليمي من خلال حكم قضائي لا نستطيع التعليق علية لان الحكم عنوان الحقيقة ولا يجب مناقشته خارج ساحات المحاكم ولكن ما افزعني ليس الحكم القضائي الذي نحترمه ولكن التعليقات التي صدرت عن أبناء القرية عن تحقيق انتصار برفع اسم الفنانة فاتن حمامة من علي المجمع التعليمي والذي تم وضع اسمها علية تكريما لها بقرار من محافظ الإسكندرية الحالي المهندس محمد عبد الظاهر خلال تولية المسؤولية كمحافظ للقليوبية .
فقد صدمت من التعليقات التي سمعتها من الكبار والصغار من أبناء القرية من خلال التقرير الذي أذيع في برنامج العاشرة مساء مع الإعلامي وائل الابراشي حيث تحدث أبناء القرية عن العار الذي لحق بهم من جراء اطلاق اسم الفنانة فاتن حمامة علي المدرسة وفى تقرير البرنامج شخصاً يقول بغضب < ما نطلّع بناتنا رقاصات أحسن > واخر يقول < إحنا نقعّدهم في البيوت ومانوديهمش مدرسة اسمها فاتن حمامة > وتصرخ سيدة < ما يسموها باسم شهيد مش لاقين غير فاتن حمامة > أما ما أدهشني حقيقة ما قاله الأطفال الواقفون وقفة احتجاجية رافعين لافتات الرفض والتمرد على قرار المحافظ فقد قالت الطفلة الصغيرة < أقول لهم إيه … أقول لهم أنا خريجة مدرسة فاتن حمامة … والله أنا باتكسف أقول حمامة!! > البنت مكسوفة من كلمة حمامة ومعها أطفال ترسا .
ما قالة الأطفال وأبناء القرية صورة للمأساة الحقيقة التي نعيشها الان في مصر من جهل وتطرف وسيطرة تيارات متشددة علي فكر الأطفال والشباب في القرية المصرية فقد استطاع الفكر المتطرف ان يصور ان الفن حرام واهل الفن عار كما صور لهم ان المسيحيين كفارة لا يجب ان بيش احد منه بينهم لا يحق لهم ان يكون لهم دور عبادة وهو نفس الفكر الذي يصور المرأة علي انها للجنس والشهوة فقط … عقود طويلة تغلغل هذا الفكر المتطرف في القري والنجوع والمدن نتيجة عدم اهتمام الدولة بالثقافة والفن وتطوير التعليم وتجديد الخطاب الديني وهي أمور ليست وليدة اليوم ولكنها وليدة عقود طويلة بدأت ملامها عقب هزيمة يونيو عام 1967م وتعمقت خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات نتيجة اتاحة الفرصة والمجال للعديد من تلك الجماعات للعمل تحت عباء الدولة المصرية وهو ما دفع ثمنه في حادث المنصة وهو خطاء شديد وقع فيه الرئيس الراحل الذي حقق الكثير من الإنجازات وعلي راسها حرب أكتوبر المجيدة ولكن ذلك الخطاء يدفع ثمنه المجتمع المصري حتي الان فقد استطاع أصحاب هذا الفكر في نشر الأفكار المتطرفة في الأجيال الصغيرة من خلال سيطرتهم علي العديد من المدارس والمنابر .
المظاهرات التي خرجت للمطابة برفع اسم الفنانة فاتن حمامة من علي المدرسة لا تختلف كثير عن المظاهرات التي خرجت في المنيا لمنع الصلاة في كنيسة او لتعرية سيدة مسنة حيث تصب جميعها في اتجاه سيطرة الفكر المتشدد علي القري والريف المصري وهو ما يستدعي التحرك السريع من خلال تطوير العملية التعلمية والمناهج والمراجعة الدورية لفكر المعلمين من خلال الدورات التدريبية وتجيد الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي وإقامة قصور الثقافة ودور العرض السينمائي في كل مدينة وقرية ونجع حتي تعرف الأجيال القادمة قيمة ورقي واهمية الفن المصري .
من القرية المصرية خرج عميد الادب العربي طه حسين صاحب الفكر المستنير ومن بين الاحياء الشعبية خرج اديب نوبل نجيب محفوظ لان الفكر المستنير كان منتشر في كل مكان داخل مصر قبل انتشار التيارات الرجعية والمتطرفة … لازم نعلم أبناء مصر في كل مكان ان مصر بلد احمد زويل ونجيب محفوظ والعقاد وطه حسين ويوسف ادريس ومجدي يعقوب وكمان بلد فاتن حمامة ومحمد عبد الوهاب وام كلثوم وعمر الشريف وعادل امام وفؤاد المهندس وكمال الشناوي وفريد شوقي وإسماعيل ياسين ونور الشريف وتحية كاريوكا اللي قدمت الرقص الشرقي برقي واحترام وهو فن مصري اصيل ومعها سامية جمال وقد لا يعلم الكثير من الأجيال الجديدة ان الفنانة تحية كاريوكا كان لها دور وطني في مقاومة الاستعمار وتمويل الفدائيين وتوصيل الأسلحة والذخيرة والمئونة لهم وكانت عضوًا في عدد من الحركات الوطنية والسرية والتنظيمات الشيوعية ومنها تنظيم حدتوالشهير < الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني > في خمسينيات القرن الماضي وقد اعتقلت تحية كاريوكا بسبب نشاطها السياسي والوطني أكثر من مرة وكانت بسبب هذه السياقات المتنوّعة موضوعًا مغريًا بالتناول والنقاش والكتابة من جانب عدد كبير من المثقفين والباحثين والأكاديميين، بسبب نشاطها الفني والسياسي والوطني فكان الكاتب والمفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد أحد من تناولوها في بحث واف ومشوّق .
علموا أبنائنا ان الفن قيمة وشرف وتاريخ وليس عار وان الفنانين المصرين قامات … علموا أبنائنا ان الفن المصري بكل انواعه مصدر فخر ليس لمصر فقط ولكن لكل الوطن العربي … علموا أبنائنا ان الفن المصري موضع احترام العالم … علموا أبنائنا قبل فوات الأوان … ما حدث جرس انظار يجب التعامل معه بسرعة لان مصر المستقبل تحتاج لجيل مستنير في جميع المجالات العلمية والثقافية والفنية والدينية ويجب أيضا ان يخرج من القرية المصرية طه حسن جديد واحمد زويل جديد و فاتن حمامة جديدة تكون مصدر فخرنا كما كانت سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة مصدر فخر لنا في كل العالم .
كاتب المقال : كاتب وباحث
الوسومكريم كمال
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …