تأليف: أنطوني ولسن/ استراليا
( توقفنا في الجزء السابق عند زيارة الدكتور عزت ووالدته لعائلة الدكتور رفعت شحاته.
بعد تناول طعام الغداء، ومع تناولهم الشاي في «الفراندة» طلبت والدة الدكتور عزت من رأفت وعماد أن يأخذا عزت للفسحة في القاهرة وسألت إن كانت سلوى ترغب في الذهاب معهم.
تحدثت والدة الدكتور عزت مع والد سلوى ووالدتها عن مدى احتياج ابنها لمن يؤنس وحدته.. وأخبرتهما أن الدكتور عزت عندما رأى سلوى وتحدّث معها، أعجب بها وبشجاعتها وطلب منها «اي امه» ان تطلبها من الاسرة ).
عندما سمعت سامية هذا، انشرح قلبها وابتسمت، لأنها أُعجبت هي شخصيا بشخصية الدكتور عزت. وكونه يأتي لطلب يدها، لهو دلالة واضحة على انه يتمتع بقوة شخصية وقدرة على تحديد مطالبه ومعرفة كاملة لما يريده في المرأة التي يرغب الزواج منها. لا يمكن ان يكون مثل شباب اليوم الذي يجري وراء الحب والنسب والجمال والمال، لأن العائلتين متعادلتان، لا هم أفضل، ولا هو افضل. نظرت الى امها ثم صمت الجميع.
اخذ كل واحد يفكر داخل نفسه، أم عزت تتمنى ان توافق الاسرة، لأنها احبت سلوى كما احبها ابنها، الدكتور رفعت له تجربة حرمانه من ابنه حسام، فهل سيحرم من سلوى ايضا. ومن يدري؟ بعدها قد يطلب بقية الاولاد للهجرة ايضا! انتابت زوجته نفس المشاعر، بل زاد عليها، انها تمنت لو كان ابنها حسام موجودا معهم الآن، لأضفى على الجلسة بهاء آخر. أما سامية، فانها قد رأت في عزت الانسان المناسب لاختها، واستراليا التي تخشاها سلوى، مهما بعدت، فالسفر هذه الايام اسهل واسرع، يعني «مش مشكلة».
لم يفكر احد في سلوى، وكأن الامر لا يخصها هي ولكن يخصهم وحدهم. من يحرم منها بسبب هذا الزواج.. ومن يتمنّاها زوجة لابنه.. دون ما تفكير فيها كصاحبة شأن. من حقها ان توافق وان ترفض.
نظرت والدة الدكتور عزت الى والدةٍ سلوى وقالت لها:
– ايه رأيك يا ست ام حسام؟
– مش عارفة.. الموضوع جه مفاجئ.. مش كده برضه يا دكتور رفعت؟
– فعلا.. فعلا.. المفاجئة خلتني مش عارف اتكلم او اقول ايه.
– ولا حاجه.. حا تقول ايه يا دكتور رفعت.. احنا قرايب.. ولما عزت ابني ياخد سلوى بنتك.. بالشكل ده يبقى زيتنا في دقيقنا زي ما بيقولوا.
– «تتدخل سامية» افتكر يا طنط.. بعد اذن بابا وماما.. المهم انكم تعرفوا رأي سلوى الاول.. مش كده برضه ولا ايه..
– طبعاً.. طبعاً يا سامية يا بنتي. دي اهم حاجة في الزواج بالذات.
– «والدة عزت» على العموم أنا عايزة رأيكم مبدئيا. واللي يهمني، اما رأيها فدا متروك لها ولعزت.
– «والدة سلوى”، طيب وهو ناوي يعيش هناك على طول؟
– بقى دا معقول.. فيه حد يسافر بره ويكون في مركز ابني و حُسام ابنك ويفكر يجي ويعيش هنا. بس الفرق ان عزت ما فكرش انه يتجوز من هناك. وخاصة اقولك الحق، لما شاف سلوى واتكلم معاها، دخلت قلبه، ايوه دا من ساعة ما وصل أسيوط و نازل كلام عنها.. شخصيتها.. كلامها.. تفكيرها«تضحك» حتى كل ما يفتكر اتهامها ليه انه مهرب.. تبص تلاقيه عمال يضحك زي المجنون، صدقيني يا ست ام حسام، عزت ابني حب سلوى، وأنا عارفاه، واعرف لما يحب حاجة، أد أيه يعبدها ويحطها في عينيه.
– ا حنا متأكدين من الكلام دا.. احنا عيلة واحدة بس الغربة وحشه.كفاية علينا واحد بس.
– «سامية مخاطبة والدها» مش يمكن يا بابا سلوى تشدنا معاها ونسافر كلنا استراليا.
– ازاي بقى يا سامية يا بنتي بعد العمر دا كله اسيب مصر بلدي واسيب مركزي واسافر استراليا.
– لا يا بابا.. مش بقصد حضرتك او ماما، بقصد رأفت وعماد. مش ملاحظ اد ايه مهتمين باستراليا.
– «والدة سلوى» نسيب الموضوع دا دلوقتي.. بعدين لما يرجعوا بالسلامة، نتكلم فيه.
– «والدة عزت» زي ما قلت.. انا يهمني رأيكم انتم الاول.
– «والدة سلوى» مش نفكر وناخد وندي مع بعض ومع سلوى صاحبة الشأن.
– طيب احنا نسافر النهار ده بالليل.. ونبقى نكون على اتصال بالتليفون علشان اعرف رأيكم.
– «الدكتور رفعت» تسافري ايه وبتاع ايه.. انت وعزت تفضلو معانا كام يوم.. مش كده برضه ياسهير، والا ايه.
– طبعاً.. امال.. احنا نتفق مع الاولاد انهم ياخدوا الدكتور عزت ويفسحوه ويوروه مصر أكيد انه اشتاق يشوف القاهرة.. واللا ماوحشتوش.
– بالعكس، دا اللي مخليه يحب استراليا، لانها البلد الوحيد في العالم اللي فيها اذاعة عربي وفيه احياء كاملة معظم سكانها عرب من جميع البلاد العربية.
– «سامية»ياه.. على كده ما فيش داعي حد يتعلم اللغة الانجليزية، علشان يروح هناك.
– “والدة عزت ” ما افتكرش .. برضه اللغة مهمه .
– «الدكتور رفعت» اللغة من اهم ما يمكن للشخص اللي عايز يعيش مع ناس مش من جنسه او لغتهم لغته.. الاجانب لما بيجوا مصر, كانوا بيتعلموا عربي قبل ما يجوا علشان يعرفوا يتفاهموا مع اللي حا يشتغلوا معاهم، بس احنا خرجنا عن موضوعنا. قلتي ايه في انك تفضلوا معانا كام يوم، وربنا يعمل ما فيه الخير.
– انا ما عنديش مانع. واظن هو يوافق.
لم يعط الدكتور رفعت كلمة قاطعة في الموضوع. لم يوافق.. ولم يرفض.كان كلُّ همّه هو الغربة والبعد وكأنه واثق من عزت كزوج لابنته.
فرحت والدة عزت، عندما طلب منها الدكتور رفعت، البقاء لعدة ايام، فهي لهذا جاءت مع عزت حتى ترى سلوى وتعطي فرصة لهما ليقضيا أطول وقت معا للتقارب والتفاهم، خاصة أن الوقت ضيق. ان وافق كل منهما الآخر، يتم الزواج قبل سفره، وان لم يتفقا، عليها أن تبحث له عن واحدة تصلح له كزوجة تسافر معه استراليا.
قضى الدكتور عزت ووالدته اسبوعا في ضيافة الدكتور رفعت وعائلته، خلال تلك الفترة، استطاع ان يتعرّف كلٌّ منهما الى الآخر. رأت سلوى فيه الرجل الذي يصلح لان يكون ابا لأولادها. وبالفعل لم يعد عزت ووالدته الى اسيوط الا بعد ان تم الاتفاق على كل شيء.
تم الزواج في الاسبوع الأخير من إجازة الدكتور عزت. وقد أُقيم لهما عرس لم تشهد اسيوط مثيلا له من قبل. حضره عدد كبير من رجالات الدولة. والد العروس وكيل وزارة، والعريس طبيب مشهور في استراليا الى جانب أن والده كان من أكبر الاطباء واشهرهم في اسيوط والوجه القبلي عامة.
سافر عزت وسلوى بعد الزواج الى الاقصر واسوان، حيث قضيا وقتا ممتعا في اجمل اماكن مصر الأثرية، بعدها عادا الى القاهرة.
تقدم عزت الى السفارة الاسترالية بالقاهرة بجميع اوراق زوجته للهجرة والسفر معه. بعد ان اطّلعت السيدة المسؤولة على الأوراق، اخبرته ان زوجته سوف تلحق به بعد اتمام الاجراءات في القاهرة.
لم يوافق عزت على هذا الوضع، وصمّم على ان يسافر ومعه زوجته.لن يتركها وحدها. حقيقة إن عمله في سدني في اشد الحاجة اليه، إلا ان زوجته تحتاج اليه اكثر من العمل هنا في القاهرة. وبقاؤه دون شك، سيساعد على سرعة انهاء الاجراءات.
طلب من السيدة تحديد موعد مع السفير شخصيا في اقرب وقت ممكن.
تحدد الموعد مع السفير بعد ثلاثة ايام. وفي اليوم المحدّد توجه عزت وسلوى للقاء سفير استراليا، كان لقاء غير متوقع. أذهلت عزت، قدرة سلوى على التحدّث باللغة الانجليزية، دهش السفير نفسه لمعرفة سلوى الكثير عن استراليا وسدني بالذات، حتى ظن أنها عاشت هناك او زارتها قبل ذلك. غير عالم انها استوعبت كل شيء قصّه عليهاعزت عن استراليا وسدني.
وافق السفير على منح سلوى تأشيرة الدخول الى استراليا كمهاجرة مع زوجها الطبيب المشهور، على ان تستكمل بقية الاجراءات في سدني.
في مطار سدني الدولي، كانت المفاجأة. مفاجأة ليست بالنسبة لعزت وسلوى فقط، بل لكل من كان في مبنى المطار لحظة خروج الدكتور عزت وزوجته سلوى من صالة الجمارك.
كانت مدام فضيلة ورجالتها في انتظار الدكتور عزت وزوجته. كذلك كل زملائه الأطباء مصريين واستراليين وغيرهم. الى جانب عدد كبير من مرضاه ومعارفه.
لم يكن هذا العدد الهائل من الناس الذين جاءوا لاستقبال الدكتور عزت هو المفاجأة.. لا.. المفاجأة كانت ما قامت به مدام فضيلة نفسها من التقدّم الى العريس والعروس مهنئة اياهما. وفستان الفرح وطرحته وكل ما تحتاجه العروس يوم فرحها، كل هذه الأشياء محمولة على ايدي بعض من النسوة التابعات لمدام فضيلة.
ساعدت مدام فضيلة سلوى على ارتداء الفستان وكأن عرسها اليوم. وما ان خرجت على الناس في كامل زينتها، حتى فوجئت كما فوجئ الجميع بفرقة موسيقية شرقية ورجال يرتدون الزي العربي، وقوفا على الجانبين امام مدخل المطار.. وما أن بدأ موكب العروس في التحرك، اذ بثلاث راقصات شرقيات يتقدمن الموكب وموسيقى زفّة العروسة تعزفها الفرقة مع اصوات الزغاريد. والكل مأخوذ ومبهور من المفاجأة.
شلّت المفاجأة تفكير سلوى لم تعرف ماذا تقول، وما الذي يدور حولها، ظنت ان هذا كله خيال في خيال، عزت نفسه لم يفكر في شيء مشى الى جوار سلوى وكأنه منوَّم تنويما مغنطيسيا، لم يتوقع ان يحدث كل هذا من مدام فضيلة، او من زملائه.اللقاء يكفي، اما كل هذا الذي يراه، فلم يخطر بباله او ببال احد من الموجودين. لانه من اعداد مدام فضيلة. هي التي رتبّت هذا الاستقبال الرائع في المطار، بل زاد عليه ان السيارات جميعها بمن فيها، توجهت الى فندق الهيلتون في سدني. وفرقة عربية اخرى وراقصات شرقيات في استقبال الجميع.
لم تشهد مدينة سدني، وأظن لن تشهد مثل هذا العرس والاحتفال به على الطريقة العربية وبهذه الدقة والنظام. مما ابهر كل عابر سبيل، أو ضيف كريم.
سهر الجميع حتى مطلع الفجر. لم يشعر عزت بارهاق او تعب. كذلك سلوى.المفاجأة وروعة الاستقبال والاحتفال، جعل منها غير قادرة على التركيز او التفكير، كلما حاولت ان تسأل عن الدافع الذي يجعل هؤلاء الناس يقومون بهذا العمل.. ومن هي هذه المرأة التي تقدمت وألبستها الفستان والطرحة في المطار وتقدمت الموكب؟ رجال يحيطون بها وكأنها ملكة غير متوجة، تحظى باحترام الجميع ولها كلمة مسموعة حتى من زوجها الدكتور عزت. لا وقت الليلة للتفكير في هذه الأمور.
لا شك، إن شهرة زوجها في سدني بين الجالية العربية، هي سبب هذا الاحتفال العظيم وهذا الاستقبال الكبير الذي استقبلتهما به هذه الجالية الكريمة العظيمة، ومدام فضيلة، هذه المرأة التي لم تعرف سلوى انها هي التي دبّرت واعدت كل هذا الاستقبال الرائع، لم تعرف سلوى هذا في تلك الليلة وان كانت قد احست به ولم تعره اهتماما كبيرا في حينه. بمعنى آخر، لم تتح لها الفرصة لتخلو، الى نفسها كما قلت. لأن مفاجأة الاستقبال وتنوع الحفلات وتعّددها، خلق ذلك الجو الذي ليس من السهل ان تهرب بعيدا عنه لتبحث عن اجابات لتلك الاسئلة الكثيرة داخل نفسها.
كانت تلك الليلة، اكثر خيالا من ليالي الف ليلة وليلة، لها سحر الشرق وجماله. وان كانت في مدينة سدني والتي تعتبر من مدن الغرب، ظلت تلك الليلة في قلب وعقل عزت وسلوى وكل من حضر او شاهد في مطار سدني او الهيلتون لوقت طويل.
في اليوم التالي، بعد ان استراحا وقضيا وقتا هادئاً هانئاً بمفردهما في الفندق، جاء وقت التوجه الى منزلهما الذي لم تره سلوى بعد. ومن الغريب، ان مدام فضيلة اتصلت بهما في الوقت الذي قررا فيه فعلاً الذهاب الى المنزل. بعد التهنئة والسلام، اخبرتهما ان سيارتها الرولز رويس في انتظار التعليمات للذهاب بهما الى المنزل.
زاد هذا التصرف من دهشة سلوى وتعجبها لهذه المرأة التي تعرف جيدا الوقت الذي تتواجد فيه، بدأت الافكار تطفو من جديد حول من تكون مدام فضيلة هذه..وماعلاقتها بزوجها.. ولماذا كل هذا الاهتمام.. لكنها ارجأت كل هذا الى وقت آخر إنها سعيدة جداً، ولا تريد لهذه السعادة ان يعتريها شيء من الظنون والشكوك والاسئلة.
في الطريق الى المنزل الكائن في شمال سدني Sydney North اخذ عزت يشرح لها ويقص عليها كل ما يعرفه عن«الهاربر بريدج» وميناء سيدني البحري، وجمال هذا المنظر في المساء عندما تطل عليه من شرفة منزلهما المُطل على مياه المحيط مباشرة.
ظلّ عزت في اجازة اخرى لمدة اسبوع آخر. في ذلك الوقت، حرص على ان يجعل من سلوى امرأة تعرف مدينة سيدني وكانها نشأت وترعرعت على ارضها. فكان يأخذها في سيارتها المرسيدس الذهبية اللون والتي اشتراها لها. كانت سلوى عند حسن ظن زوجها دائماً. لم تخطئ مرة واحدة في الذهاب الى اي مكان يختبرها ان تذهب اليه دون ان يتدخل في شيء.
بعد ان اطمأن عزت الى قدرة سلوى في معرفة مدينة سدني، وبعد انتهاء اطول اجازة في حياته، وفي اليوم الذي سيبدأ فيه نشاطه الطبي، قال لها:
– سالي حبيبتي.. انا طبعا رايح ابدأ العمل النهار ده بعد اطول وقت في حياتي من يوم ما بقيت دكتور اكون فيه بعيد عن المرضى.
– ربنا معاك ويوفقك.
– طبعا انت مش ناقصك حاجة. عندك السيارة، وانت دلوقتي تعتبري استرالية عارفة كل حاجة في سدني ولك مطلق الحرية في الخروج في اي وقت من غير ما تتصلي بي علشان تقولي لي رايحة فين.
– بس انا ما فيش عندي اصحاب هنا او حتى نادي مصري او عربي ممكن اقضي وقتي فيه.
– ما تشغليش بالك. كل الدكاتره زوجاتهم مش بيشتغلوا وممكن تتصلي باي واحدة عشان تتكلموا مع بعض او تخرجوا. كما يهيألي ان مدام فضيلة مش حا تسيبك.
– صحيح يا عزت.. انا نسيت اسألك عنها.
– ست محترمة، محبة للجالية العربية، خدومة، على الرغم بيني وبينك في بداية معرفتي بيها، كان رأي فيها غير كده خالص.
– ياه.. ازاي بقى.
– مش وقته يا سالي، انت عايزاني اروح العيادة متأخر، وكمان دا انا كنت حانسى اني لازم اروح المستشفى الاول قبل العيادة. باي يا حبيبتي.. الله معاك وانتبهي لنفسك.
قبّلها قبلة كلها حب وحنان. حضنته ولم تكن تريده ان يتركها. انها لاول مرة تشعر فيها وكأنها طفلة صغيرة تتركها امها وحدها في اول يوم لها في المدرسة. قاومت الدموع المترقرقة في مقلتيها.
اخذت بعد خروجه مباشرة في التجول داخل هذا المنزل الكبير، لترى ما يمكن عمله دون الاعتماد على اي ممن يعملون عندها.
تمنّت ان تكون وكيلا للنائب العام، او محاميا مشهورا. ولم تفكر ابدا في ان تكون زوجة وربة بيت في نفس الشهر الذي انهت فيه دراستها للقانون وحصولها على ليسانس الحقوق بدرجة جيد جدا. وها هي الآن في مدينة سدني، وفي استراليا، وفي منزلها، وزوجها طبيب مشهور، يتركها وحدها ليعود الى عمله الذي انقطع عنه اكثر من شهر ونصف. اما الآن، فعليها ان تشرف على هذا البيت الكبير وعلى من يعملون فيه. وان كانت تفضّل عليه بيتا صغيرا تقوم بتنظيفه وترتيبه بالطريقة التي تحبها وبنفسها دون مساعدة من احد. لكن عزت رجل غني.. غني جدا.. من يعملون في هذا المنزل يُقّدر عددهم بخمسة عشر شخصا بخلاف من يُعدون الطعام ويشرفون عليه. وعلى هذا، فعليها وحدها مهمة الاشراف على هذا الجيش من العاملين في المنزل. فلماذا لا تخلق لنفسها عملاً مهمته اعادة تنظيم المنزل بالطريقة التي تتماشى مع ذوقها حتى تُشعر زوجها بالفارق بين الامس واليوم؟ بين ايام العزوبية والوحدة؟ وبين الآن ومعه زوجته؟
نادت على العاملين.. اخذت تتحدث اليهم بلغة «انجليزية صحيحة» لم تعبأ بما يسمونه «اللهجة الاسترالية». أوضحت لكل منهم العمل الذي عليه ان يقوم به بعد ان استمعت اليهم وعرفت منهم طبيعة عمل كل منهم على حدة.
بدأ الجميع يعملون كخلية نحل. كل له عمل واضح يقوم به. تشرف هي على الجميع. تنتقل من مكان الى مكان لترى بنفسها نظافة المنزل وتقوم بتغير ما تريد تغييره في الاثاث والديكور. إنه عملها من الآن، فعليها ان تؤدي هذا العمل على الوجه الأكمل لتملأ به فراغ يومها، وتشغل نفسها بما هو مفيد حتى لا تضيع في دوامة الفراغ.
في وسط انهماكها في العمل، جاء رئيس الخدم واخبرها بوجود مدام فضيلة في انتظارها في غرفة الاستقبال.
(يتبع)