الإثنين , ديسمبر 23 2024

هاي يا باشا

بقلم : ماجدة سيدهم 

“مابين المثقفين والقبر جسر من العذاب “

             ******************

**الصبح وف السوق استقبلت نوسة كعادتها الباشا بكل ترحاب ولاد البلد : هاي يا باشا  ..

:أُمال إيه  يا باشا ….خلاص انتهي زمن العواف والسلامو عليكو .. بقيت مثقفة زي مثقفين البلد .. سبحان الله   كلهم بيقولوا  هاي ويايي .. حتى وهمة معدين علينا  كدا ف السوق بيرموا علينا   الهاي دي

:طبعا  يا باشا ..بنرد عليهم  بس بشتيمة وسخة لمؤاخذة ..

: يعني أبيحة ياباشا  .. أبيحة أوي …إديني ودن معاليك

: خلاص  خلاص والله متئهر نفسيتك ..كنت عاوزاك  بس تفك  شوية ..حساك موجوع  حبتين  

:الحقي يا نوسة المجاري ضربت تاني

:.إنت  مش شايفني  ياله قاعدة مع الباشا بنتثقف ..غور يا لاّ من وشي

: ماتخدش في بال معاليك  ..المجاري على طول كدا ، مرات تقل مرات تزيد لكنها زي المرار (تضرب على زورها ) طافحة على  طول ..

: لا والمصحف  مانت آيم من مطحرك .. واد ياعوض ابعت للي ينشك في بطنه رجب يجي يشوف  المجاري ضاربة من أي نصيبة  تاخده

: أيواااااا .. هو رجب إياه   اللي خصيناه  عم نوّل . اخوانجي  زفر .. كنا بنقول إيه  ..

:اسم الله  على مقامك ..الثقافة..خليها الثئافة أحسن ..أهي  كلها مجاري منفدا على بعضيها

: أنا ليا عندك عتاب كبير ..

:ما يؤمر عليك  واطي  ولا ظالم

:أنا ست بتاعة سوق وست بتقولوا عليها جاهلة .. ماشي ..لكن  الجاهلة  دي فاهمة كل حاجة ومن زمان أوي .. و لفاها  كعب داير ..وبوزنها صح أوي ..

:السوق دا  سعادتك  فيه رمم كتير وجيفة بعيد عنك  يا ما .. وفينا  ولاد حلال.. نقاوة.. دول الرجالة يا باشا ..اللي تتسند عليهم وتشد  بيهم ظهرك  من غير ما تميل.. دول المثقفين بجد  من غير نحنحة ولا كرفتة ولا عوجة لسان  ولا وساخة .. وأنا ست  لا ليّا  ف اقتصاد ولا  ف الدولار   ولاّ  ف البربور  بتاعكوا  دا

:باربوني  إيه   بس يا باشا ..البتاع  اليورو  دا ..والنبي أنا بحبك .. المظبوط للباشا ياعوض

* يظبط عوض ليّ الشيشة للمعلمة نوسة  ويروق لها على حجرين  دماغ  .. يتلم حوايلهم   الحبايب  : بعد إذن معاليك .. الإصطباحة   بس علشان  المفيد اللي  جاي

:شوف  معاليك  بئا .. دلوقت خلاص الدنيا  اتكشفت على الآخر  وبقت جرستنا بشخاليل وجلاجل  .. يعني خلاص  راحت السكرة وجت الشخرة.. لأ والنبي ماتبرئليش كدا ..أقصد يعني راحت السكرة وجت الشخرة ..يخربيت  سنينك  يانوسة .. ماتتلم ياله منك له.. إنت حاطط لي إيه في الحجر ياموكوس  فضحتنا  الله يخربيتك ..داهية تاخدك على الصبح  ..تشوح بإيدها  لعوض  امسك ياله  خلاص ..

تتعدلل نوسة ف قعدتها  :أقصد  يا باشا  راحت السكرة وجت الفكرة .. خد من نوسه واسمع.. احنا هانفضل  كده  مزروطين في أروانة البط  دي .. نلف وندور حوالين بعضينا  طول ماحنا زي الطور المتغمي عينيه  ومش  بنواجه نفسينا بالحقيقة  .. والشاطر اللي يرمي اللمؤاخذة   أرف التاني في وش الأولا ني ..إلاّ صحيح يا باشا  هي العدالة  ليه زي الطور  مغمية عينها هي كمان ..

: والنبي  يا باشا بلا ش البصة دي  .. أنا بس حابة  افطنك  أن اللي حواليك كلهم بط  ..شوف ..البلد دي مش هايتصلح  حالها مهما عملت وصلحت فيها .. البداية من هنا  .. تخبط نوسة على راسها .. الدماغ يا باشا .. تقدر تقولي وانا يمين بالله راضية زمتك ..دا حال بلد  فيها  واحد بيفكر ولا فيها مثقفين .. وفجأة انفجرت ماسورة كركعة  داخلة ف بلغم قديم  من  كل الحبايب الي واقفين..

: ما هو معاهم حق يا باشا همه فين المثقفين دول ..  شايفين  حد ياولاد .. يردوا في حس واحد :لا يا معلمة الدنيا برااااح ..قصدك على مين ياباشا ..  أحييييه همة  دول مثقفين ..! نهار أسود منيل   دول شوية  جرابيع وعرر جابونا ورا  وضيعونا  ..دول م الحتة هنا   يعني حتى مقاس اللمؤاخذه عارفاه  والنبي ماتفهمني غلط ..اقصد يعني نعرفهم بالأوي والغميق.. يا لهوي  يا باشا  دا من سنين واحنا ف الحضيض و زادت اكتر  من بعد  25 إياه  و البلد  بئت كلها  مثئفين..اتفتحت فيها بلاليع  ومجارير  المؤتمرات والصالونات والندوات والتكريمات  والمهرجانات  وإيه  ياعوض  .. فاعليات يامعلمة .. أه هي  دي ..واليفط إيه ..أد كده

: والنبي  لاحكيلك على  وكسة المثقفين اللي بتقول عليهم  نخب ..مرة رحنا حضرنا مهرجان  كبير أوي. فاكر ياعوض ..أه  فاكرالبطيخ يا معلمة..  قاعة إيه وفخامة إيه وناس  يا ما  ..دخلنا  جوه وقولنا هانسمع  ونتمتع شوية ..فات وقت والدنيا هيصة .. نستنى الناس تئعد و يبدأوا ..أبدا.. .شوية وهلت علينا وساخة البرك كلها  .. الواد عوض اتهبش في نافوخه  وجري عليا  ..الحقي يامعلمة حرامية السوق كلهم هنا .. الحق جنابك أنا  لطمت  ..الوله اتفجع وقالي  همه دول يانوسة  النخب  اللي ماسكين البلد ومشينا وراهم … قولت اه الرمة  دول همة اللي  لزئونا  في حيطة ولبسونا المغـَري  ..ع البركة يامعلمة ..إشي الكاتب الكبير  والشاعر الفخم   والشاعرة الولعة   والأديب الحراق   والصحفي الملهلب  وأبصرإيه المبدع العبقري  والفنان الروش… لأ وإيه  كلهم مصدقين نفسهم ..وداخلين مجعوصين  مثئفين بئا .. يالله يوكسهم شوية عرر  مفاضيح  وجهلة  أي والمصحف  زي ما بئولك .. يا باشا أنا عارفاهم وعارفة تاريخهم  الوسخ كله  واحد واحد .. تصدق بالله إنت طبعا  تعرف  حضرته كويس أوي.. بتاع التصاريح والبرامج والشجب دا ..أهو دا أكبر حرامي مقالات وقصايد.. أيون   هو بعينه..سطرين من هنا على كلمتين من هناك  عمل له كتابين وبئا الكاتب الفشيخ .. يا باشا دا كان  مهيصاتي ورا بتوع الإنتخابات دي شغلته أصلا .. كبرت في دماغ أمه يبقى مثقف  في  هوجة الثقافة  اللي طفحت علينا وراح ضحك على البت أمل شطة ..بت ولعة  بتكتب شعر نار ..وعشان غلبانة يضحك عليها بقرشين ويروح لاطع  صورته في الجرنال تاني يوم  وعشان هو  أنجس المخاليق  بيمشي  وسطينا  ولا همّه  ويرمي علينا الهاي  ف الرايحة والجاية ..وإحنا  برضه بنرد باللي بيكيفه يضحك ويمشي ..

:  لأ مائولكش بئا عليها .. الكاتبة  والصحفية والدكتورة ..دي ست قدرة .. أيوه  هيّ.. والنبي ماتستغرب ..دي ساقطة دبلوم تجارة وطول عمرها ست بيت ..بس الحق طول عمرها طماعة  ولبط وبتاعة مشاكل – خلعت جوزها   واتشعبطت فواحد أمن أمن دولة من على مراته وإذ فجأة ..هيصة وزغاريد ” الله عليكي يامعلمة حلوة إذ فجأة دي “.. خليك معايا يا باشا .. راحت بئا اشترت ولا سرقت لها شوية شهادات وبقت الست الدكتورة .. يا باشا والمصحف بقت استاذة جامعة بتخرج أجيال ..طب أنا عمري  كدبت على معاليك  ولاّ قولت لك حاجة ما حصلتش .. طب خد عندك  كمان.. تعرف المثئفة  الأديبة المذهلة اللي راشقة لنا ع طول دي  ..البت بتاعة امبارح  وبقت القديرة بقدرة قادر.. أيوه  هيّ..إحنا بنعرف المقال بتاعها قبل ما يتنشر .. قوللي إزاي ؟ ..لما نور الأوضة في البرج دا  ينطفي بدري نعرف إن الليلة طويلة وعسل  والمقال بكره ها ياخد الصفحة كلها وبعنوان أد كده .. مش عارفة ايه بس اللي مغضبك مني أوي كدا . ياباشا  بئولك كله مزروط على كله ..وكله بيصلي فوق كله.. المهم نختم  الليلة ونقول آمين .. يا باشا   والنبي ماتحسسنيش إن معاليك من بنها .. لا لا عارفة انك  تقيل وفاهم كل حاجة ..

: إعلام مين يا باشا  كلهم شوية موظفين ..وأهو لبسونا ف الحيط  . والمصحف  ماحد بيخاف عليك وعلى البلد غيرنا يا باشا ..إحنا الغلابة مالناش حتة تانية غيرها عيشتنا هنا  وتـُربتنا هنا ..

: عارف معاليك المثقفين الحقيقين  النضاف فين ..؟.. بره الخيبة دي .. تعرف ليه ؟  أقولك لأنهم حقيقين ونضاف ..واحنا في زمن الزروطة  اللي سمى  الرعاع  والجهلة  مثقفين .. والفشلة مبدعين ..أصل مش أي حد يبئا مبدع كدا ..يرد عوض ” والمصحف نوسة دي دماغ بنت حرام “.. حلال ياروح أمك ..حلا ل يامعلمة

: أكملك يوم المهرجان الأغبر ..ماتؤلش طولت عليك .. طب حتة مسكرة حلوة كدا  تبل الريق ..  تنادي ” على السكين ياحمرا ” رد عوض  منورة يا معلمة وداخلة النخاشيش .. تلف وتلوي دراعة ما تتلم يخربيتك  الباشا قاعد ..متاخدش على كلامه يا باشا .. أقصد  البطيخ ..نرجع  مرجوعنا .. لقيت عاديك القاعة ظاطت واتكوم المثئفين  على بعض فوق المسرح وهات يا تصاوير بالموبيلات .. قولت ماشي نفسهم يتصوروا برضه ..اتاريهم ملمومين  على واحد  واصل حبتين  كتب  رواية ..والمصحف يا باشا ما حد قراها ولا حتى عارفين اسمها..  انا  شوفتها وقريتها دي  مش اكتر من كتاب خغرافيا ما نا بفهم برضة .. وعلشان هو من الكبرات شوف بئا الدلدلة ” الله عليك ياكاتبنا الكبير.. وامتى  هاتعملها فيلم ..دا ايه العبقرية دي .. دا فيش زيها في المكتبات العربية “بصراحة با يابشا  شكرت لهم  .. والمصحف ياباشا بخاف من رفعة الحاجب دي . . ماهي برضة  كتاب جغرافيا ..المهم بئا  تشوف اللي يتخانق على بقية  حساب له بدل سفر ..واللي  بيربط على  سفرية  طرية بره .. واللي عاوز يطلع في برنامج  تلفزيون واشمعنى فلان  .. واللي بيسأل عن المصيف واللي بيرزع فضايح لغيره ولأنه مسنود   ماشي يفشخ الكل..واللي بيشتكي من الكوتشيات البايظة  بتاعة العيال وزيت التموين الزفت ..واللي بتفقوا سوا  يبوظوا ندوة واحد تاني مضايقهم .. واللي مُصر يكون العشا في القاعة الفلانية ..واللي يئولك انت فلان بيكتب لك لأ انت فلان الفلاني هو اللي بيكتب لك ..وهات  يا حرب الكارنياهات أشي نقابة على إتحاد على نادي على رخصة سواقة .. م الآخر قعدوا بعد خناقة ع الصف الأولاني ..وانا والواد عوض قاعدين ورا  مطرئعين ضحك مسخرة  من الخابور اللي ها  يطلع دين أم البلد دي لقدام .. يادي الوكسة ياولاد بئا دول بتسميهم مثقفين وتثق فيهم يا باشا ..العفن ف المصارين من جوه  مش بره خالص .. دول مش اكتر شوية بـُلغ متعاصة …. خلاص خلاص والله ماتزعل نفسيتك

ولسه جنابك بنقول ياهادي ولئيت لك  كام  مفعوص كدا  داخلين علينا  كأنهم أصحاب مكان  بيرموا في حجرنا كتيبات عن عذاب القبر والغسل والتكفين والغسل عند الجنابة ..قولت لعوض  يا لهوي  ياوله  الكتيبات دي بتتوزع  كدا إزاي في مهرجان ثقافي ..والعيال دي دخلت إزاي  أصلا ..!..لقيت عوض  بيفر فيهم  ..يتفر ف إيه  ياموكوس  ..بشوف الجنابة يا معلمة والكفن بالمرة ..جتك وكسة  احنا جايين نسمع كلام حلو ومزيكا حلوة  مش جايين نتكفن يا مايل  .. تلف نوسة : فاكر اليوم دا ياعوض .. يرد عوض مع آخر نفس من تزيئه صدره “فاكر المانجة يا معلمة .”

: كل دا معاليك مش مهم .. المصيبة الخازوئية العسلية  لقيت القاعة سكتت مرة واحدة وكل واحد راح يفر ويقلب الصفحات  وهات يا قراية وتمتمة مع بعض .. يانهار مكحل ياولاد دي بقت حلقة ذكر مش مهرجان  أدباء  خالص  وعليها خلصت الليلة بشوية خناقات وتربيطات وتصفية حسابات وشوية قصايد عن صلاح الدين وبيت المقدس .. هو مش صلاح الدين دا بتاع عكا  ..هي عكة ..عارفاها  ..بس وحياة من جمعنا على وجيعة واحدة الناس الحلوة دي والطيبة نفسها تتعلم  وتتنور وتفهم

: أيواااا التعليم .. جت للمفيد ..التعليم دا يابشا لازم يبقى مشروع قومي أه ..زي المشاريع الضخمة ..ماينفعش ابغبغ واقول التعليم التعليم ويجي الموكوس المسؤول  يروح  يسمر لي   شوية تُخت ودكك ويجيب شوية طباشير ملون .. أيون  الدِّكة مش الدَّكة . .. دِكها حاجة تانية بتاعة الـ… ماعلينا

:  لما أقرريكون عندي دولة وابني شعب .. سامعني يا بشا ابني شعب متعلم ومتربي صح ..أيوه ياباشا هانضحك على بعض .. ناقصنا شوية تربية حلوة .. يبقى لازم الجهات كلها تشتغل على الحتة دي..الإعلام مع الدراما  والسيما وبتوع علم النفس والثقافة ..يعني نتبني  من أول جديد ..دا مشروع قومي  ياباشا يعني البلد كلها مالهاش شغلانة غيره.. زي مشروع الحرب كدا..عارف معاليك  مش  بتقولوا  عليا جاهلة بس مافيش حاجة هاتخرجنا منى الوحلة الزرئة غير  الدماغ  ..شوف يا باشا إنت مش محتاج أكتر من  مفكر واحد  وشاعر واحد وفيلسوف واحد بس  واتفرج على البلد دي هاتبقى إيه .. دول يظبطولك الليلة كلها  وقبل أي حاجة شيل الدين خالص من التعليم ..اه .. خالص ..علمني مزيكا ..علمني رقص.. علمني شعر علمني فلسفة علمني  تاريخ وحضارة ..علمني الإنسانية علمني  احب الحياة.. علمونا بجد ..نفسنا نكون بني آدمين ..المخ يغيره مخ ..تعرف بلاد بره اللي  خلاهم كدا مش الاقتصاد ولا النووي .. الدماغ الحلوة والتفكير المنور والفن اللي بجد ..يالهوي  يا باشا دا الواحد ساعات بتفرج كدا على حاجات بيتئهر من جواته ..طب والمصحف الناس ما ها تتحاسب زينا ..هيخشوا الجنة عدل  لاعذاب  قبر ولا جنابة لما بقينا نستاهل الكفن بجد .. هيصة وزغاريد ..  الله الله عليكي يانوسة .يادين النبي يا معلمة.. والمصحف تاخدوها وزير ثقافة يا باشا..أهو باين  على وش سعادتك انك موافق ..موافق يا باشا مش كدا .. نوسة دي  دمااغ  هاتعجبك أوي

: ولا يهمك يا با شا احنا برضة بتوعك  ووراك

: بالعجل كدا .. ما تتغدى معانا معاليك .. خلاص يارجاله الباشا عند مواعيد .. وسعوا السكة .. شوية بطيخ نقاوة ياعوض .. طيارة يامعلمة ” على السكين يا حلاوة “..

: عارفة والله .. واحنا كمان بنحبك .. بس فكر ف كلامي ..

: البطيخ يا باشا ..!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.