د.ماجد عزت إسرائيل
يعتبر الراحل الدكتور رؤوف عباس حامد (1939-2008م) من أهم المؤرخين المصريين الذين تركوا مدرسة متميزه مع الأستاذ الدكتور “عاصم الدسوقى” ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ فى تاريخ مصر الاقتصادى والاجتماعى،وتكمن أهمية المؤرخ الراحل – رحمه الله- في موضوعيته وصدقه ووعيه الحضاري والفكري بالتاريخ الذي جعله نسيجا متميزا من بين المؤرخين والأدباء المصريين، ورمزا للحفاظ على التأريخ المصرى،والدكتور رءوف عباس حامد هو مفكر ومؤرخ مصرى عربي، متميز عميق الانتماء إلى الوطنيه المصرية والعروبة والحضارات فى شتى بلدان العالم،ولذا سعى فى حياته لتقارب الحضارات، وأندماجها من خلال دراساته وأبحاثه أو زياراته للبعض منها ، ولد” فى 24 أغسطس 1939م،فى مدنية بورسعيد ،ثم أنتقل إلى مدنية القاهرة وحصل على الثانويةعام 1957م وتخرج فى كلية الآداب جامعة “عين شمس”عام 1961م، وحصل على درجة الماجستير عام 1966م، وكانت أطروحته “تاريخ الحركة العمالية المصرية 1899-1952م “،وحصل على الدكتوراه فى عام 1971م،وكانت أطروحته “الملكيات الزراعية الكبيرة فى مصر 1837-1914″وعين معيدا فى كلية الآداب جامعة القـاهرة،وتدرج فى السلم التدريسى الوظائفى، حتى حصل على منصب أستاذاً فى عام 1981م،ثم رئيساً لقسم التاريخ،ثم وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا، وتولى منصب رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حتى رحيله عن عالمنا الفانى فى 26 يونية 2008م، ودفن بعد فى ذات اليوم فى مقابر العائلة فى طريق الجيزة الفيوم،وقد حضر جنازته كاتب هذه السطور.
تعود معرفتى بالراحل الدكتور رءوف عباس إلى بداية العام الدراسي عام 2001/2002 م،كطالب بالدراسات العليا جامعة القاهرة ،حيث كان رحمة الله يدرس لنا ،وتميز بدقة حضوره للمحاضرة، وتحضيره لها والمناقشة المستمرة، كما حرص على تلاميذه لتحسين اللغة الأنجليزية فاحضر لنا دكتورة أجنبية من أحدى تلميذاته لتدرس باللغة الانجليزية ،وكان يحرص دائما فى الحضور معها بعض الوقت،واشتهر بقوة شخصيته وأحاديثه الشديدة الاهتمام فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر،وكان دائما يشجعنا على كثرة التنوع فى القراءات فى شتى المجالات ،وكان يحدثنا عن أساتذته ودورهم فى تشجيعه وتعليمه وفضلهم فى بناء مدرسة التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، وفي نهاية التسعينيات من القرن العشرين انشغل بموضوع بناء مقر جديد للجمعية المصرية للدراسات التاريخ (تأسست في 20 يوليو 1945م ،وكان مقرها بشارع البستان بباب اللوق) وذلك عقب صدور قرار إزالة للعقار، فاتصل به الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة بدولة الإمارات بعد أن قرأ عن الموضوع في صحيفة لأهرام وتبرع لشراء أرض بمدينة نصر لبناء مبني حديث وتجهيزه وتقديمه هدية منه إلي مصر، فهو خريج جامعة القاهرة، وانتقلت الجمعية لمقرها الحالى ـ ولا أحد ينكر دوره فى تحقيق هذا الحلم بافتتاحها في 23 مايو 2001 م.
منذ ذات التاريخ كنت دائما التواصل مع المؤرخ الراحل رءوف عباس وأصبحت عضوا بالجمعية المصرية للدراسات التاريخ ،وكنت أحرص على الحضور بشغف كل برامجها الثقافة من سيمنارات وندوات وشاركت بعد ذلك فى تقديم بعض الأوراق البحثية،وأيضا المشاركة مع الزملاء فى استلام مكتبات المتبرعين وكان يتم فرزها ما بين الكتب العربية والأجنبية وتصنيفها، واتذكر أننا كنا فى مأمورية لاستلام مكتبة وحرص الدكتور رءوف على انتظارنا إلى ما بعد الساعة السابعة مساء وعند وصولنا للجمعية أسرع باحضار العشاء والمشروبات وقدم شكره على تعبنا فى هذه المهمة. وفى ذات يوم كنت اتحدث مع والد زوجتى الراحل المهندس كمال يوسف جرجس ـ حصل على ليسانس فى الاداب قسم تاريخ ـ عن الراحل فقال بالحرف الواحد “أن الدكتور رءوف عندما يدخل للمحضرة لا تسمع صوت لأحد ولا نفس قط، لقوة شخصيته، واسترساله فى حديثه وشرحه للتاريخ بطريقة مثيرة الاهتمام، ومعلوماته وكفاءته فى هذا المجال …وقال لى اتمنى لقاءه..قلت له سوف أخبره بذلك…وعندما حدثت المؤرخ الراحل قال لى مرحبا به فى أى وقت ..وحدد معاد رحمه الله ،وتقابلنا فى الجمعية التاريخة ،ودار حوار استمر نحو ساعتين حول ذكريات خلاصته …كيف يحترم الطالب الأستاذ فى الجامعة ويحب معلمه وهذا ما دفع والد زوجتى لزيارته لرؤيته للتعبير له عن اخلاصه فى العمل “.
اتذكر موقف آخر مع الراحل المؤرخ رءوف عباس ،كنت فى بعض الأحيان اذهب للجمعية ومع أحد أولادي وفي تلك المرة كان معى أبنى الأصغر ” مارسيلينو” ،فقد شاهدنا المؤرخ الراحل على مدخل باب الجمعية التاريخية وإذ به يأخذ ابنى ويحمله على ذراعه ويدخل به إلى حجرة السيمنار بالدور الأرضى فاندهش الحضور وقال أحدهم: هل هذا ابن المهندس حاتم (ابن الدكتور رءوف) فقال لهم: لا دا ابن ماجد! وأخذ يحمل الولد لفترة طويلة، واحضر لها الشكولاته والمشروبات،كما كان إنساناً يعبر عن محبته للآخر.وأيضًا بعد تسجيل أطروحتى لرسالة الماجستير عن “طوائف المهن التجارية 1840-1914م ” والتى كانت تحت اشراف الأستاذ الدكتور أحمد الشربينى ـ الذى كان يسمح لطلابه ولا يعارضهم فى سؤال أساتذة آخرين ـ فأنا كنت دائما السؤال مع الراحل الدكتور رءوف عباس ـ وأيضا للتاريخ الدكتور عاصم الدسوقى أطال الله عمره ـ حول ذات الدراسة ودائما ما كنت استمع إلى نصائحه وأكثر من ذلك كان يمدنى بالكتب العربية والأجنبية، ومن حسن الطالع قام بمناقشتى فى سبتمبر 2005م بجامعة القاهرة. وفى الأعياد القبطية كانت أول تهنئه فى يوم العيد أتلقاها من الراحل المؤرخ الدكتور رءوف، ودكتور عبادة، وأيضا الدكتور عاصم الدسوقى،على التوالى،رموز وشخصيات وأساتذه بكل ما تعنيه الكلمة.
وفى ذات يوم وفى أثناء عملى رن موبيلى الشخصى حيث كانت مكالمة من الدكتور رءوف عباس ،وقال أين أنت قلت له بالعمل ،فقال متى تنتهى من العمل قلت له فى الثالثه ،فقال لى أنا فى انتظارك بالجمعية حتى السابعة، فذهبت للجمعية ووصلت فى الخامسة ووجدته يجلس فى مكتبه وحده رحمه الله ،وأنا كنت مشتاق لسماع ما يريده منى ،وإذا به يحدثنى عن كتاب جابريل بيير عن طوائف الحرف، ويطلب مني أن أبلغ زوجتى بترجمته باعتبارها متخرجة في قسم اللغة الإنجليزية وأن اساعدها فى الصياغة التاريخية …وقال لى هذا كتاب مهم لمرحلة التاريخ العثمانى،وبهذا العمل يكون قد نجحنا فى ترجمة بعض مؤلفات بيير ونقلها للعربية، وبالفعل بدأت زوجتى الترجمة وراجع الراحل الفصل الأول والثانى منها ـ وبعدها حدثت ظروف لا داعى لذكرها الآن ـ فتوقف الترجمة. والترجمة عند كتابة هذه السطور على وشك الانتهاء وسوف يتم استكمال المراجعة عن طريق صديق عمره ،وهو الدكتور عاصم الدسوقى، ويكون إهداء هذا الكتاب لروحة الطاهرة رحمه الله، وللحديث بقيه عن ذكرياتى مع الراحل دكتور رءوف عباس صاحب كتاب مشيناها خطى …لأن ذكرى الصديق تدوم إلى الابد .
الوسومد.ماجد عزت إسرائيل
شاهد أيضاً
قومى استنيرى
كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …