الجمعة , ديسمبر 20 2024

دويدار ..وسر المواجهة والعشق والتفتح

ماجدة سيدهم

الحصــــــــــــان.. “نص شريف”

 قــــــراءة أنا إله الفوضى …
أنــا ..
إلــه..
الفوضى..
أنا إله الفوضى
وعبادى تشبهني
يطيعونى مايطيعونيش
بيسبق غضبي مغفرتي…  

 حين باغتته  لعنة التسكع على أرصفة الشعر، في يوم لذات التاريخ المكتوب  قبل سفر البداية ، كان قد  نثر بذار الحرف في الجدوب الغائرة والغيمات الملبدة بالوحشة والهزيمة ، فلا هطول هنا  لحرف فائر، أو لسكيب  شعر  فوق عطش الحنايا ،تلك الحنايا التي صنعتها أمنيات هزيلة والتي سقطت عن موائد  فضيلة الفراغ  المحكم  بفعل التشوه والتردي المخيف ، يجول الشاعر  يصنع غضبا ” دويدار الناصر”  مجذوب الجمال ، ناسك الإرتفاع ، درويش الاتساع والمقاهي وزحام البسطاء و…يخترع التكوين ..

                      بسم الحصـــان نفتتح الصهيــــل

“..اقلع هدومك..”

لاتندهشوا،هكذا عـُلقت تلك اللافتة عند الباب الرئيسي  للصهيل  بخط  يد الشاعر ( عاوز تشوف نفسك .. إقلع  هدومك ..)  إذ شريطة  الدخول إلى متسع الصهيل أن تلج  بنفسك إلى داخلك أولا ، في  دعوة صريحة للتعري  والتخلص من ثقل ورقات التوت الملطخة بعلة الثقوب والندوب معا ، دعوة لا التباس فيها  لمن أراد تقويما جديدا ،  شجاعا،  متسقا  في رحلة الدخول إلى رحابات  الفهم ، دعوة  حادة  للتطهير الروحي  من أورام الكبرياء وعطن الضحالة ، معلنا أن الطريق المؤدي لمكاشفة  الأعماق الخفية  يبدأ بالمواجهة  (  اعرف أنك ضئيل .. تافه .. قليل .. ) فالدخول إلى الأعمق  ليس بالأمر السهل ،بل يحتاج لشجاعة فريدة لا يمتلكها غير من أصيب بالفطنة ، دعوة هي  شفيفة  للإلتقاء الإنساني المرغوب ( صفى قلبك وخليه صافي . يمكن يتعرف قلبي على قلبك الحافي )  نشدانا  أن يعود  القلب  سرمديا ، متجردا، خالصا ، دافقا ، وكنشأته الأولى يعود حافيا ،كي تتم مهمة الإيغال في عالم الحصان بنجاح وتغيير ..!

يبدو للداخلين أنهم على وشك  الإرتطام  لكثرة  الإلتباس وعدم الوضوح ، فيبادر ويفتح  باب النداء على مصراعيه (الحصـــان ..) ، يبدد بسراج الصيحة  غبارالعتمة ، فنتطلع تباعا على كل الأسرار والأخبار وما أوحى إليه من صيحات  شاهقات ، لذا إنتبه عزيزي القاريء فأنت أمام نص مسموع  الصوت  ” الصهيل ” ، مدبلج بروح  المواجهة الصائبة والمفرحة  أيضا  ، لننصت إذن و …السر الأول ..

1-  السر الأول ..  المواجهة

من الصعب بحال أن تمتلك ناصية البدء للدخول إلى  سفر الوجع الحي ، الرابض بتفاصيل الروح  لمجذوب الشعر، من المجهد والمنهك أن تغامر بمغازلة أو مبارزة  جموح  الحصان  مرورا بمنعطفات جنة الفردوس فتتعثر،  ثم تكتشف  أن عليك وحدك  تحمل  تبعات اختيارك  للرهان والسباق الأمهر ، فليكن ما يكون إذن ،لنكر السطور ركضا ، ولنطعن تفاصيل النداء  ملء الشوارع  والمنحنيات العصية ، والتى  لاحقتنا حتى الأرق ، حتى السخط  اللعين ، ملعون هو من أدعى  الرسولية  (..  أنا الرسول الفنان ..) ابن اللعنات الممتلئة  بالأسحار والتجاوزات  والأبيات  البينات ، ملعون هو من  ثارعلى صقيع  الأرصفة ، يقتات الارتفاع  ويعلن  في مآذن  الصمت  أنه هو هو السيد  (  أنا السيد الشجاع ..الصامت القابل للاشتعال ..أنا الخامد القابل للانفجار.. أنا الفعل والاحتدام والصدام..أنا الحصان الوحيد ..أنا السيد النخلة ..مايهزنيش عبيد الأرض ..ما أسمحش يتزرع جنب مني أقل من ورد ..أنا النزيف المضيء  ..أنا  الولد الحي ..زي المطر والأرض ..زي البحر ..زي الطيش.. .أنا الرسول الفنان ..أنا الكلام ..) صدق القول العظيم ..! 

حين تصاب  المدينة  بضحالة الفكر وسقم الذهن ، حين  يتفاقم  الفقر المضني للجمال  وتحتشد ساحة الحصان بسموم المتشابهين  من الأدعياء  والأشباه ،.هنا فقط تضجع المجاعة على جثة شرف الكلام ، هكذا في أوطاننا  ارتفعت قامات الأقزام  المنتفخة  بترهل  الرؤى ،يجيدون مع  مطلع كل خيانة  ترقيع بكارة الوطن وعذرية القصيدة ( الفار فجر ..بقى يمشي ولا أجدع أسد . .)  لذا يثور الشاعر  كل الحين ، يكرز بذات الصيحة  وقداسة تلك  المعصية ( طالع لكم عريان.. يادولة العميان.. طالع لكم من فزعة العصافير.. من كحل البنات.. من صهيل الحصان..وعياط الكمان..طالع لكم م الطوفان ..عريان.. أنا الحصان.. يا تقتل  يا يعود النهار..) ، يجول يشق طرق الفهم في ذهن العتمة وبالنور  يمحو خطايا  العميان ، فيما تظل الشوراع رهينة  ثورتها على الموت وجوعها للحياة الأفضل ، وشأن كل  مواجهة مع القبح .يتقدم الحصان المشهد  الصعب ..و يتصدي مواجها   ( أنا جيت أكمل مباهج القصيده..أتمم جتت الشعر ..أعمله إنسان ..أنا الرسول الفنان يامجرمين الكلام .. ياكفار قريش ..ياوصمة العار على الشعر ودهشة الألوان .. يامعفنين القلب ..أنا جيت اعري الأجرب ..والمستخبي في النسوان ..أنا جاي أصنع كرامة للخصيان ..أزرع رجولة للصبيان..) ..

وعلى عكس عادة  الشعراء  يبدأ  “الرسول الثائر ” مجمل  قصائده  بالصدمة ..باللكمة  بل بالتحطيم  والتكسير والتخريب ،يبدأ  بالنهاية ، طلقة الرصاص ،هكذا الحصان حين  يبدأ الركض  يسبقه  الصهيل الموجع  لحتى ينزف بالمكاشفة ،يمزق الشطوط والأقنعة ، يعزز وجه الموج بالغضب ( الموج  غضبان ..وشه منفوخ ..يفور .. يثور ..ويقلب بعض ف بعض ..الموج علشان يرتاح حيغرق كل الأرض ..). .

ولكثرة السقوط المتردي  دفع هذا بالكثيرين من الشرفاء بالانسحاب ترفعا  أو بالتهميش قسرا أو بالملاحقة للنيل من عنفوان الحصان..فجل كارثة الأوطان حين يفرغ ضميرها من روح الجمال والفكر والثقافة والإبداع ، إذ تظل رهينة الاضمحلال كبيئة صالحة  لتكاثر الفراغ  ..

طلقة رصاص

هيا أيها الأوغاد ( الرعاع )  أولاد  الأفاعي .. تقدموا برؤوسكم القدمية ..هنا تقام دائرة محفل  فخامة الحصان .. وجع الحصان .. نزف الحصان ،هكذا  يستهل  ” الرسول  الثائر ” مساحته  بالغضب والإحتدام  في مواجهة صارمة مع  العموم  ..مع الساقطين والأردياء والمتزاحمين بالفضول حول  المشهد الأخير لأسطورة الحصان ، أو هكذا يظنون ، معلنا  أنه  وحده  من يمتطي  مبادرة الفارس النبيل  ،يصنع الخلاص  بطلقة رصاص ،فلن يسمح للعزة بالمذلة ولن يسمح للجموح  بالمهانة ،  ليتوج  الكبرياء بالفخامة ويضمد الفروسية  بالنهاية النبيلة ، ولا مجال للشفقة عن الوجع الساقط  عن روح الحصان (  طلقة رصاص ..يمكن تكون رحمة ..يمكن تكون الخلاص ..من نظرة الشفقة ..لكن أكيد هي رحمة …) ، يطعن  حدة النبوءة  في  كل  ملامح التعاسة لجموع الحمقى والجهلاء ، ويؤكد لهم ( أن الرصاصة اختصار للسنين الجاية المرعبة .. سنين المعيز.. الحمير .. الكلاب .. ماهياش سنين الحصان ..) ..

فيما   يوجه جل سخطه   لجمهور الساخرين  والمتسكعين  على حافة الكرامة (.. ماتستغربوش  وهو متمدد في بركة الوحل .. وكبرياء رقبته اللي دايس عليها الجراد ..ونظرة عيونه البعيدة وهي بتلمع ..ماتستغربوش  من نومته بعرض البلاد.. صحيح نومته تحزن.. تكدر.. تيأس.. لكن  دا  كان زمان ..فرس النبي والصحاب .. وكان له صهيل يهد جبال.. ماتفرحوش أوي.. دي بداية النهايات ..وما تستعجلوش الحرب لسه مانتهتش.. ودم المسيح أول سقوط المطر.. ويهوذا مستمر في الخيانات…) ، يرتطم النداء قويا  وفي وضح الملأ  تنطلق الصرخة  بهول المفاجأة (..دا..كــــــــان.. سيدنا.. الحصـــــــااااان ..)،  يعلنها  كي يُخرس كل  أزمنه  التطاول وكل مساحات العمى ، وبلا هوادة  يؤكد  جلاء الحقيقة  شاهرا نصل الإتهام في  قلب الجهالة ( بتهم شيوخ القبيلة بتجريف روحي .. ومصادرة أملاكي اللي ورثتها من  أبويا.. بتهم القبيلة وشيوخها ..بالمسؤولية الكاملة عن ضلالي ..وضلال من بعد مني عيالي ..وهروبي من صلاة الجمعة لصلاة  الجنازة . ودماغي اللي حولوها لمبولة عمومي..للشيوخ..ولعابري السبيل…كلكم ..كلكم مسؤلين عن كمنجات حزني ..كلكم  أوهام..وزعيق في زحام ..أنا وحدي  حقيقة.. كلكم متفتتين..وأنا  واحد صحيح. .) ..

تنمو ثورة التغيير  حين يمتلك “حامل الرسالة ” حفنة  الإلهامات الواثقة، تنقلب حينها الثوابت  المجعدة ،ويعاد ترتيب المفردات كما يجب أن تكون ،وفيما  يتراجع  جموع المهزومين ، لا يكف عن  الملاحقة كي  يُسقط  عنهم  كل عورات الرخاوة  وبطولات  الهشاشة  وغش القصيدة ، وجيدا يعرفهم ،يوبخهم  (عواجيز الفرح ..مكملين نقورة .. مكملين مسخرة .. مكملين دحدرة ..موهومين فشخرة ..مكملين بمصر لورا..)، ولأنه يدرك  باليقين أنه الروح المختلف والشاعر الحي لذا  يثابر بلا كلل  ( عشان ما نتش شبه حد فيهم ..ها تفضل تفزعهم .. عمري ماخفت من خايف.. ولا اتهزمت من مهزوم ..مشكلتي أني صاحبت شوية مفاضيح ..) ..

لازلنا بين منعطفات الصهيل حيث  النزال الشريف ، هنا في  ساحة النبوة   والدعوة  للمبارزة علانية (  الراجل ينزل للبحر ..ويوّري  البحر شطارته ..البحر بيجز سنانه جز ..كأن في قلبه بسيف أتغز …)، الحق أقول لكم  تتجلى  فخامة الحصان وعبقرية  المواجهة  وصدق الوحي  حين يكون  الثائر شاعرا ، رسولا  نبيلا ،  فيتآكل  بالتمام كل النزف .ويخرس كل  الصمت ..!.

 صرخة شاعر

قد يبدو للموغل في رحاب  الحصان أنه  إلى هنا وكفى، بينما الدرب شاق ، معبد بالندوب والوحل والمرائين .. فمشوار الخلاص  لازال في أول الطريق لاقتفاء أثر الوطن والعشق والحرية   ..

ينزل”  شاعر الصيحة  ”  بالضربات  الفجائية كي  يصنع في الحيز الميت  صدعا.. دويا ..قبلة الحياة المروعة لإفاقة وطن غارق في نزقه ، في موته ، يجدد المحاولات المستميتة بمعوله الوحيد ( كل ما أملكه  من الحطام  كلام .. وأحلام ..وصدام مع الأيام.. كل مافي الأمر عندي حروف زيادة.. لغة زيادة.. شوية دم ..ونخوة  الإبداع..) ، ينزع  بدوره  كل الرمادي ..كل اللزج ، كل الخديعة عن وجه الحقيقة ، كمن يصفع غيبوبة البلاد من وهم الكمال المنزوع منها ، فهي المنتهكة، الخانعة ، سيئة السمعة (.. لا أنتي البهية  العالية ..ولا أنتي أم الدنيا ..مصر مش مغرية لواحد زي..مابيمشيش مع واحدة مشيت مع أموات.. نامت مع أموات ..قتلت أحياء علشان أموات ..شايفنها فرس ..علشان كلهم حمير..أنا شايفها حنطور..علشان  مصاحب عصافير ..)   ..

ولأنه خـُلق ليُحلق ..طوِّع ليحارب ، جاء لينادي الجالسين في ظلمة المخاوف وصقيع الجهالة  بالعتق ، يذهب هكذا  بأشعاره  يكاشف  البلاد التي نـُزف من أجلها الروح ، يحث في  شعبها  النخوة ..يثير في المآتم  نبت الكرامة ، يثير فيهم الإنسان،فيذهب يتسيد  كالطغاة ( أنا السيد الوقح ،الدنيئ.. الحقير.. اللص ..الأجرب ..المتعالي . الماخور ..القاتل..الطرطور.. الواطي ..الفاجر..أنا سيد الشعب المجرور المذلول ..)  يصرخ  بكل الحنق  ( فيه حد فيكوا عنده  كرامة العبيد ..حد فيكو حيثور ..؟ )  وفيما يحمل بوق المئذنه ، يطلق صيحات الكرامة و يجدد  المحاولة  متخذا هذه المرة  صورة العبد ( أنا العبد القبيح.. السافل ..المنحط الجبان .. الفاضح والمضوح  ..الخدام..الخواف..الوضيع ..سليل العبيد الأنجاس.. ولو فيكوا واحد شريف..إنسان.. هبوا وثورا ..)  ،بينما تمتلئ الساحة   بضجة الصرخات  لحتى يطوف بالأبواب ، يركض على الضفاف والنواصي والأسواق والمنابر والشطوط  ( يعني إيه  واحد سرق منك هدومك .. مستني  مين يرجع لك هدومك ..اخرج من المية صاروخ ..طلقة رصاص ..طلقة من مدفع ..وأنا وياك .. تعالو ف قلب الميدان طوفان ..ثبت روحك على وجع كرامتك ..هاتلطع منك راجل بيعرف يثور..) ..

  وفيما تخذله البلاد في كل مرة ، حيث تتفشي خلايا الحمقى المتقيحة في جسد  الوطن وروح القصيدة ، يمزق بدوره خرب الوهم ، يغرز أظافره في لحم  التعاويذ  ويطحن ملامح  البلاد  (شعبك الطبلة.. الساقط التنابلة ..من إمتى يقدر يقرر مصير ..ياعصية عن التفكير ..ياممرمطة العزاز .. بيشبهوكي الشواذ ..غباوة الحمير.. البكم والطراطير..الأفيونجية ..يااه ..كل  دي ناس ميته..بتتكلم .. وبتدي أراء في المحنة ..وبتخطط للمسقبل..).يرقب المشهد التعس  وبالوجع يعلن فيها انصرافه عنها كأنه التحذير  (أنا مش هاموت فداء لوطن كسيح …محتاج أحس إن دا  بلد محتاج واحد صحيح..) ..

تقييم

في  متسع الحصان يجوب ” الشاعر الثائر  ”  الوجوه التعبى  والأحلام المجعدة  حافيا من نعال البغال ، عاريا من تشوهات المتسلقين  ، إذ يذوب  صندله المرقع  بالمشاوير ليصل  إلى منتهى الوضوح  وحده.. وحده.. لا شريك له  ( وفي آخر السباق وصله لوحده.. مفيش حد جنبه .. بنهج كأني جارر ورايا عربية متحملة وطن مدبوح.. وبيخر دم .. كل شيء سيء.. القهوة .. وريحة السيجارة  في كرسي الميكروباص .. كحة السواق..وأسوأ مافيك يانهر.. إنك لابتحرم مراكبي ..ولا بتحترم عشاق ..كتبوا فيك الشعر.. وشالوك على الدماغ .. )..

 ومنفردا يصعد التلال  مع بقايا غبار وماتبقى  من معاناة مضنية لكافة المحاولات الممكنة ، كذلك يفعل الأنبياء والنبلاء (مخنوق ..عادي..بتحصل للأنبيا ..والأوليا.. والرسل ..وأصحاب الرسايل الحق ..)،حين تضيق بهم معوقات الفكر المحيطة بهم  ينفردون  بعيدا ..في تصوف وجداني مهيب  ومع الأسمى يعتكفون ، فيكون من الحكمة هنا بعض من العزلة ، وعلى وهج الكبرياء  يمتلئ بالقوة  من جديد  ( بخلق من عكازين وجعي ولد شجاع ..بتعكز على آخر ضحكة في روحي …يتعكز على كبريائي وأقف على حيلي…)  ، يخرج من ساحة التجربة   بمحاسبة صارمة مع  النفس ( محتاج اصيغ ملكوتي من جديد ..ارمي نفايا البشر في البحر..محتاج أعيد ترتيب روحي..واحتفظ  ببنت واحدة في شراييني..تضخ الدم في الأوردة ..تغنيني عن سؤال اللئيمة ..) ثم ينصرف عن ملاحقة  كل عاجز كفر به ( ما تفسدوش عليا وحدتي بمزيكا رديئة .. وأغاني سئية السمعة بتحكي عن وطن…ماتفسدوش على قلبي الوجود.. كلكم شبه بعض . أنا الوحيد اللي مش بيشبهني حد ..) ..

 هيكل البوح

كإستراحة الفرسان  يدخل  “الحصان ..حامل الضوء ” هكيله الشفيف مختليا  مع  وميض الحس،  ما طرق بابَ أحد  بل على جدارن الروح يتكئ  ويطرح شكواه (  سيدي النبي .. أنا رسول فنان ..بلا أتباع ..بلا شعب.. بلا ورد ..بلا بنت تسند روحي من حالة العرج .. جايلك  وفاضلي خطوتين ع الكفر ..أنا كفيف وعاجز من أهل مصر .. أعلن إني اتخدعت ..في أمة هلكانة وضعفانة وجبانة .. ولا فيها خير و مليانة شر…لسنا مش عايزين نصدق إننا أمة ف الطراوة ..سقطنا في امتحان الكرامة..ونجحنا في الخيابة ..رغم أننا غشينا كل المواد ..برشمنا كل الإمتحان ..برشمنا الغباوة..والأكادة ..لسه بنقاوح.. حنخش الامتحان ..ونعيد السنة الجاية ..سيدي النبي .. أنا قبل ماانسخط إنسان كنت عفريت جن.. بلقى نفسي جوه صدر.. مرة اتشعبط في فخد .. مرة أدخل بار اطلع من كتاب ..مرة أمسي على الصحاب ..على أحمر شفايف .. أنا قبل ما أنسخط إنسان ..كنت أجمل مخلوقات الفن .. محدش يحاسبني علي كرهى للوطن ..كل شيء فيه إهانة .. كل شيء فيه  مهانة ..سيدي النبي .. أنا مااتخلقتش عشان اتهان ..أنا اتخلقت من ربنا إنسان.. ولو مافيش منها فايدة ..يلعن أبو الوطان اللي تذل رسول فنان ..أنا اتمليت عداوة معلنة للكنائس والجوامع ..أنا لو كنت بحمي بيت دعارة ..وبص لي أي حد ..كانت المومس ..ورا المومس ..ورا المومس.. انشقت عليهم أرض ..ودافعو عني..بكحلة عين..بدراع ..بحمالة صدر.. لوكنت بحمي بيت دعارة ..ماكنتش اتكسفت من نفسي ..لما  دافعت عن كلاب  في بلاد اتملت مخنثين ..بلاد بتقتل العشاق ..بتفتح فخدها للغريب ولا يتهز جفنها للحرق ..سيدي النبي ..ساعات بكلم نفسي وأقول الرحمة حلوة..ومابلقاش حد أقولها له ..فبقولها لنفسي ..وبديني ظهري ..ومابردش علىّ ..واشتم في العدل ..والكلام المجاني عن الحياة ،سيدي النبي …مومس بلا عرض أشرف من وطن بلا راجل ..بلا حاكم ..وطن برد.. برد  ) ..

وعلى باب الله  يغادر مرتحلا (يارب مخبي دماغي في حجرك .. متعشم فيك م القلب )،  في جعبته يحمل نزف القصيدة   وثورة إنسان ، وحين يفتح  في عين  النهار المحاولة من جديد  ينطلق  بالدهشة ضاحكا  (..ازاي لحد دلوقتي ..شراييني سليمة ..فيكي حاجة زي السحر ..أه يابلد  ..قتلتيني .. مستنية ايه تاني علشان تطلعي من شراييني )  ..

نخوة الإبداع

عزيزي المتألم   بين  مشقة  أوتار الحصان ، ذاك الموحى له بكامل  الصيحات  الشريفة ، حامل  جينات الجن الأشرف والسراج القويم ، هوذا يعتلي بالافتخار شأن  ملكوت الغضب ، مبشرا بصعود  إله الحياة والفوران اللانهائي  للكون  ( ..أنا إلــــه الفوضى ..) .. يالبراعة الإعلان النجمي في فضاء مجوسيات  هيرودس  الممتلئ بالهلع  من ذاك  الذي أتى مبشرا بالصدع  والتخريب المجيد  ”  دويدار ..الرسول  الفنان  ” ،  أول من أنزلت عليه  آيات النخوة  في كتاب الإبداع ،(سلاحي الوحيد نخوة الإبداع.. )،  هل سمعتم من قبل عن شهامة الإبداع ونخوته،  فليس كل من خط الحرف امتلأ  من  زهو الموت النبيل ، هكذا يصعد  الإرتفاعات كي يشعل في عين الضوء المزيد من النور، يرمم الانعكاسات ، يضمد الضد، ويؤسس للفوضى وجها وملمحا جسورا  صوب الأفضل ،  لذا  لا يفزعه  منعطف الغروب ،ولا يؤرقه شجن الخريف أو تهور الصبايا الطالعات..فليس  ثمة نهاية للمحاولات المضيئة ،فقط يؤرق مضجعه  ثقل زمن العتمة و خفوت صوت الصهيل ..

..في عالم ”  الفنان  الثائر ”  يجد المار هنا  أنه  أمام  ملاكم أجاد الرقص  بالأعشاب  والثمار والأوتار والتفاصيل  الشعبية الخالصة  وكذا تسديد اللكمات الصائبة للخصم ، فحين يبدأ الجولة ينزل بالضربات العنيفة المتتالية دفعة واحدة   ثم يعود ليغازل  الخصم بل و يبادر  بالمصافحة ،ثم لايلبث أن ينقض  مهاجما  بالضربة القاضية للقصيدة ، معلنا أنه لا يسامح ( رغم إني متصالح ..لكن مش مسامح  ..) ،و في هذا وعي  أخلاقي كبير،  فالتصالح مع الجرح  أو مع الخصم  يرفع عن القلب الكثير من مرارات الخيبة ( لاعندي أحقاد مستخبية ..ولا تار بايت مع النعيم )  ، بينما ليس من الحكمة هنا  استمرارية العلاقة  التى معها قد يتأذى المرء مجددا  ،ا فهو باليقين  يعلم  هوية دربه وعلى وجه التحديد يدرك إلى أين يمضي ..

في ساحة الحصان  كثيرا مايكون الخطأ  غير قابل للجدل أوالنقاش أو الفرصة الثانية ، خاصة  متى كان الاقتراب من بوابة  كبرياء الروح والشعر، .لكن  كثيرا ما يتأنى ” الشاعر ” قبل نهاية الفرصة الأولى والأخيرة أيضا ، فيعلن محذرا قبل نفاذ رصيد الاحتمال  ( ماتخلنيش اطلق صهيل خيلي.. وربنا المعبود ..لو انفك اللجام ..ما حخلي فرد ع الأرض.. ححولها حطام..) ، وكذا حين تضيق سعه الصدر  بالمرواغات الرخيصة ( ماتستهمونيش بحزني ..هاجيب رقبتك في التانية..لو فلتت مني الأولى ..)..

 *اعتذار واجب .. كتبت ما كتبت  ولم يكن  هو بالسطر الأفضل ، ففي كل مرة  كنت أمزق ما كتبته ،  أحرقه، ألعنه  ، ألقيه بعيدا عله يخبو أبدا .. ثم لا ألبث أن اقتنيه مجددا  أكتبه ، أمزقه ، ألعنه،  ثم …  أعترف بهزيمتي  وأعلن  فوز جموح  الحصان ..

.السر الثاني .. العشق

                          ”  ماعنديش مساحة فاضية للأموات

                              روحي متعبية … سكر نبات …!”

طوبى لمن  لاحت له القصيدة  بالمغادرة قبل الدخول المرغم  إلى هيكل العشق ،طوبى لمن إنتبه وهرب  من طوفان ” الرسول العاشق ” محتميا بشراع الظل أو بكتف الإتكاء ، طوبى لمن مزق ملح البحر وطعن خاصرة  الحرف  المدرج في أسفار الشعر، بل  وأحرق بإخلاص  كل اللعنات  المسكونة في تعاويذ البوح لذاك الذي نعت نفسه بالخلود فأصاب (..أنا ضد الممات ..) ، طوبى لمن أشهر في وجه القصيدة  كل حكايا التمرد وهذي الموت الحي ، لمن  أحيا  كل الصهيل  بعد طلقة رصاص ،هكذا يطوف عالم  الحصان    المضفر بالمفاجآت  كل  رحابات  البرية ،  بينما يتبع الداخلون معه الصفير طواعيه ،كمؤمنين بالنبوة ، ينتعلون  العري فضيلة حسناء  ،مقتفين  أثر النور للدرب  الواثق ،فيما يذهب يتحمل وحده  مشيئة الدخول إلى ملكوت الإنسان ، وكرزات  بتولات تنادي بالحياة ( يارب تعبت من مصاحبة الأموات ..عترني في بنت عايشة ..أو بتحب الحياة ..أو بتتفرج عليّ وأنا بقلع هدومي ..وبمشي في السكك عريان..ويشاوروا عليّ ..رغم إن روحه متعبية ميتين ..قدر يعيش الحياة .. نفسي في بنت واحدة بتحب الحياة  ..) ..

 وفيما نحن نجوب  بين ممرات ومزهريات الصهيل ، راح  يحكي  إلينا  كأميرات الإنتظارعن  بطولات الفارس  ومغامرات البحّار  وشجاعة العاشق  ( .. بكافح الغرق ..عشان خاطر.. عيون بنات حلوين ..ع الشط منتظرين ..ولد نهار.. ولد كل المصريين ..ومراكب خدها في حضنه ونام ..وشفايف شمس اتبلت من ريقه ..وكلام من حبيبة كبرت .. تسبيلة عين للعين ..في شهور الحر.. ولمس ايدين .. وخطوة بنت رايحة للولد.. نافورة قلبي ..بتنيم تراب الشوارع.. تحت رجلين البنات ..)، وحين  غفا  الحلم منا على كتف الشغف  راح يسكب علينا  ثلج المرح ،  ..يدفعنا  للمثول  كي  نغني معه  ( بربي على وشي شجر.. يحميني من عفار السكك .. بربي ف قلبي عصافير.. وبنات ..على كتفها كمنجات ..تطرد الأوجاع .. وعزفها ينبت في جسمي شعاع ..بزرع في روحي نعناع .. وأطير بعيد عن الرعاع ..عن الأحياء الميتين ..) ..

هكذا يقود ”  الرسول العاشق  ” صلوات  العشق المبين واختراع التغيير  (بختار بدايه  جديده للأمطار.. كنوع من  التغييرلشكل المطر..بين ولد وبنت ..بيتولدوا من جديد..فى بوسه ..من شفايف كاسين ويسكى…)  ثم  يميل إلينا كي  يمنحنا  مسابقات الإجادة ومقدرتنا على الإستيعاب ، ومن منا  ستربح الفوز بكسر القيود والخروج من سبي النساء  العظيم ، نحن  اللواتي اعتدنا  الاختباء والإكتفاء  بالحكايا عن العشاق والتلصص عبر  السياج ، منبهرات  بشجاعة  الإبداعات الممكنة، و يطرح علينا السؤال ( فينك ياحوا ..لو تقدرى تسامحينى ..على طردنا الشنيع من الجنه ..حقدر أسامحك على خروجك من ضلوعي ..ونهجانى فى البحث عنك ..فى رئه الشيطان ..لو تقدرى تمنعينى من حبك ..حنساكى..وأكون معاكى نسيان..!)  هكذا يكشف عورات  التردي  المخيف ..

ولما  طال  زمن الإرتباك والإجابة  راح بلطف الصادقين  يرفع رداء القلق و يكرر النداء ( مستنيكى ..تفتحى جنازير النهار..بصوابعك النمنم..أنا المسجون..وبإختصار.. فى وشك المسمسم..يابنت بتشيل ..من على روحى الغبار..  ماتخافيش مش حبطل دفاع عن حريتي .. عن حبيبتي ..) ..

صحوة  وتر

  وفيما  كنا  نركض خلف  شغف الحكاية  وصولا  لتفاصيل النهجان، ارتطم جميعنا  بهول  المفاجأة  مرة أخرى ، ليخرّبنا  الشاعر كعادته ، فللوهلة الأولى قد يظن القارئ  أن ثمة خصوصية تشعل الحكاية ، غير أن البوح  كله   يفضي للمطلق ، الأنثى المطلق ( براهن علي حوا ..)  هكذا يتألق  الجسد الحي  ،الالتحام  الحي،  الانشطار الحميم  للاكتمال  المضني،  الخصر ،الخمر وذاك البلل الموحي بالحياة ، فنذهب تباعا  نفتش عن  وجودنا في الحضور  اليافع   للحبيبة   وفي تلك   المساحة  المقدسة  للعشيقة ،  ورغم البهجة  في  سرب البنات  وصولو  الكمنجات ،نعنعات الشبابيك ، ثمرات  التوت  ، شهقة الرمانات  ونزاع  القطط على سمك  الشفايف..أيضا  يرمي البوح كله إلى الحضن الغائب للوطن و فكرة العدل والحرية والأمان و ذاك الحلم الأعظم  بإطلاق سراح عشق البنات و وعي البنات وقصائد البنات  ، ليحطم هكذا فحولة مجتمعات ذكورية ملتبسة المفاهيم  (واقف في زوري وطن.. مانع حبيبتي مني . ومتدينين الهجوم الجديد..على الأعضاء التناسلية ..والعادة الشهرية).. 

  يوجه السؤال متصاعدا ( إيه الحكمة في الحياة .. والعيشة في بلاد بتكسر العشاق وبتغربهم في المنافي..؟ دا هو المرار بعينه.. ) ، لكنه يتقدم كل الوقت  بالمبادرة و يمحنها الأمان  ( برمي عليكي السلام.. )  ، يحفز فيها المواجهة  واتخاذ القرار  ( افتحي الشبابيك للبحر.. )   بل ويثابر يدعم فيها  المحاولة  ( الشعر حيخليكى خالدة للأبد..حيطان بيوت….جغرافيا وتاريخ الجدود..ريحة مطر..وذكريات..الشعر حيخليكى حيه في الأغانى..ونشيد الجنود..غزل البنات..علم الوطن..الشعر حيخليكى نور..خشي ف ضلوعى..أسكنينى ..ألحقي ليكى سكن..الشعر حيخليني آدم..والشعرحيخليكى..أمبارح..ودلوقتى.. وغدا ..) ،و لا يلبث  يحث  للمزيد من الثقة والإيمان  بالتجربة ، يرافق كل المحاولات  المخلصة  حتى يستقيم فيها الانحناء واثقا  من  صلاحية اليقين  بالأنثى( اختارتك..من بين ..كل أوجاع الحياه..خشى بين ضلوعى..أسكنى..يا منحة الله..أستقيمي ..حنبتدى الصلاه..) ..

  هكذا  تكمن فخامة الجمال  في هذا الاحترام الناصع  للجسد  بمعزل تام عن سموم الشهوات العابرة .. إذ يكشف متسع الصهيل  هنا عن حقيقة واحدة وحيدة   أن صانع  الكلمات  غارق حتى الدم ، حتى الهذيان في عمق الروح  الأعظم  ” الإنسانية  ”  (واقف في وسط علامة إستفهام .. غرقان في دم الكلام ) ، لتطل الوحدة  مرة أخرى بشراسة ( وحداني في التوهة .. وحداني في الهم ..روحي بقت مجهدة ..وبمسح عمري من على وشي بأكمامي مليان فراغ ..متعبي وجد  وبُعد ..أنا آدم عريان بلا  كون ..وحيد بلا مضمون .. ) ، لكنها الحقيقة  الأكيدة  إذ كلما اقترب المرء من  الإنسانية والتحم بها  ازداد شعوره بالوحدة  وارتقى بالترفع والاستغناء ( الإنسانية وطن .. تراب بيحن لتراب ..)   قانعا بذاته ملتحما بشرف الكلمة (أنا  الرسول الفنان ..أبو حبتين عقل على حبتين خانكة وجنان ) .. 

 رغم  زحمة الأصدقاء ومرح الندماء،  رغم امتداد الولع بسرد حكايا العشق لكنه  بعيدا ينصرف وحده مترفعا ، بل يكاد يكون هو الموطن الأمثل  للوحدة والانفراد ، فكثيرا ما تكشفنا لغتنا و كشفته لغته وساتره الوجداني والأخلاقي  النبيل ، مفردات هي تبوح بالوحدة  ( انا كنت واحش نفسي  م العمر اللي فات ..عياطي .. كمنجاتي .. بقولهالي .. بقولي .. حتة من لحمي ..أسمعني ..مستغربني .. حاسس بحالة فقد..يـُتم ..طلعت م المولد بلا حمص ..قاعد مستنيني عشان أكلمني .. بديني ظهري .. مابردش علىّ ..خشيت عليّ امبارح ..لقيتني متمدد وحيد ..) لمدلوها  الواضح عن مساحة إنفراد  لا بأس بها  والتى  تلازم الدرب  وصخب الضحكات ، يتعاطاها  ببسالة  ، لتضفي  بدورها  كل هذا البريق  وكل تلك الوداعة  في نص شديد العفة والجاذبية ، بل  ويعلنها أنه  ليس ثمة اكتمال للمرء  دونما التحام الروح  بقيم  الحب والجمال  والأمان والاستقرار والتى دونها  يعيش الإنسان وجعا  ( وحيد بما فيه الكفاية ..للبحث عنك ف الحنايا..والخلايا..ورعشتى ..لما تنفجر كمنجات الشجن  جوايا .. وحيد بواجه الدهشة .. والربكة ..والفزع .. والفراغ .. في دنيايا ..)  ،ثم  يبوح  كما النبلاء (أنا وتر كمنجة ..فضل يرن ..يرن ..لحد ما مات م العياط …أنا الوتر النازف في كمنجة متعبية سفر..)  .

في تفاصيل السرد المضيء نجد روحا مفرطة في الإنساينة ، إذ يسلك   الشاعر  مترفعا بفلسفة الإستغناء والتجرد  بينما يمتلئ كلية  بشهامة  الفرسان   ( بزرع خلايا جديدة في روحي ..علشان ماستسلمش للسقوط ..لكن الأغنية  بتحميني من السقوط ..بحتمى بالشعر من ضوافر الوحده..وبحتمى بالأغانى من غُربه الأوطان ..ومش  حبطل دفاع  عن حريتي ..عن حبيبتي .. ) ، يالها من براعة  في أسمى تجليات الجسد بالتوهج  ، فيما يتكيء وحده على  سمو  نزفه   (بغالب هيجان الكمنجات ف دمي.. وبكتم كورال الهزيمة ..وساعات بيكون النزف أقوي من الجناحين ..) لذا يرتفع جدا ويضحك ..

صولو

يستمر” الرسول العاشق ” في  مسيرة الصهيل  يؤسس ثورة إلى الأفضل ، فهو الشاعر غير قابل للامتلاك أو التداول أو المساومات (أنا مش حموت غير مكتمل  ..أنا مش هاموت ناقص في وشي خربوش ..وف ضهري طعنة.. ورئتي مليانة تراب ..وكحتي تجيب آخر الملكوت.. لازم افرج الدنيا على مخلوق عجيب ..ما متش من حروب وهزايم وخيانات ..وتجريف روح ..ومات ألف مرة من عياط وردة وحيدة في الشباك ..لازم افرج الدنيا على مخلوق عجيب اتخلق لها.. تقلع له روحها.. تاخده ف حضنها ..تطبطب عليه ..لازم افضح الدنيا ..وأعريها  قصاد  نفسها ..أنا مش حموت ناقص كمنجة ..ولا بوصة ناي على شط روحي.. مش حموت ناقص أغاني ولا عندي حرمان عاطفي ..وفكرتي عن الخلود ..رقصة ابدية ..أنا مكتمل فرح ..) ..

.. العشق في  عالم  الحصان  هو حالة  إنسانية رفيعة  وحالة  نزف مستمرة  ،متجردا عن ذاته ملتحما بروح الكلمة  عشق المجمل ،الحياة ،الشعر ،الوطن  و….ينطلق منها  مدفوعا بوحي روحي  لكل الأجواء ،لذا هو ليس في حاجة لأعداد  فائقة من المعجبين   بل لمؤمنين  بالحياة   يتبعون الهداية مبشرين  بأنه  آخر الصادقين  ( مافيش غيرك يصدقني.. ويطبطب رعشتي ف عمري.. بأني آخر الصادقين ..) ..

 هكذا وصلنا  لآخر طريق العشق ،ولازلنا في دهشة  من  سطور خلت من خصوصية الإلهام،  اللهم إن بالغ  الشاعر وأتقن  ببراعة التفوق في إخفاء سره الجميل ( قلبي بحر غويط .. مستحيل يتعرف أسراره .. كرهت  مين ..بحب مين ؟ ومين لازق ف جدرانه ومين بيعيش عشانه ؟ مين حبه غارز في محبتي ..قلب الرسول ..مش أي حد يدخله .. مش أي حد لقلبه ..ينول ..) عداها خديجة ( انا بغني لخديجة  الطبطبة ..حنية الكون  والأمان ..قلب  البلاد السليم ..حب عمري العظيم …) وما العشق لغير المجاز  (فرحان بخروجي للمطلق .. للمجاز ..)..

اللهم نقف عند بوابات السر فيما نحصد  القيمة الأسمى للحياة  (  فلب الرسول جاي علشان العقول ..تعرف  بأن العدل والرحمة والإنسانية هي دي الدنيا ..وهو دا المحصول ..) .وفي هذا أيضا أعترف بهزيمتي  في الجولة الثانية  وأعلن فوز إنسانية الحصان ..

السر الثالث ..  التفتح

                                         مع أنه موت

                                   لكن بيصحي فينا حياة

                              والخير.. والأسئلة الصعبة

                    الموت بيحللي قيمة الكون ..وقدرة  ربنا على الملكوت

                                 مع أن كلمة موت بتنهي شيئ

                                    لكنها بتبتدي ألف شيء

                                أنا بحب ربنا رغم الموت ..

  على هذا الأخضر المرتفع .. تتجلى ذروة  التفتح الإنساني  وفخامة التصوف الأخلاقي ، حين  صنعت    أسرار الكلمات  إزعاجا مفاجئا  وإطاحة بالمألوف ، كأن المطر يسقط  للأعلى وألسنة النار تمتد  كي تلتهم أطراف المغيب ، يبادر “رسول التفتح ” بالدخول للعمق الأعمق   في  لعبة الهجوم المتكرر  ( مع أنه موت.. لكن بيصحي فينا حياة …. الموت بيحللي قيمة الكون ..)،  يشق في الجمود  وهج  اليقظة والتفكير لحتى  أدمن جموع المحتشدين  والسائرين معه   لذة  اندلاع تلك الهجمات الشرسة ، والتى رغم  حدتها  ولطفها  تصيب  كل عابر بالقصيدة  الشعور بالبهجة  والتشبث  بالممكن ،  راقص  حاذق ، يجيد تصويب  الأهداف في مرمى الفوز بالنور، هذا يحدث حين يصير الموت مدعاة للتفتح  والانطلاق ..!..

و فيما يصعد  قمة  النار والصقيع  معا  منفردا باليقين – جلس الجمع  ينصتون بشغف إلى   فخامة تعاليم  النزف الطالع عن وترالبوح  (  تعلموا مني  لأني كائن ضد التألم ..براوغ الألم برقصة الفرح ..تعلموا مني لأني مش بنحني ..وسقوطي مش وارد على الأرض.. ولو سقطت بسقط لفوق .. فوق ..مافيش رسول بينحني لحد ..عمري مامشيت عكس أرادتي ..ولا عمر دراعي مانتنى تحتي ..طول عمرى ..بدفع من عمرى إنى الفنان..تعلموا مني  لأني ما بعترفش بهزيمة ..تفزع حصان روحي..وتبحطر صهيلي ..إيماني بالنصر خلاني ..أكمل السبق ..حتى لو على عكاز..وأقابل الناس بضحكة الجنرلات ..) ..

ينتصف النهار ولازال  العطاش للفهم يلتقطون عنه  جل الوصايا  ( ثبت روحك على وجع كرامتك ..ها يطلع منك راجل بيعرف يثور .. بعدها حتموت واقف على رجليك ..تحترمك الشجر ..والدم اللي نازف من الأبدان ..خليك لو مرة واحدة عندك شرف.. واصعد سلالم كبرياء روحك ..وامسك بقبضة ايدك السموات ..ماتكومش نفسك فيك واتمدد براك ..حس بكرامة الإنسان اللي جواك . وأرقص علي صولوا كمنجه.ماتموتش ناقص ضحكة ..نط .. نط فوق ..فوووووق أوي ..ما تنزلش ع الأرض .. الأرض للحشرات..) ..

وبين  الشوارع التعبى يذهب ” شاعر التفتح ”   يعلم  ويدعم  جموع  المتطلعين (  اوعى تجادل كفيف عن عظمة الشوف ..والفرق بين الضلمة وفخد نور مكشوف ..اوعى تضيع وقت مع ميت ..اقرا لروحه الفاتحة.. واتركة للحساب.. وحاسب من دخلة الأغراب على ضلك الممدود.. واوعى تسلم رقبتك لمجتهد جاهل ..أكبر خديعة لروحك أنك تحب اللي خان غيرك..اللي يخش في بهجتك حبه واللي يمرر دنيتك كبه ..أوعى تصاحب جعان .. أو تسلم حلمك الدافي لعريان .. دقق كويس في صوابع  الأحضان..اوعى تنهزم روحك لو حتى دمك ساح ..ازازتين بيرة يفكوا لك جوارحك .. يرجعوا لك ملامحك على الكون تصالحك ..)..

دعوة للحياة

السير بين  دروب  برية الحصان  يحتاج الى الإيمان بتحقيق الأفضل  لذا ينطلق ”  رسول  التفتح ” فاتحا للهواء مساحات الضحك ، يداعب هذا ،  يعانق تلك  مبشرا بالتغيير  الآتي (ماتصدقش اللى بيعيّط عليك ..صدق اللى يخليك ماتعيّطش..افرد وشك وإدي ضهرك للكل ..افتح شبابيك البحر ف نن عينك .. ماتخليش البؤس يولف مرة عليك .. لو ماعرفتش تمشي ..طير ..لو ماقدرتش تحلم ماتنامش .. لو قلبك ما اتهزش مرة ارميه البحر .. لو ماعملتش خير ملتخليش الشر يقرب ليك.. افرد عمرك خليه يمتد ..نفض غبار الليل..وامسح  إزاز روحك .. امشي في أي اتجاه كل البلاد أرضك ..عاوز تشوف نفسك  بحق وحقيق ..اقلع  هدوم روحك.. كلنا عرايا  بنخبي إيه مننا قدام المرايا ؟ طير..الطيران حيغير نظرنك للكون.. ).. 

 يلتفت إليهم .. يطلعهم خلاصة التجربة  من أجل التطهير  (…عاوز تشوف نفسك بجد .. ولع في وناسة روحك شموع المستحيل ..قناديل.. وعيش زي خلق الله درويش ..انتبهوا .. الدين أي دين.. لو ماكنش فيه عدل.. يبقى يترمي في صفيحة الزبالة .. والرسل لو ما عطوش الفقير..قليل الحيلة رغيف عيش ..يبقى زي البشر المعفن. الحق أقول لكم ..أنا رغم الفساد والضلال وبـُعد الحل .. لسايا إنسان. .) ،  يقتسمون معا خبز الحرف ونبيذ التطلع – يضحك ويرفع عن عيونهم  حيرة السؤال  (  لاتنزعجوا ..أنا  مش بدين الخطيئة –كل  مافي الأمر أن ملتي المحبة ..وبحب اشوف البنت الجميلة.. مابتحبش ولد دميم )  كأنه يطمئن على إيمانهم :  هل أثقلت عليكم بأناشيدي ومزامير صهيلي ..

.قيامة

*****  ولما كانوا يتناولون فيما بينهم فسحة مع نرد الذكريات   ( البلي  ..السخسخ ..النحلات الخشب .. العلسية ..شباك الكحك ..اذان المغربية ..لمة الطبلية ،. طيارة ورق..حارة وعتب ..طوق البنات ..كورة شراب ..نشيد بلادي بلادي . رنة صاجات العرقسوس …)   ينطلق  عنهم مسرعا حيث نزف الحصان لازال في الحيز هناك  يمتد ، يميل إليه ..  ومن  كبريائه  يقترب جدا  ( ماتخضنيش على قلبك الجوهرة..أنا اللي طالع بيك ..في بداية التكوين .. لبداية المهزلة .. ماتخضنيش عليّ ..أوعي تنهزم روحك..لو حتى دمك ساح ..جرحك مش أول الجراح  ولا أخر الجراح ..) ، ولما  ظل الجسد  الممدود بلا حراك  راح  بالصراخ  الحي يبث في روحه  الصعود  -و يحسم معه  هزل المشهد  (.. انتبه .. ماتبصش وراك ..على  حد أنت  قدامة .. لسه السباق في أوله ..ياحصااااااان.. اللي نفسك فيك ..اعمله ..إصهل ..رفس.. وأنطلق ..سبقك ولازم تكمله.. انتبه .. انتبه .. في الحرب بين اتنين ..لازم واحد يموت.. وأنا لازم أكون من الأحياء .. المؤمنين ..)   حتى صار  دويا مخيفا ، حين انتفض الحصان مريعا ،  صهيلا هائلا  ، أشعل الساحة بالرعدة والارتباك ، ونحن الذين  كنا حسبناه قاب طلقة رصاص أو موتنا الأكيد ،  صارت الضجة والقيامة المرعبة   من  موات رديء ، إذ بـُعث  فيه الامتداد وإخضرار النداء  من جديد، هكذا  يركض ” رسول التفتح ”  يملأ الساحات  بالرقص والتهليل  ( صهل الحصااااااان من تقل أحلامــــــي ..) ..

انتصار

*****

 قارب الوقت بنا على المغادرة   حين تقدم المشهد  فخامة الحصان ، ولما سألوه عن سر المواجهة والعشق والتفتح  ضجت الساحة  بالصهيل  ( مافيش نبي عاطل ولا الملايكة بتطلع تنوس ديابة ..مافيش حق باطل ..والدنيا رايحة رايحة للغلابة ..) ،  كانت هذه  أيضا اللافتة الجديدة التي  علقت على  مدخل البداية  الأفضل ، يتحدى  جهالات الحماقة (انتو اللي رايح ..وأنا اللي جاي ..) ،  لذا  ما أٌغلق النداء  ولا خفُت الصهيل ، وتظل الحياة مساحة شاسعة تحتمل كل تلك الإختلافات والمفارقات  والمغفرات ..بل وتأتي في  كل الصباحات بالكثير من المفاجآت  السارة ، هكذا يتقدم موكب الصهيل سيدنا  الحصان  للبدء بمطلع  التبشير ..

تشكل وصايا ” دويدار ..رسول  التفتح ” ثورة  فكرية مضفورة النضج  والتألق ، هي حالة نزف خالصة لإعادة تشكيل الوجدان بالجمال  وصياغة التفكير بالفهم  ، ثورة على النمط ، على الخرافة ، لضخ  تيارات النور في مسارات السؤال ، كي يعود  المرء إنسانا  كما يليق بالإنسان ،و كما ينبغي الدخول بإفتخار إلى عهد الحصان.. .

قبل الخروج

أعترف .. حين  وقعت فريسة الهوس بإقتناء “الحصان”  ومحاولة   فهم  ما يجاوره من صهوات  وقصائد  أخرى كثيره ومغايرة ،  ما كنت أدرك كم الخطا الفادح الذي سقطت فيه،  ولا حسبت كل هذا الأرق المضني الذي نال مني إثر اندفاعي وتهوري  دونما لجام  يقود، أو كبح لتصورات الانطلاق المهيب ،فأنت هنا لا تتناول  نصوصا شعرية  قاب غلافين ، لأننا بالفعل سنكون في مأزق مخيف  بل ورفيع المستوى، فالسابح  في عالم  نزيف الحصان  يجد من الصعوبة بحال  أن يختزل الرؤية  الفكرية والحالة الشعرية  في  تعليق  أو إشادة  أو إنبهار أو حتى دراسة فائقة  مهما بلغت  ، لكنا نتكلم  حالة سرمدية من الصعب الامساك بأي من  أطراف بداياتها الشاسعة   حيث لا منتهى لها ، حالة  متميزة  في شجاعتها وأدواتها  وطموحاتها  ،جاءت  كلها في خطوط مستقيمة حادة  الرؤية والاختراق ، أجل ماتوصف به هي نخوة الإبداع وشرف الرسالة ..فحين خاطب  الجموع مؤكدا أنه الرسول الفنان لم  يتجاوز بالغرور أو التعالي  ، لكنه بالحق أصغى جيدا لصوت  ذاك  الإلهام الفوقاني   ، دونما التباس ،  آمن بالشعر فصدقته الرؤى واحترمه الله ، فكم من أنبياء  في عصور  النبوءات القديمة  كتبوا الشعر نصوصا إلهية  صارخة ، وصار بعدهم  جل الإيمان، لذا أعترف بهزيمتي  مجددا وأعلن  كل الحين   فوز سيدنا  الحصان  ..

ولن ينتهي ..

قد نغلق الآن الغلاف  لكن مافلح  عبر التاريخ  مَن  حاول حد  السريا ن الهادر ..شكرا عبقرية الحصان ..!

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.