الأحد , نوفمبر 3 2024
منير بشاى

التكليف وليس الاستجداء

عقب كل عمل إرهابى يطلع علينا الرئيس السيسى ليقدم دعوته لتجديد الخطاب الدينى.

لقد عمل هذا عدة مرات فى الماضى ولم نسمع ان دعوته لاقت صدى كبيرا عند جمهور المشايخ الذين كان يوجه لهم خطابه.

واليوم فى الاحتفال بليلة القدر وجّه الرئيس السيسى نفس الدعوة لنفس الجمهور وكان ذلك فى

اعقاب العملية الارهابية التى طالت تركيا وتسببت فى مقتل اكثر من 40 وجرح ما يقرب من 100

عند بوابة محطة اتاتورك للطيران الدولى. ولكن ما يختلف هذه المرة ان الارهاب قد استهدفت

دولة اسلامية. ولا نعرف حتى الآن الدافع للجريمة ولكن نعرف ان الارهاب يمكن ان يطال اى دولة بغض النظر عن الدين.

ومرة اخرى يلجأ الرئيس لنفس الجمهور الذى خذله فى المرات السابقة بنفس الطريقة وهى ا

لاستجداء والتوسل. فى هذه المرة يحاول الرئيس بالاضافة الى المطالبة بتجديد الخطاب الدينى

ان يقدم حججه فيبرز جدواه وشرعيته ومسئوليته.

فى جدوى تجديد الخطاب الدينى اشار الرئيس الى ان العالم الاسلامى قد تأخر وراء دول كثيرة،

فالمسلمين ليسوا اكثر الدول علما او ابتكارا او تقدما او احتراما للمرأة ولذلك حتى يدخلوا

المنافسة مع غيرهم عليهم ان يتخلصوا من العوامل التى تدفعهم للتخلف مثل وجود الخطاب

الدينى الرجعى.

وفى محاولة لاقناعهم بشرعية التغيير ضرب الرئيس مثلا بالاحاديث النبوية حيث تعرضت فى وقت

من الاوقات للمراجعة. وهذا ادى الى حذف حوالى 60,000 حديث ثبت لجامعى الاحاديث انها غير

صحيحة. فاذا كانت الاحاديث النبوية قد تعرضت للفحص ومن ثم ثم حذف بعضها فما الذى يمنع

عمل مراجعة وحذف النصوص التى لها تأثير سلبى فى الحياة وفى نفس الوقت لا يوجد مبرر

دينى لوجودها.

وفى مجال ابراز خطورة المسئولية قدّم الرئيس عدة اسباب. اولا: أشار الى تأثير التطرف على

سمعة الدين الذى سيؤدى الى وصم الاسلام والمسلمين بالتطرف وينفر الناس من كل ما له صلة

بهم. وثانيا: تكلم عن تأثير التطرف على تقدم البلاد. وهنا قال الرئيس “والله لن تقام الامم الا

بالعلم والجهد والمثابرة وليس بقتل الناس وترويع الشعوب“. وثالثا: اشار الرئيس الى مسئولية

الشيوخ امام الله فقال “أنا سوف أسأل وانت سوف تسألون امام الله.”

وشخصيا لا اعلم ان كانت هذه الرسالة الواضحة قد وجدت آذان عند السامعين. فربما لا يعتقدون

ان هناك جدوى من تغيير اى شىء لأنهم بؤمنون بالامور كما هى والتغيير معناه بالنسبة لهم

مرفوض لأنه تغيير ما هو صحيح. وربما لا يعتقدون بشرعية التغيير وان البشر ليس من حقهم تغيير

ما يؤمنون ان الله قد وضعه. وربما لا يعتقدون انه تقع عليهم اى مسئولية فى عدم التغيير سواء

امام الناس او امام الله.

وعلى ذلك قد ينتهى الأمر بوضع الامر كله فى قائمة الامور المؤجلة وينسى كما نسى فى

المرات السابقة الى ان يحدث اعتداء جديد فيحدث تحرك جديد وهكذا.

سيادة الرئيس: دعنا نكون واقعيين فأن مشايخ الازهر لن يتطوعوا بالقيام بعمل لعلاج الخطاب

الدينى من ذواتهم. يبدو انهم لا يملكون الشجاعة على القيام بمثل هذا التغيير. ومن ثم لا يريدون

ان يعرّضوا انفسهم للتكفير من المعارضين وربما يصل الانتقام منهم الى الاغتيال.

ان كنتم ترون اهمية هذا التغيير فعليكم ان تكونوا انتم صاحب المبادرة. وحتى اذا استعنتم بشيوخ

الازهر فيكون على اساس انكم من يستندون اليه ويعملون بناء على توجيهاته.

اسلوب الاستجداء والتوسل لم يـأتى بأى نتيجة فى الماضى ولن يأتى بنتائج فى المستقبل.

المطلوب ان تكون الرئاسة هى صاحبة المشروع، وتكون البداية هى تكوين لجنة من كبار العلماء

المشهود لهم بعلمهم ووسطيتهم وتكليفهم بالخطوات العملية نحو انجاز مشروع مراجعة الخطاب

الدينى وتغييره بحيث يكون حافزا للتقدم وليس عائقا فى طريق التقدم. ويعطوا فترة محددة لانجاز

المشروع. ويكون هناك متابعة مستمرة فى كل خطوات التنفيذ.

ان لم تضع الرئاسة ثقلها وراء المشروع وان لم تتحمل مع رجال الدين المسئولية فلن يجرؤ احد

على عمل شىء. وسنظل فى مرحلة التمنى التى لن توصلنا الى شىء. وسيستمر الامر على ما

عليه الى ان يوجد رجل جرىء يأخذ الدنيا غلابا. فلتكن انت هذا الرجل يا سيادة الرئيس والا

فلتنسى الموضوع.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

علام تتنازعون

علام تتنازعون.. تجتمعون كل نهار متفقين على تمزيق الجسد الحي وبالكبرياء تقترعون على هدر الدم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.