الكاتب : مايكل عزيز البشموري
ولد داود توماس بشوت داود ، في عام 1816 م ، بقرية نجع أبو رزقالي – الصوامعة ، مركز أخميم ، مديرية جرجا بمحافظة سوهاج ، وبالرغم أن أبوه كان لا يعرف القراءة والكتابة ، إلا أنه اعتنى بأبنه كثيراً وأصر على تعليمه ، فتعلم الطفل داود اللغتين العربية والقبطية ، بجوار دراسته للحساب ، وعندما كبر قليلا عمل في الفلاحة لمساعدة أبيه ؛ وهناك أحتك بالعربان المجاورين لقريته حيث تعلم منهم الفروسية وركوب الخيل ، ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره إشتاق إلى الحياة الرهبانية ، وعزم على الرحيل من وطنه فمنعه أبواه من فعل ذلك ، ولكنه أصر على الرحيل وانتهز الفرصة وودع أصحابه وهرب من منزله عام 1838 م ، وطلب الرهبنة بدير القديس الانبا أنطونيوس بالبحر الاحمر ، فإلتحق أولا بمقر الدير بعزبة بوش ببني سويف ، وظل هناك فترة تحت الاختبار ، ولما نجح في الاختبار تم رسامته راهبا بنفس أسمه العلماني ، فدعى بإسم : الراهب داود الصوامعى ( نسبتاً لبلدته التى نشأ فيها ) ، وانضم إلى رهبان دير الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية. ففرح به الرهبان كثيراً نظراً لصغر سنه ونشاطه وحيويته ، وقد أظهر محبة كبيرة لهم ، وتبين ذكاءه وميله نحو دراسة الكتاب المقدس ، فكان يجمع أخوته الرهبان ويقرأ عليهم الكتاب المقدس ويشرحه لهم ويحببهم في دراسته ، ولما ذاع صيته بين الرهبان ، ووصلت سيرته الحسنة إلى آذان البابا بطرس السابع ، إستدعاه إليه ولما أتى بين يدي البابا رأى فيه الحكمة والبلاغة ، فرسمه قساً ، وبعد سنتين من رهبنته ، تنيح القمص أثناسيوس القلوض رئيس الدير عام 1840 م ، وبالرغم كون القس داود حديث الرهبنة ، إلا أن الرهبان اجمعوا على تزكيته رئيسًا للدير، ورفعوا الأمر إلى البابا بطرس فوافق على مطلبهم .
أعماله الاصلاحية أثناء رئاسته للدير :
1- أبطل الكثير من العادات السيئة التي كانت سائدة في الدير بذلك الوقت ومنها خروج الرهبان للتجول في البلاد بدون معرفة و إذن مسبق من رئيس الدير .
2- إنشاء مدرسة لتعليم الرهبان والشبان المسيحيين قواعد اللغة العربية وإجادتها ، بعزبة بوش ببنى سويف والتى كانت مقراً للدير .
3-إنشاء مكتبة وقاعة للإطلاع على الكتب بعزبة الدير ببوش .
4- درس فى مدرسة السيد ليدر الانجليزي ، وتعلم فيها العلوم والدراسات اللاهوتية .
5- زيارته الاولى إلى الحبشة ( أثيوبيا ) :
نشب صراع بين الاثيوبيين مع مطرانهم فى بعض القضايا اللاهوتية والطقسية ، وإذ لم يستطيع الأسقف تقويم رعاياه حسب المفهوم الكنسي قام بتحريم عددا منهم ، فلما سمع البابا بطرس الجاولى بذلك كتب إليه يأمره بالإقلاع عن هذا الأسلوب الجاف، وينصحه باستعمال الرأفة والليونة مع رعيته ، ولكن الأسقف لم يذعن لنصائح البابا وأستمر فى عناده ، حتى تم إغتياله على يد وزير حبشي بأثيوبيا عام 1851 م ، فأرسل إليهم البابا مطرانا آخر وهو الأنبا اندراوس ، ولما وصل الأنبا أندراوس إلى إثيوبيا وجد المشاكل التي تركها سلفه متفاقمة ، فكتب للبابا بطرس السابع ، يسأله المعونة في تصفية هذه المشاكل والتركه الكبيرة التى خلفها المطران السابق ، فأرسل البابا إليه القس داود رئيس دير الأنبا انطونيوس وحمله رسالتين واحدة للمطران والأخرى للشعب الإثيوبي ، فسافر القس داود الصوامعي سنه 1851 واصطحب معه القس برسوم الانطونى الذي صار فيما بعد مطرانًا للمنوفية باسم الأنبا يؤانس، وقد حاول القس داود أثناء وجوده في الحبشة أن يحل المشاكل العقائدية القائمة بين المطران والشعب، وأن يضع حدًا حاسمًا لمشكلة دير السلطان الذي تتنازعان عليه الكنيستان، إلا أنه لم يتوصل إلى تسوية قاطعه في كلا الأمرين، فعاد إلى القاهرة في 17 يوليو 1852م بعد أن قضى هناك سنه وبضعة أشهر.
* البابا كيرس الرابع الـ 110 الشهير بأبو الاصلاح (1854– 1861) :
وأثناء زيارة القس داود الصوامعى للحبشة ، تنيح البابا بطرس السابع ، وكان البطريرك الراحل قد وعد بترقيته إلى رتبة المطران إذا نجح في تسوية المشكلة الحبشية ، ولكنه عاد إلى القاهرة بعد نياحة البابا باثنين وسبعين يومًا، وفى أثناء ذلك اتجهت الأنظار لرسامة الراهب داود بطريركا، فجمعت له التزكيات والتوقيعات من كل مكان ، وقد تردد مجمع الاساقفة فى بادئ الامر من تزكية وتسليم منصب البابوية ليد راهب شاب حديث السن ( 38 عام ) ، وقد عزم الاساقفة المجتمعين على إنتخاب شخصا أخر لتولى مهام البابوية ، فثار عليهم الشعب القبطى ثورة حقيقية واصطحب الاقباط جماعة من الاثيوبيين المتسلحين وأسرعوا جميعاً نحو الكنيسة الكاتدرائية حيث كان الاساقفة مجتمعين بها لإجراء الانتخاب ؛ فهُيجوا عليهم وأبطلوا الانتخاب بالقوة الجبرية ؛ فما كان من هؤلاء الاساقفة سوى الهروب من الكنيسة ؛ ثم التزموا بالرضوخ والقبول بصوت الشعب القبطى ، وتم الاتفاق بين الجانبين ( الاساقفة والعلمانيين ) بأن يرسم القس داود مطرانا عاما على القاهرة ويصير تأجيل انتخاب البطريرك ، وإذا أظهر كفاءة تامة فى وظيفة الأسقفية ينتخب بطريركاً ؛ فرسم مطرانا عاما ، باسم كيرلس ، وكان ذلك في يوم 10 برمودة 1569 شهداء ، يوم 17 أبريل 1853 ميلادية ، وعندما أثبت كفاءة متناهية في منصبه تمت سيامته بطريركا بأسم البابا كيرلس الرابع ، ليصبح البابا الـمائة وعشر من تعداد بطاركة الكنيسة القبطية الارثوذكسية ، وكان ذلك يوم الأحد 4 يونيو 1854 لتبدأ الكنيسة القبطية عصرا جديدا من النهضة والإصلاح .
للحديث بقية
الوسوممايكل عزيز البشموري
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …