بقلم : جرجس بشرى
كنت قد حذرت من عدة سنوات كما حذرت مؤخرا من عدة أيام من ان هناك مخططا يتم الآن في مصر لاسقاطها ، ولكن هذه المرة ليس باسلوب الثورات التقليدية والمظاهرات التي تطالب باسقاط النظام ورحيله لاشاعة الفوضى واعادة مخطط التفتيت والتقسيم من جديد ، ولكن باسلوب جديد مخطط له سلفا وهو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية لاسقاط مصر في دوامة ومستنقع التفتيت والتقسيم ، ولان الإرادة الحكومية في مصر حتى الآن غير جادة بالشكل اللازم في تطبيق دولة القانون على الجميع في حوادث العنف الطائفي والمشاركة بالصمت والتواطؤ احيانا مع المتشددين في حوادث العنف الطائفي من قبل بعض المسئولين الحكوميين في الدولة ، وتحصين الجناة من المساءلة والمحاسبة بل وتبرير جرائمهم والابقاء عليهم في مناصبهم ، واللجوء الى الجلسات “العرفية” التي تهدر حقوق المجني عليهم وتفلتهم من العقاب وتؤمن المسئولين من الملاحقة القانونية ، فأن وتيرة العنف الطائفي في مصر لا يمكن ان تقف حتى ولو بدت للبعض انها قد قلت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي وذلك بسبب غياب الردع العام الذي يدفع بالمتشددين ان يرتكبوا جرائمهم بحق مصر ووحدتها وامنها ما يريدون وهم آمنين مطمئنين ومدركين مسبقا ان يد العدالة لن تطولهم ، ولقد صدمنا جميعا واهتزت ضمائرنا واستاءت مشاعرنا ومشاعر كل مصري وطني حر غيور على مصر من الجريمة البشعة واللاإنسانية التي حدثت بقرية “الكرم” بمدينة ابو قرقاص بمحافظة المنيا ، بقيام متشددين دينيا بتعرية سيدة قبطية وتجريدها من ملابسها وجرجرتها في شوارع القرية في مشهد تستنكره كل القيم الإنسانية والمبادئ والاعراف والاديان والنخوة والرجولة ، نعم قام المتشددون بارتكاب جريمتهم وهم يعلمون انهم لا يعاقبون ولم ولن تطولهم يد القانون ، ولانهم عارفين الحكاية من من اولها لآخرها والتي تتلخص في أن الاعتداء على الاقباط وممتلكاتهم ومنازلهم ستكون نهايته جلسة عرفية وكأن شيئا لم يحدث ، والاقباط ها ياخذوا على قفاهم زي كل مرة ، وهذا كان يحدث ايام مبارك ومرسي وحدث ايضا في بعض الحوادث في عهد الرئيس السيسي ، ومن المفجع في حادثة تعرية السيدة القبطية في المنيا انها حادثة تحدث لاول مرة على الاطلاق في تاريخ مصر بل وفي العالم العربي على حد سواء ، فلم يرتكب تنظيم داعش هذه الجريمة على الملأ في الشوارع في العراق او اليمن او سوريا ، لم يفعلها فرع داعش هناك بل فعلها في مصر برغم ارتكابه كثير من جرائم الذبح والقتل والاغتصاب على الهوية الدينية ، وهو ما يجعل هذه الجريمة تعد اول جريمة تحدث لمصرية على الهوية الدينية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، وهي في الحقيقة جريمة هزت الضمائر الحية في انحاء العالم وعرت دولة المواطنة التي تتغنى بها الحكومة كل يوم ، وضربت دولة القانون في مقتل ، ومن المفجع ان نرى الصمت الرهيب والمقلق لمسئولين حكوميين في المنيا على هذه الجريمة ، فبعد ان نفى اللواء طارق نصر محافظ المنيا الجريمة عاد وقال ان جريمة تعرية سيدة المنيا واقعة بسيطة ومش لازم تأخذ اكتر من حجمها !! في افتقار تام لمعاني النخوة والرجولة وتغييب ممنهج لدولة القانون وتبرير فج لسلوك وجرائم المتشددين الذين ارتكبوا هذه الجريمة التي لا يقبلها الاسلام ، لقد اعتبر محافظ المنيا شرف سيدة مصرية وتعريتها أمراً بسيطا لا يستحق الاهتمام والغيرة بالنسبة له وهو رجل يمثل الان السلطة وهان عليه شرف المصريات ، ومارس الكذب والتضليل على الرأي العام بشأن الواقعة في محاولة منه لنفيها اولا واعتبارها شائعة وفبركة من الإخوان وفي الحقيقة هذا السلوك من المحافظ لا يقل جرما وحقارة ودناءة عن سلوك جماعة الإخوان الإرهابية ، وهو الامر الذي يضع علامات استفهام مرعبة حول كيفية اختيار المحافظين ومدراء الامن وشروط اختيارهم في محافظة المنيا بالذات وهي المحافظة التي تعد من اخطر محافظات مصر سخونة وبها نسبة لا يستهان بها من تيارات الإسلام السياسي والجماعات التكفيرية والجهادية وهو امر يدق ناقوس الخطر وبشدة عما يتم تخطيطه الآن من قبل هؤلاء المتشددين لاحتمالية الإعلان ولاية اسلامية في صعيد مصر ، خاصة في المنيا اذا تم السكوت الحكومي على هذا الامر خاصة وان المنيا نالت نصيب الاسد في حوادث العنف الطائفي طول تاريخها من ايام مبارك مرورا بالمجلس العسكري ثم الإخوان وحتى واقعة تعرية السيدة القبطية المسنة بقرية “الكرم” على خلفية شائعة ترددت في القرية بوجود علاقة محرمة بين ابن هذه السيدة واحدى المسلمات ، واسلوب الشائعات هذا اسلوب قديم كانت يلجأ اليه المتطرفين وبعض رجال الامن المخترقين في عهد مبارك لدس اخبار وشائعات منافية للحقيقة ببناء كنيسة او وجود علاقة بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة او محاولة اعتداء قبطي على مسجد او غير ذلك من الشائعات التي كان ينشرها المتطرفين لبث الفتنة الطائفية لاسقاط شرعية نظام مبارك ، وقد ساعدت هذه الاساليب الطائفية على اسقاط جزء كبير من شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي ونخشى ان يحدث ذلك في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو رجل وطني يهمه مصر ووحدتها وامنها ، ولكن مطلوب منه ان يكون قويا كالاسد في مواجهة اسقاط الدولة بالطائفية واسقاط شرعية نظامة بالحرب المذهبية و عليه ان يتفادى ذلك بتبيطبق القانون بلا هوادة مع كل مسئول تخاذل او تواطأ او شارك بالصمت في اي حادث طائفي ، وعلى الرئيس السيسي ان يعتذر للسيدة لهذه لان اعتذاره لها هو رد اعتبار لمصر كلها ورد اعتبار ايضا للدولة وهيبتها وكرامتها ، فهذه الجريمة وصمة عار في تاريخ مصر وعلى جبين النظام ، كما اطالبه بسرعة تطبيق القانون بشكل جدي على محافظ المنيا واللواء رضا طبلية مدير الامن واقالتهما من منصبيهما وتحويلهما للمحاكمة وملاحقة المتشددين المتورطين في الحادثة للقضاء العسكري كما اطالب بإدراج جرائم التحريض الطائفي او المذهبي او العرقي ضد اي مكون من مكونات الشعب المصري ضمن الجرائم الإرهابية التي يجب ملاحقتها ومواجهتها بقانون مكافحة الإرهاب وعلى الرئيس السيسي ان لا يجامل اي دولة متطرفة او فصيل متشدد على حساب جزء اصيل من مصر وهم الاقباط الذين وقفوا بجانب مصر وجيشها وشرطتها وازهرها ، لان شرعية السيسي او غيره لا يحميها نظام او مغازلة جماعة او دولة غير الدولة المصرية بل من يحمي شرعيته ويوطد ركائز ودعائم حكمه هو الشعب المصري العظيم الرافض للعنف والطائفية والمذهبية ، حفظ الله مصر من كل سوء وحفظ جيشها وازهرها وشرطتها وكنيستها الى يوم الدين …
Gergesboshra98@yahoo.com
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …