تأليف: انطوني ولسن/استراليا
وصلنا في نهاية الجزء الأول ان سلوى فوجئت بوجود والدها في المنزل وظنت انه جاء ليخبرها بنجاحها وانه استطاع ان يجد لها وظيفة وكيل النائب العام.. ولكنها لاحظت انه «والدها» في غرفة الجلوس.. معنى هذا، وجود ضيوف.. يا ترى من هم؟!..
ونواصل اليوم مع الجزء الثاني من القصة..
لم يطل بها الحديث مع نفسها،لان والدتها جاءت من غرفة الجلوس والفرح باد عليها، مادة يديها لتضمها الى صدرها..
– مبروك يا سلوى.. مبروك يا حبيبتي.. الف مبروك.
– مرسيه يا ماما.. مرسيه.
– عقبال ما افرح بفرحك يا بنتي يا حبيبتي..
– طبعا يا ماما.. باذن الله.. ماما.. ايه اللي جاب بابا دلوقتي.. مش زي عوايده.
– اصل فيه دكتور كان تلميذ بابا في الكلية ايام ما كان استاذ في كلية الطب. التلميذ ده سافر بلاد بره بعد ما تخرج وبقى دكتور.. افتكر سافر استراليا.. لكن برضه قرايب يا بنتي.
– علشان كده بابا راح استناه في المطار وجابه هنا.. هو مالوش اهل هنا.
– ايه!.. انت ح تشتغلي صحفية.. ولاح تشتغلي وكيلة نيابة.
– لا ابدا يا ماما.. بس فضول مش اكتر من كده.
– – طب تعالي سلمي عليه.. وكمان بابا عايز يبارك لك.
دخلت سلوى مع والدتها الى غرفة الاستقبال.. فنهض الدكتور عزت ووالدها الذي قدمهما للتعارف.
– سلوى الف مبروك.. انا كنت متوقع امتياز.. لكن معلهش جيد جدا مش بطال.. تعالى اعرفك على الدكتور عزت الاسيوطي، تلميذي ايام ماكان في كلية الطب وكمان قريبي.
تقدم الدكتور عزت مادا يده مصافحا في مودة وبشاشة واضعا يده اليمنى في يدها، مربتا بيده اليسرى فوق ظهر يدها وهو يهنئها.
– مبروك يا آنسة سلوى.. يظهر ان وشي حلو عليكي، مش كده برضه.. الف مبروك.
نظرت سلوى في عينيه، لم تلاحظ ما يحاول الناس رسمه في عيونهم عندما يمسكون يد امرأة ويصافحونها بهذه الطريقة. بل رأت عيونا هادئة لا تمثيل فيها.. وماذا ايضا؟! أحسّت بدفء وضخامة الكف واحتوائها ليدها. وايضا اليد الاخرى وربتها على يدها، له دليل على أن صاحبها رجل يعبر عن مشاعره ببساطة دون تكلف بخاصة اذا كانت هذه اول مرة يراها فيها.
جلست وجاء «الشغال» باكواب الشربات مباركا لنجاحها المنتظر.. عرفت من خلال الحديث ان الدكتور عزت قد نال درجة التخصص في الجراحة العامة من احدى جامعات انجلترا، وان له «عيادة» خاصة في مدينة سيدني/استراليا.
لم تكن سلوى من مشجعي الهروب من الأمر الواقع في مصر. كانت تعتبر من تركها، لا يستحق ان تطأ قدمه ارضها مرة اخرى. انه مطرود، لانه الابن العاق. الابن الذي لم يحتمل الازمة التي تمر بها امه، يتركها ويهرب ويبحث عن نفسه فقط، تاركا اخوة واخوات له في اشد الحاجة الى مساعدته المادية والمعنوية.
طبيب مثل هذا.. ذهب الى انجلترا واضاف الى معلوماته ودراساته الطبية، معلومات ودراسات اخرى تجعله يتخصص في الجراحة العامة، لماذا يترك بلده ويذهب الى بلد مثل استراليا، التي لا تعرف اين تقع على الخريطة؟ على الرغم انها درستها يوما عندما كانت تدرس مادة الجغرافيا؟ كم تبعد هذه الاستراليا عن مصر؟ كم يقضي من وقت في الطائرة ليصل هناك؟ أو يأتي هنا الى مصر؟ ماذا في استراليا او غير استراليا ليس موجود في مصرنا الحبيبة؟ كانت تتخيل وتتأمل اذا اراد انسان ان يترك بلده من اجل العمل، عليه ان يذهب الى اي بلد عربي، لانهم اولى به، وهو انفع لهم. لماذا يعمل العرب على جلب الاطباء والخبراء والفنيين من الدول الغربية، بينما في كل دولة منهم، من هم على جانب كبير جدا من المقدرة والذكاء والمعرفة في كل فروع الحياة؟ واكبر دليل على ذلك نجاح هؤلاء في الدول الغربية.
مثلا هذا الطبيب، لماذا يذهب الى استراليا ولا يبقى في القاهرة لمعالجة اهله وناسه؟ ام علاج الخواجات مثمر و الطريق ليصير مليونيرا اسهل هناك؟ كانت تفكر وهو يتابع حديثه مع والدها عن استراليا، موضحا الكثير من المميزات والأشياء الحسنة الجميلة فيها. لم يطل بها التفكير، فقد قرّرت ان توجه سؤالا مباشراً الى الدكتورعزت.
– دكتور عزت.. اسمح لي اسألك..
– بكل ممنونية.. تفضلي.
– انتِ ح تشتغلي صحفية والا وكيلة نيابة من اول يوم.
– انا لسه قاييللها الكلام ده بره.. بس انت عارف سلوى بنتك تحب تستفسر عن كل حاجة مش عارفاها.
– ابدا يا بابا انت وماما.. انا لا رح اشتغل صحفية وطبعاً لا يمكن اشتغل وكيلة نيابة لأني من الجنس الناعم زي ما بيقولوا. لكن كلام الدكتور عزت دلوقتي عن استراليا واللي حتى لا اعرف هي فين، ومدحه فيها وكأنه بيتغزل في واحدة واقع في غرامها، مش بلد.. لا اظن استراليا احسن من مصر او اي بلد عربي.
– سلوى عيب.. مش من اول مرة تشوفي فيها الدكتور تتكلمي معاه بالشكل ده.
– ماما لا مؤاخذة.. انا بتكلم مع الدكتور عزت وعايزة أسأله سؤال واحد وبس.. بعد اذنك.
– اتفضلي يا آنسة سلوى اسألي.. وصدقيني اجابتي عن كل اسئلتك حاتكون بكل صراحة.
– جميل.. انا احب الصراحة.. وده اللي خلاني اتجرأ وأسأل.. دكتور.. انت راجل باين عليك ممتاز في مهنتك.. واهتمام بابا له معنى واحد عندي، انك كنت في الجامعة من المهتمين بدراستك ومن الأوائل. مش شايف حضرتك انك بذكاءك وامتيازك ونجاحك في مهنة الطب وهروبك بكل هذه الامتيازات وخروجك من مصر والذهاب الى اي بلد غير عربي على الاقل.. فيه اهانة ليك ولينا!!..
– مش قادر افهم ايه اللي انت عايزه تقوليه..
– مصيبة ثانية يا دكتور.. انت بقالك ادايه خارج مصر..
– حوالى خمس سنوات..
– طبعا حتى اللغة نسيتها.. مش قادر تفهم سؤالي..
– عفوا يا آنسة.. انا لم انس اللغة.. لكن انا التبس علي الامر.. مش عارف ايه اللي بتقصديه بكلمة اهانة لي ولكم..
– سلوى مش وقته دلوقتي. الدكتور جاي من مكان بعيد ومش مستعد للمناقشات الحامية بتاعتك.
– لا ابدا يا عمي.. اسمح لي حضرتك اني اكمل المناقشة اللي بدأتها الآنسة سلوى، لاني حاسس ان فيه حاجات يمكن تكون غايبه عني او عنها.
– في منتهى البساطة.. قانون الجمارك بيحرم الخروج من مصر الا بما هو مسموح به.. وما زاد عن ذلك يعتبر تهريب، ويحاكم صاحبه تحت هذا البند، على الرغم من ان ما اخذه معه ملكه.. بتاعه شخصيا شيء تعب فيه العمر كله ومن حقه انه يأخذه معه، اي مكان بروحه.. مش كده برضه.
– الى حد ما، لكن اذا اعتبرنا ده كده، معنى هذا ان المهربين وتجار السوق السوداء يستغلوا هذا وينهبوا البلد.- كويس جدا يا دكتور.. يعني انت موافق على ان اخذ ما يزيد يعتبر تهريب.
– نعم طبعا موافق.
– عال.. حضرتك بكل امتيازاتك المهنية كطبيب درست هنا.. سواء من جيبك او من الدولة.. المهم ان الاساتذة هنا في مصر.. وكنت زيك زي اي طالب في الكلية.
– لا.. لا يا سلوى يا بنتي.. عزت ما كانش زيه زي اي طالب في الكلية. كان دائماً متفوق ومن الاوائل ومن محبي مهنته.. الطب.
– وكمان من محبي مهنة الطب. دا يزود الطينة بلة يا سي بابا. المهنة الانسانية اللي تعادل مهمتها مهمة الرسل اللي بيعالجوا الناس روحياً.
– سلوى.. مش بالشكل ده.. يكون الكلام.
الوسومانطوانى ولسن
شاهد أيضاً
من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!
كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …