نادية خلوف تكتب : رائحة الأماكن
13 يونيو، 2016 مقالات واراء
أصبح الانتماء للمكان ليس قوياً اليوم مثلما كان عليه الأمر في الماضي. هناك تغيير في مفهوم الهوية المكانية. نعيش في عصر يتمنى الكثير منّا أن تلغى فيه الحدود، وتصبح الأمكنة حرّة يمكنها قبول جميع من يأتي للعيش فيها.
قد يناقش بعضنا بأهمّية مسقط رأس الإنسان في الانتماء، وهو فعلاً يشكلّ لنا حالة من الحبّ والحنين، لكنّ العالم ليس نحن فقط. نحن جزء منه. تغيّر العالم عن ذي قبل، فلمن ينتمي ذلك الطّفل الذي ولد من أب مصري، وأمّ دانماركية، ويعيش مع والديه في أمريكا؟ هو مثال بسيط على اختلاط الأقوام ، والموضوع أعقد من ذلك بعض الشّيء، إذا كان المكان يعني لي الكثير، لذا أربي أولادي على حبّه والاعتزاز به، أذهب بهم ليروه مرّة أو مرتين، وقد لا يرفضون الذّهاب إليه، لكنّ حياتهم تفرض عليهم أن يعيشوها في مكان إقامتهم، ويأتي زواجهم الذي ربما لا يكون من نفس المكان، ولا نفس العقيدة، ويكون الجيل الثالث الذي لا يعنيه المكان الذي يعنيني.
نحن ليس أعراقاً صافية، ومن يقول أنّه ينتمي إلى عرق صاف فإنّه عنصري النّزعة، وفي آخر الأبحاث في هذا الموضوع يوجد اكتشافات علمية هامة، ولو أردت فعلاً اكتشاف انتماءك أصبح الأمر سهلاً، وهذا ال” د ن ي” الذي لا يفنى حتى بالموت يمكن العودة إليه لمعرفة من تكون.
للأماكن سحرها، والأهمّ أنّ لها سلطتها على النّفس، قد تصل إلى مكان ما في أيّ جهة في العالم، وتشعر أنّك تتنفس هواء وطن ما قد يكون ذلك ال” د ن ي” الذي يخصّك مرّ به من خلال جدّك الألف مثلاً. لا تحتاج أن تعرف ذلك المكان فداخلك يعرفه تماماً.
قد يصبح العالم في المستقبل بلا حواجز، وهذا هو الأمر السّليم، فتلك التّقسيمات مخالفة لروح الكون الذي خلقنا به، والذي أتاح لنا أن نعيش، ونتكاثر في كلّ جهاته ، نتنقّل في جميع أرجائه. هو وطن الإنسان، والذي يعطي للبشر صفتهم الإنسانيّة.
عندما نعطي لأنفسنا صفة التّفوق العرقي، أو المكاني نكون قد بدأنا بالانحدار إلى العنصريّة التي هي سبب بلاء البشر. علينا أن لا نمشي وراء شعارات يقدمونها لنا من أجل الموت، فالعالم هو نحن أينما وجدنا. . .