الجمعة , ديسمبر 20 2024
باهر عادل

حتمية الزواج المدني .

الزواج المسيحي بين الكنيسة والدولة
الزواج (كتابيا -إبائيا – تاريخيا -عقليا -منطقيا – واقعيا )
باهر عادل
إهداء إلى أبي: قداسة البابا تواضروس
و إلى منكوبي الأحوال الشخصية “المعذبون في الأرض”
“وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل” (يو10: 10)
مُقَدمة:
موضوع الزواج المدني من أكثر المواضيع إثارة للجدل وخصوصًا داخل الكنيسة القبطية، وكثيرون يرفضون فكرة المُطالبة بقانون “الزواج المدني” دون فهم معني وحقيقة ما يرفضونه، بل هم يرفضونه لأن قياداتهم الدينية –المُكلفة من قِبَل الرب بحماية الدين– ترفضه!
ويُعد هذا البحث محاولة متواضعة وبسيطة لمحاولة معرفة وتفهم ماهية هذا الموضوع، ففي هذا البحث القصير المُختصر، أو قل: المقال الطويل، نتدارس سوياً تاريخ الزواج في المسيحية، ونتباحث في تاريخ الزواج مدنيًا، ما معنى الزواج المدني وما هو مفهوم السرّ الكنسي وماهية الزواج الكنسي؟ وما مفهوم الطلاق والتطليق ؟والفرق بينهما؟!…حتى نقف على أرض صلبة، وبعد ذلك نتخذ من المواقف ما نشاء، ولكن بناء منهج مُعين ومعلومات موثقة وفهم عميق!
الزواج الطبيعي
(1)الزواج فعل إنساني اجتماعي مُقدس:
الزواج ناموس في الطبيعة وفعل مُقدس أساسًا في ذاته، أي أن الله خلق الانسان ذكرً وأنثى وقدس الزواج منذ البدء.
” لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.”(تك 2:24)
ومن الجلي أن قدسية الزواج لا يتم تحديدها طبقًا لعقود مدنية أو دينية أصلاً. فمن الذي زوَّج آدم وحواء؟! أو أبناء أدم وحواء؟ فمنذ بدء الخليقة والزواج مُقدس، بلا أوراق وبلا رجال دين.
بالعودة إلى الخليقة الأولى نجد أن “مؤسسة الزواج” سابقة على “المؤسسة الدينية”، أي أن البشر يتزوجون قبل حتى ظهور الشرائع المكتوبة والمؤسسات الدينية الرسمية. فالأصل في الزواج هو الزواج المدني حتي قبل ظهور الدين كمؤسسة اجتماعية.
وتأسيسًا على ذلك فظهور الأوراق القانونية يعتبر فعل اجتماعي تنظيمي ليس إلا، وذلك لتنظيم المجتمع، وتكوين أسر مستقرة والحفاظ على حقوق النساء، وعدم أختلاط الأنساب، وحماية الاطفال الخارجين إلى الحياة والحفاظ على حياة كريمة لهم -وهذا غرض طيب، ومقصد شريف، وهدف نبيل، ونية تحترم- بشرط الا يُتخذ هذا ذريعة لتكبيل الأفراد وكبت الحريات الفردية والتلاعب والتحكم في مصير البشر باسم المُقدس الديني!
الزواج في المسيحية
(2) تاريخ الزواج في المسيحية:
-الزواج في المسيحية سرّ مُقدس لا خلاف ولا جدال في ذلك. وأظن أنه لا يوجد عاقل يمكن أن يجادل في أن المسيحة تؤمن “بالزيجة الواحدة” وعدم الارتباط بأكثر من زوجة في وقت واحد، وهذا مُستقر في فهم الكنيسة وتاريخها على مر العصور والأزمان وفي كل مكان.
-كما أوضحنا أن الأصل هو الزواج المدني ولكن هذا الزواج المدني ينتهي مفعوله بموت الزوجين. ثم يأتي سر الزيجة المقدسة كإكليل للزواج المدني الميت أو الجسدي او الحياتي او الدنيوي، لكي يصير الزواج الكنسي ويظل أبديًا حتى بعد موت الزوجين جسديًا، وهكذا يصيران أحياءً كملائكة الله في السماء، كما قال السيد المسيح (إنجيل متي 22: 30). أي أن السرّ نعمة إلهية، وليست فريضة دينية فالمسيحية ليست ديانة فرائض وشرائع ونواميس جامدة! (وهذا باعتبار أن الانسان ليس جسد فقط ولكن نفس وروح ايضًا).
حري بنا –على ما أظن- أن نذكر في هذا الموضع، قول القمص تادرس يعقوب ملطي، في كتابه “عطية الروح القدس” صفحة ٥٩:
[الروحُ نفسه يعمل في سر الزواج، واهبًا العروسين وحدة خاصة في المسيح.إنه يغيِّر مفهوم “الزواج” من كونه عقدًا إجتماعيًا إلى عمل إلهي، به تصبح الأسرة الجديدة كنيسة المسيح، كنيسة العائلة المقدسة حيث يسكنها المسيح.]
ومن المُلاحظ والبديهي هنا أن الأب الفاضل أشار للزواج أولاً على أنه عقد اجتماعي (مدني بالتأكيد) والمسيحية تعطي معنى أعمق وبُعد روحي لما هو طبيعي.
-وما يستحق لفت الإنتباه هو أن السيد المسيح لم يُزوج أحد طوال فترة حياته على الأرض بالجسد – وهو في العهد الجديد الكاهن الأعظم– ولم يأتي الذكر على أن التلاميذ أو الرسل قاموا بممارسة هذا الفعل، فلم نسمع انهم كانوا يقيمون أي زيجات!
-السيد المسيح رفض أن يكون قاضيًا، فقد قال: «من أقامني عليكما قاضيًا» (إنجيل لوقا 12: 14)، وهذا يوضح أن رب المجد رفض أن يكون قاضيًا للأحوال الشخصية، فلم يكن كبعض الأساقفة الآن الذين حولوا الكنيسة إلى محكمة كُبري بها قضايا وتظلمات وشكاوى وانتظار الدور!
– كان الزواج في بداية التاريخ المسيحي مدنيًا بمباركة الأسقف. وكان المسيحيون في كل أنحاء العالم يخضعون للقوانين المدنية التي تخص بلادهم. (القانون الروماني وقتذاك)
– وحتي القرن الخامس لم يكن هُناك طقس كنسي خاص بالزواج، وبمرور الوقت، تحديدًا في القرن العاشر، نالت الكنيسة من الأباطرة الاحتكار القانوني والتشريعي لتسجيل الزيجات وتوثيقها (راجع كتاب الزواج من منظور ارثوذكسي جون مايندورف ص80)، وهنا تحول الزواج المدني إلى زواج ديني، ظل هكذا حتى الآن، وفكرة أن الزواج لا يصح إلا في الكنيسة فقط هي فكرة ناتجة عن جهل بتاريخ الفكر اللاهوتي وجهل بالتاريخ الكنسي والتفكير على طريقة “هذا ما وجدنا عليه أباؤنا”!
-ومن جهة أخرى تم تحديد وتقنين “اسرار الكنيسة السبعة” داخل الكنيسة القبطية في كتاب “أسرار الكنيسة السبعة ” للارشيدباكون حبيب جرجس في اوائل القرن العشرين الذي نُقل عن الغرب الكاثوليكي! حيث أن أول مرة يتم تقنين الاسرار إلى سبعة اسرار فقط كان مجمع تراينت الكاثوليكي في القرن 16. في مواجهة الاصلاح البروتساتني في الغرب .
ومن لديه الرغبة النفسية في نفي هذا الكلام فعليه مراجعة كتاب”التقليد وأهميتة في الايمان المسيحي” للأب متي المسكين، الذي أوضح تاريخ الاسرار ومعني كلمة سرّ في الكنيسة الأولى وهل كان يوجد عدد محدد للاسرار؟ أم كانت الكنيسة تعبر كل عمل يتم داخل الكنيسة هو من الاسرار! ولكن تعريف السر في العصر الحديث “المعمول به الآن” هو مفهوم كاثوليكي في محاولة لمحاربة الاصلاح البروتساتنتي في الغرب “المحارب لسلطة الكهنوت”. وحيث تمّ تعريف السرّ بأنه ما يتم بواسطة كاهن! وبالتالي البروتسانت ليس لديهم كهنة، وبالتالي من يخرج من الكنيسة الكاثولوكية فهو خارج عن الأصل الرسولي! أي كان سبب تحديد الاسرار الكنسية بسبعة فقط هو ترسيخ سلطان وسلطة رجال الكهنوت! وها نحن هنا نُعيد الكَّرة!
-وسر الزيجة: “الذي جمعه الله لايفرقه انسان”، هذا العمل سرّ الهي وليس سحرا يجريه الكاهن على العروسين فيصبحا جسدا واحدا، فصلاة الاكليل في الكنيسة ليست هي التي تصنع وتنشأ الزواج بل تباركه وتؤكده، وهي ضرورية ولكن الاهم هو إرادة وأتحاد العروسين قلبيا.والدليل على ذلك كم من زيجات تمت داخل الكنيسة، وفشلت فشلا ذريعا!،وهذا ليس عيبا في الطقس او في الصلاة بل هم كانوا غير مستحقين بل غير مستعدين لقبول النعمة “نعمة الاتحاد والبركة “.
وبهذا المفهوم نستخلص أن من يتزوج مدنيا “زيجه أولي “هنا ليس بخاطئ “لأنه عمل على مستوي الطبيعة ” ولكنه فاقد نعمة، فهو تزوج زواج طبيعي أنساني ولم يخطأ !
وهذا ليس تشجيعا للناس على ذلك فكل شخص يختار حياته كما يحب حسب معتقداته وافكاره وكلا منا سيعطي حساب عن نفسه، ولست ضميرا لأحد، ولست رقيبا على ضمائر البشر.
الزواج المدني قانونيا
(3) لماذا الزوراج المدني:
هناك ثلاث أنواع رئيسية للدول في العالم:
دول علمانية: بإختصار هي دول تقوم على أحترام القانون والدستور المدني ولا تفرق بين اي مواطنيها ! مثل فرنسا وأمريكا والسويد! (مع اختلاف درجة العلمانية بداخل كل دولة حسب ثقافة المجتمع )
دول دينية: مثل الفاتيكان وايران وافغانستان وجنوب السودان !
دول مختلطة أو انتقالية: وهي تخلط بين القوانين المدنية العصرية والقوانين الدينية !
للأسف مصر مازالت دولة أنتقالية، وعلينا أن نختار أما أن ننحاز للحداثة والحرية وقيم العصر أما للجهل وقيم الماضي والتخلف والجمود وقيم العبودية !
فالدولة المدنية الحديثة تحترم القانون والأصل فيها هو أحترام القانون وأن كل المواطنين متساويين أمام القانون بصرف النظر عن الدين أو العقيدة أو العرق أو الجنس أو اللون !
وتنشأ قوانين الزواج –كباقي القوانين – موحدة لكل مواطنيها، ومن يريد ان يطبق على نفسه تعاليم دينه فالدولة لا تقف امامه فليذهب ويصلي في كنيسته –او اي دور عبادة -ويمارس ما يؤمن به كيفما يشاء!
ومن يقول أن الزواج المدني زنا، وان الكنيسة لا تعترف بإي زواج يتم خارجها / هذا الكلام العقيم الذي يدل على ضيق الأفق وعدم فهم لطبيعة الزواج وطبيعة المسيحية، وظني لا يوجد عاقل يقول بهذا الكلام فالمسيحين غير الاقباط الارثوذكس كلهم زناه “قال بعض الاساقفه السلفيين هذا الكلام من قبل إن لم تخنٍ الذاكرة” ولكنه بالطبع لا يستطيع ان يقول هذا على غير المسيحين المصريين ! فوفق رأي هؤلاء كل العالم يعيش في زنا ما عدا الكام مليوم قبطي من اتباعهم! وهذا كلام لا ينطق به إلا خريجي عنبر العقلاء”مع احترامنا لكل صاحب مرض” !
وبعض الكذابين المداعيين يدعو ان من ينادي بالزواج المدني يريد أن يلغي الزواج الكنسي، وهم يروجون لذلك أما عن عدم فهم أو عن خبث لحشد أتباع من الجهلاء والبسطاء وعديمي المعرفة !
بهذا سيكون الزواج المدني خاص بالدولة يجب أن تطبقه على جميع مواطنيها، وعلى من يريد أن يتمم شعائر دينية أو روحية خاصة به فليذهب إلى دار عباداته ويفعل ما يشاء حسب قوانين أو نظام كل دين أو طائفه !
وهذا هو الحل الذهبي – من وجهة نظرنا – الذي سيحل كثير من المشاكل، ويؤكد على ان الدولة تتعامل مع الأقباط كمواطنين وليس كراعايا للكنيسة، ومن ناحية اخري سيفض الأشتباك الدائم بين الكنيسة وبعض الأقباط المتضررين، وبين الدولة والكنيسة (مثال ما حدث في 2010 وصدام البابا شنودة مع السلطة القضائية) وسيجعل الأقباط يتعاملون مباشرة مع الدولة . وسيحل هذا الصراع الازلي والصداع المزمن في جسد الكنيسة !
الطلاق والمسيحية
(4)الطلاق
ثم قال لهم: السبت إنما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت (مر2: 27)
هل قال المسيح لا طلاق إلا لعلة الزني ؟ “وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَي يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.” (متي 5: 31-32)
يجب علينا ان نفرق بين مفهومي الطلاق والتطليق
الطلاق: هو ان يطلق الرجل زوجته بإرداه منفردة .
التطليق:اتفاق الاثنين الرجل والمراة الزوج والزوجه على الانفصال .
المسيح في هذا النص يخاطب يهودا كانوا يطلقون لأتفه الاسباب فقال لهم هذا لكي لا يطلق الرجل أمراته –بإرادة منفردة – دون سبب ! السيد المسيح هنا يخصص كلامه عن ” الطلاق بإرادة منفردة ” لابد ان يكون بوقوع احدهما في الزنا، والنص لم يتكلم عن التطليق وهو له اسباب اخري يمكن ان يتفق الزوجين على استحالة العشرة بينها لأي سبب من الأسباب كجنون أحدهما مثلا او هجره وما على هذا القياس !
والجدير بالذكر هنا أن القوانين الرومانية “التي كانت الكنيسة تتطبقها ” تم جمعها من قبل بن العسال في كتابه “المجموع الصفوي” في القرون الوسطي (ق13)، ثم حدث أنه في عهد البابا كيرلس الرابع أبو الاصلاح قام بتكليف القمص فيلوثاوس عوض بوضع قانون للاحوال الشخصية للأقباط، ورجع القمص فيلوثاوس عوض لكتاب بن العسال لعمل لائحه وتم أعتمدها من البابا كيرلس الرابع، وجاء بن فيلوثاوس وهو المفكر والمصلح القبطي جرجس فيلوثاوس عوض وجمع لنا كل هذا في كتابه “الخلاصة القانونية في الاحوال الشخصية لكنيسة الأقباط الأرثوذكسيين” ، وكل هذا تقريبا ما أستقيت منه مواد لائحة 38 . الذي أعترض عليها المتنيح البابا شنودة وبسبب إلغائها حدث كثير من المشاكل والقلاقل الاجتماعية والروحية /الكنسية والسياسية .
ولائحة 1938 تتضمن 9 أسباب للطلاق:
1.وقوع أحد الزوجين في الزني .
2. خروج أحدهما عن الايمان المسيحي.
3. هجر اي منهما للاخر مده تزيد عن خمس سنين متصلة دون ان يعلم مكانه
4.،او ان يكون هناك حكم قضائي بالسجن سبع سنوات او أكثرعلى احد الزوجين
5.او ثبوت وجود جنون مطبق او وجود مرض العنه والمرض الذي لاشفاء له
6. اذا اعتدي احد الزوجين على حياة الاخر، ايذاء اي من الزوجين للاخر جاز للمجني عليه طلب الطلاق.
7. الفساد الاخلاقي والانغماس في حمأة الرذيلة ولم يجد في إصلاحه توبيج الرئيس الديني ونصائحه .
8. او الاساءة في المعاشرة واخل اخل احدهما بواجبته وانفصلا لمده ثلاث سنوات
9. إذا ترهبن أحد الزوجين، أو أحدهما برضاء الاخر .
ويتبين لكل من له عقل بل لكل من له عينين فحسب: أنسانية ومنطقية وواقعية هذه الأسباب، وعدم مخالفتها لروح الكتاب المقدس، بل من يخالف ذلك ويصر على تفسيرات نصية حرفية متشنجة يكون بذلك يخالف العقل والفطرة الإنسانية السليمة؛وبالتأكيد لايمكن بل من المستيحل أن يكون الكتاب المقدس ضد الطبيعة الانسانية ولا العقل ولا المنطق .
وبالطبع هناك عديد من الاسئلة المُلغزة المُحيرة في موقف رافضي التطليق والتمسك الحرفي بفهم معين، منها مثلا: لقد كانت الكنيسة تطبق لائحة 38 منذ 8 يوليو سنه1938 إلى ان جاء البابا شنودة واعترض عليها، وكانت اللائحة مطبقة ومر عليها أربع بابوات وهم:البابا يؤانس التاسع عشر ومكاريوس الثالث ويوساب الثاني وكيرلس السادس. فهل يستطيع أحد أن يزايد على كل هؤلاء ويقول أنهم كانوا يطبقون لائحة مخالفة للإيمان القويم ؟ ولم يعرفوا أنها كذلك ؟ ام أنهم عرفوا بمخالفتها وصمتوا ؟ هل هذا منطقي يا اولي الألباب؟
وهذا المعني والمفهوم أكده الراهب باسيلوس تلميذ الأب المتنيح متي المسكين في حواره المنشور في جريدة الصباح الاسبوعية، واليك نص هذا الجزء من الحوار-الذي يخص موضوع بحثنا-:
ما رأيك في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يتوسع في أسباب الزنا؟
– المسيح لم يأت ليضع شريعة للطلاق، بل أتي ليُرجع الشريعة الأولي منذ خلقة آدم وحواء: «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان» (إنجيل مرقس 10: 9). هذا هو المثل الأعلى، والأقباط جميعهم تقريبًا حريصون على هذه الشريعة. لكن فئة قليلة جدًا لم يستطيعوا ذلك لظروف شخصية تختلف من حالة إلى حالة. والمسيح لم يضع حلًا لكل حالة، بل وضع قانونًا هو: «مَنْ استطاع أن يقبل فليقبل» (متي 19: 12)، فوضع هنا ما يسمي «قانون الاستطاعة»، أي أن الوصايا المثالية الصعبة على البعض تخضع لقانون الاستطاعة. «فمن استطاع» سمَّاه المسيح «عظيمًا في ملكوت السموات»، أما من «لم يستطع» فلم يضع المسيح عقوبة عليه بأن يُطرد من الكنيسة بل بحسب قول المسيح: يُدعي فقط «أصغر» في ملكوت السموات» (إنجيل متي 5: 19)، فمن «لم يستطع» لا يُطرد خارجًا أو يُعاقَب، بل يظل في ملكوت السموات. وهنا يأتي «قانون الفرصة الثانية» لهذا الشخص كما حدث مع «المرأة التي زنت وأُمسكت وهي في ذات الفعل وكانت عقوبتها في شريعة موسي القديمة «الرجم بالحجارة حتي الموت»، لكن المسيح وهو في الهيكل وجد حالة سوف يقوم شيوخ اليهود بتنفيذ حكم الإعدام عليها، فلما سأله اليهود ليجربوه، جلس على الأرض وبدأ يكتب أسماء الخطايا التي يرتكبونها في السرِّ، وكانوا واقفين حولها وهم ماسكون الحجارة في أيديهم ليرجموها، فأجاب المسيح عليهم وقال لهم: «مَنْ كان منكم بلا خطية فليكن أول من يرجمها»، فاختشوا ووقعت الحجارة من أيديهم، وانصرفوا خجلين. وبهذا أعطاها «الفرصة الثانية» لتعيش حياة طاهرة، فأطلق سراحها لكي يكون لها هذه «الفرصة الثانية» لتصحح نفسها، فتصير فيما بعد: «عظيمًا في ملكوت السموات» (إنجيل متي 5: 19). وهذا ما يسمَّي «قانون الفرصة الثانية» الذي يجب أن يُطبَّق على المطلَّقين والمُطلَّقات الذين يلقبونهم في مشروع القانون «الطرف المذنب» فيحرمونهم من تصريح الزواج الثاني إلى الأبد (وهذا أقسي من الرجم بالحجارة كما في شريعة موسي في العهد القديم). في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يُعتبر المسيح هو رأس ورئيس الكنيسة ويسمَّي «الأسقف الكبير فوق جميع الأساقفة» (حسب قوانين الرسل)، فألا يختشي خدامه من أن يعاقبوا من وقع في الزنا، بينما أسقفهم الكبير لم يعاقبه بل أعطاه «الفرصة الثانية»؟
– هل يعني ذلك أن أصحاب مشاكل الأحوال الشخصية على حق والكنيسة تظلمهم؟
– إذا كان الذين يحكمون عليهم بالإعدام (أي عدم إعطائهم تصريح الزواج الثاني إلى الأبد) مسيحيين، فإن قانون «الفرصة الثانية» الذي أتي به المسيح يجعلهم أصحاب حق يجب عليهم مطالبتهم به. (انتهي الاقتباس )
وهذا هو الفرق بين راهب مستنير وبين اصحاب الصفحات والجروبات المشبوهه على الانترنت والفيس بوك الذي يهاجمون اصحاب مشاكل الأحوال الشخصية ويتهمونهم بانهم زناه على الملأ ! فمن نكد الزمان ان يدعي هؤلاء انهم خدام للمسيح الله المحب فادي البشرية، بل قل انه من محاربة الشيطان ان يتكلم هؤلاء بإسم الكنيسة وكأنهم مدافعين عن جسد رب المجد !
وأتعجب حقيقا ولا أعرف كيف يمكن لشخص عاقل ان يقتنع ان المسيح يمكن ان يسمح بتحويل الحياه أبنائه”حتي ولو مخطئين ” إلى جحيم بسبب نص ! هل المسيح الذي أتي إلى العالم مخلصا وفاديا يرضي ان تتحول حياه المؤمنين به إلى جحيم لا يطاق !
فهل المسيحية ديانة نصوص وشريعة ياسادة ! فيقول لنا الراهب الأرثوذكسي القبطي سارافيم البرموسي “لم يدون المسيح نصا لأنه جاء لا ليعيد الناس إلى قيد الحرف ولكن ليطلق الناس بالحرف إلى آفاق الروح .” (الراهب سارافيم البرموسي مدخل إلى فهم كلة الله ص92 ).
وأتعجب كل العجب لماذا هذه الحرفية والتمسك بنصوص حرفية في الكتاب المقدس في هذا الموضوع بالذات ؟! فمثلا يوجد نص في الكتاب المقدس ” ” ولكن الكنيسة تخالف هذا النص الصريح وتمنع الاسقف من الزواج نهائيا (وليس هنا محل موافقه او اعترض على هذا المبدأ، فيمكن أن يكون هذا حقا في صالح الخدمة حتي لاينشغل الأسقف بالحياة الاسرية ومع ذلك يجب بحث ودراسة هذا الموضوع فلا شئ فوق النقاش والبحث والدراسة في ضوء التقليد والكتاب والواقع والمنطق ) ولكن لماذا التعامل مع هذا النص بأريحية شديدة، ويتم تأويله وعدم التمسك بحرفيته، ولكن في موضوع الزواج والطلاق يحدث هذا التشنج والاصابه بحاله هياج عصبي ؟! مما يفتح اسئلة كثيرة عن الاستفادة المالية و السيطرة والتحكم والسلطان الزمني ! والذي لا نحب ولا نرضي ولا نتمني ان تلحق هذه الشبه بالكنيسة خادمة الملكوت والساعيه لنشر الملكوت على الارض “أو هكذا يجب أن تكون “!
-ويمكنني ويمكن أي وكل أحد ان يحكي ويحكي قصص وراويات ومأسي تحدث وتتكرر، يقع فيها ظلم شديد لأطراف مظلومة ومقهورة بسبب تفسير أصولي لنص وحيد من الكتاب المقدس ولكن ليس هنا مكان الحكي بل الدراسة والبحث والاشاره إلى الجرائم الأنسانية التي تحدث في حق البشر بإسم الحفاظ على التقليد والعقيدة !
اه والف اه عندما يتحكم الفريسين في حياة الناس ويُخرجوا علينا كتيبة مأجورين و جوقة من الشتامين المبرراتيه، عاشقي سف رمال الاديرة ! السكاري بحب ذواتهم ليدافعوا عن المسيحية وعن تعاليم المسيح !!
ومن نافلة القول أن نؤكد على أننا ضد الطلاق، ونراه ليس حلا ! ولا نشجعه، ولكن نحن هنا نقر بإمرين:
-مشروعية الطلاق (في أضيق الحلول وفي أسوأ الظروف )
-حرية الأشخاص في تصريف حياتهم كما يحبون، وبالطريقة التي يرون فيها الخير لأنفسهم .
وعملياً: إذا انفصل شخص عن زوجته وهي على قيد الحياه وتزوج الرجل وتزوجت المرأة، يمكن للكنيسة أعمالا بروح تعاليم المسيح وروح الكتاب المقدس بل وروح التقليد المقدس ان تقيم الكنيسة “عقوبة وقتية ” على (الجانب المذنب ):مثل انقطاع عن الشركة والافخارستيا “التناول ” لمده عام “او اكثر حسب كل حاله ” مع الارشاد والمتابعه والرعايه الروحية، وبذلك لايكون مستبيحا وتستمر حياته بشكل طبيعي .
الحرية
(5) حرية شخصية
الزواج المدني أو الكنسي أختيار شخصي، وليس من حق أي جهة سواء سياسية أودينية أن تفرض وصياتها على خلق الله !
فكل شخص حر أن يختار حسب قناعته الشخصية وإيمانه الشخصي وليس من حق أي شخص يتدخل في حياة البشر بإسم الفضيلة أوالعقيدة الدينية !
وايضا فلنفترض جدلاً انه حقا لا يوجد أي طلاق ولا تطليق في المسيحية تحت اي ظرف، فهل معني ذلك أن تاتي الكنيسة وتستخدم الدولة وتتحكم في قوانين الدولة وتفرض رؤيتها على البشر ؟ هل تعاليم المسيح ستطبق على البشر عنوة؟ فالمسيح علمنا ان الكذب خطية والحلف خطية والسرقة خطية “دون مواربة ولا جدال على التأويل” فهل ستطلب الكنيسة من الدولة عمل قوانين تحرم وتجرم كل مسيحي يحلف مثلا ؟ القليل من المنطق يفيد العقل يااولي الألباب !
فيمكن لشخص أن يولد مسيحيا او بالاحري لأسرة مسيحية وبعد فترة يصبح لاأدري أو ملحد، فلماذا نطبق عليه طقوس هو غير مقتنع بها ؟ هل المسيح يغصب البشر على إتباعه؟! لماذا التحكم في حياة البشر تحت مسميات براقه مثل الحفاظ على الحياه الأبدية وماشابه من حجج واهيه للتسلط والتجبر ! ( في أحدي القنوات الفضائية قال أحد أبواق الكنيسة أن المسيحين اقلية وإذا انحلوا من الوازع الديني سيخونوا أوطانهم !- والكلام لنا هنا: وهو الرجل التقي الورع كل الورع الوطني شديد الوطنية يحمي الدين والعقيدة ويحمي الوطن من خيانة هؤلاء الاشرار الانجاس الزناه كما وصفهم من قبل على صفحته الشخصية على موقع الفيس بوك -“هل رأيت عزيزي القارئ فُجر في الخصومه أكثر من ذلك ؟!)
فتعاليم السيد المسيح ليست تفرض قسرا على الانسان ولا تحتاج إلى قوانين بل تنبع من قلب الانسان واراداته .
فالفضيلة لاتصبح فضيلة إلا إذا نبعت من داخل الانسان وليس بقوة وسلطان القانون
(الفكرة بإختصار فصل الزواج المدني “ألزامي “عن الزواج الكنسي “اختياري” حسب عقيدة وشخصية وطبيعة ومقدرة كل شخصية بمفرده )
نماذج ناجحة
(6)نماذج لدول علمانية ذات أغلبية مسيحية :
أمريكا: انجلترا: هذه دول بها أغلبية مسيحية وتطبق قانون زواج مدني وهذا لم يمنع المواطن الامريكي أو الانجليزي ان يذهب إلى الكنيسة ليقيم مراسيم زواجه !”إن اراد “
بل أيضا يوجد دول ذات أغلبية أرثوذكسية: ( اليونان –روسيا –رومانيا) هذه الدول رغم أن اغلبيتها أرثوذكسية إلا أن الدولة تتعامل حسب القوانين المدنية وهذا لم يقلل من إيمان الشعب على الاطلاق .
( ونكرر فالتكرار –كما يقولون – يعلم الشطار ! .الزواج المدني لا يلغي الزواج الديني / الكنسي كما يزعم بعض الكذية أوكما يحاول يروج بعض الافاقين !..فالزواج المدني أمام الدولة ..ومن يريد أن يذهب ليتزوج في الكنيسة فلا أحد يستطيع ان يمنعه )
وهنا يمكن ان يحتج بعض المُتذاكيين ويقول: اذا فُتح باب الاختيار فجميع الناس لن تذهب للكنيسة ويكتفوا بالذيجة المدنية وهذا سيحدث حالات طلاق وانفصال كثيرة وهذا خطر !
وعلاوة على أن هذه الكلام به مغالطة منطقية وهي أنها بسبب تخوف ما في ذهنه هو أفترضه يحاول أن يخوفنا به سيمنع الحرية خوفاً علينا! ..فإن من سيقول مثل هذا الكلام أيضا سيكون مثل الدبة التي قتلت صاحبها فهو في حين يعتقد أنه بذلك يدافع عن الكنيسة ..كلامه يتضمن أن المسيحين المصريين ليسوا مؤمنين –بما فيه الكفايه- بتعالم المسيح التي تلقنها لهم الكنيسة – وبمجرد فتح الباب أمامهم سيخرجوا عن تعاليم المسيح !! فهذا الكلام فيه أشاره إلى أن الكنيسة لم تقم بدورها في تعليم الناس وغرس الايمان في قلوبهم !
نهايك ان مثل هذا الكلام يحمل ازدراء وأهانه للناس وعدم ثقة بإيمانهم !
وثمت ملحوظة أخري عجيبة: أن الكنيسة القبطية الارثوذكسية في بلاد المهجر الاقباط والكهنه هناك يتعاملون بقوانين هذه الدول ولا نجدهم أسوداَ كما هو الحال هنا، بل يخضعون صاغرين لقوانين الدول المدنية ولا نجد أحد يصيح في وجه الحكومة الامريكية ان الزواج المدني زنا -والعياذ بالله- وأن هذا يخالف تعاليم الكتاب المقدس !وانهم لا يستطعون مخالفة كلام البابا شنودة ! كما يقولون هنا، مما يثير سؤال محير:هل لا يوجد معهم كتاب مقدس هناك في امريكا او معهم انجيل غير الذي يُبشر به في مصر !أين تذهب غيرتهم على تنفيذ كلام الأنجيل في الغرب ؟ أما أنه –وهذه هي الحقيقة – لايستطعون ان يقولوا هذا الكلام في دول تحترم القانون حقا وشعوب تُعمل عقولها ولا تخضع لتفسيرات رجال دين أقل ما يوصفون به أنهم رمزا للجهاله ودعاة للظلام والتجهيل !
توصية: “إني أريد رحمة لا ذبيحة ” (مت 9:13)
بإختصار على الكنيسة أن تتفهم الأمر وتدرس الموضوع جيدا وتطرحه للنقاش ويشارك في النقاش لاهوتيين وعلمانيين و مثقفين وقانونين وعلماء الاجتماع وعلماء الطب النفسي، لنخرج بمشروع قانون متكامل يراعي كل الأبعاد اللاهوتية والروحية والرعائية والاجتماعية والنفسية .
خاتمة:
كتبت هذا لكي لا نكون كالفريسيين الذين كانوا: ” يحملون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على اكتاف الناس ولا يريدون أن يحركوها بإصابعهم(مت23: 4) فأطلبوا وصية الله بسبب تقليدكم ” (متي 15: 6)
و أقول كما قال معلم الكنيسة واللاهوتي العظيم القدّيس أثناسيوس الرسولي في ختام رسالته للقدّيس سرابيون“لم أُبال بأولئك الذين يرغبون أن يضحكوا على ضعف شرحي و فقره. و لكن إذ قد كتبت بإختصار فإني أُرسله إلى تقواك مع توسلات كثيرة أنك حينما تقرأه فإنك من ناحية تُصححه و من ناحية أُخري حينما تجد أن الكتابة ضعيفة فإنك تلتمس العذر”
ويسعدني ان أنوه على أنني أرحب بإي نقد أو تعديل أو تصويب للرؤية، فالأفكار الواردة في بحثنا المتواضع ليست مطلقة، بل خاضعة للنقد وقابله للأخذ والرد ..وهذا هو الفرق بيننا وبينكم !
تعرفون الحق والحق يحرركم
وسلام على الصادقين
…………………………………………………………………………………
المصادر ومراجع:
(1) الكتاب المقدس
(2) الزواج من منظورالارثوذكسي اللاهوتي الأرثوذكسي جون مايندورف ترجمه د.جرجس كامل
(3) حوار الراهب باسيلوس المقاري
بعنوان:تلميذ متي المسكين يتحدث لـ«الصباح»القس باسيليوس المقاري:
-جريدة الصباح بتاريخ 14 أغسطس 2015
اجري الحوار الصحفي زكريا رمزي وأحدي المانيشتات او العنواين الفرعية للحوار كان: “على الكنيسة أن تعطي المطالبين بالزواج الثاني حقوقهم كما فعل المسيح مع المرأة الزانية”

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.