د. ماجد عزت إسرائيل
منذ أن تأست أول كنيسة قبطية بمدينة الإسكندرية على يد القديس “مار مرقس”(56-68م)” وحتى يومنا هذا ينظر الجميع إليها على أنها الكنيسة الأم لجميع كنائس العالم،ومفهوم الكنيسة هو جماعة المؤمنين الذين يجتمعون معا للصلاة والعبادة، لدراسة كلمة الله وحفظ التسابيح والترانيم الروحية، وقد اطلق عدة مسميات على الكنيسة منها كنيسة الله، كنيسة المسيح ، عروس المسيح، هيكل الله، بيت الله،ولذلك علمت الأم أبنائها المبادىء والسلوكيات الاجتماعية والدينية وطقوسها، وبعد دخول العرب مصر 641 م، زادت مكانة الكنيسة بعد تخلى الدولة عن رعاياها من غير المسلمين ،ولذلك حلت الكنيسة محل الدولة فى شتى مناحى الحياة.
ولذلك اعتقد أن بيت الله لا يعلم أولاده إلا المحبة والعفة والحشمة و التعاليم الصحيحة.
ولعبت أم الكنائس دور أساسي في محافظة الأقباط على العادات والتقاليد التي صاحبت مختلف أحداث حياتهم ومناسباتها الاجتماعية، وشكلت شيئًا هامًّا لديهم فحافظوا عليها والتزموا بها، كنوع من التشبس بتراث متوارث عن الآباء والأجداد، وكشكل من أشكال الخصوصية تميزهم بين المجتمع المصري، الذي كان من الرحابة والمرونة بحيث سمح بوجود خصوصية تميز بين مجتمع وآخر، وخاصة في هذا الجانب، نظرًا لتعدد وتنوع ثقافاتهم، ووجود اختلافات في النظم الاجتماعية بين منطقة وأخرى، فالعادات والتقاليد الاجتماعية تعد عاملاً جوهريًّا من أكبر وأقوى عوامل التنظيم والضبط في علاقات الأفراد وتماسكهم، فهي تسهل لهم أفعالهم وتحدد منطق الترابط والتعامل فيما بينهم.
وفي الواقع تمتعت المرأة القبطية عبر التاريخ بمكانة كبيرة بين أفراد أسرتها ولا تزال حتى يومنا هذا، فإلى جانب رعاية زوجها وأبنائها حتى بعد وفاة زوجها كانت هي الوصية على أبنائها، لدرجة جعلتها ترفض الزواج للحفاظ على تماسك الأسرة، كذلك وجدت سيدات قبطيات سعين لتأمين حياة أولادها ومستقبلهم
وحرصت الكنيسة على توفير أبسط حقوقها الشخصية فعندما أرغم السيدات القبطيات منذ أواخر العصر المملوكى على ارتداء الملابس الصفراء عند دخول حمامات المسلمين
سعت الكنيسة لإنشاء حمامات وبيمارستان خاص بالمرأة القبطية حتى لا تحرمها من شىء،على أية حال، فقد حظت المرأة، بقدر كبير من الاعتزاز والاحترام من جانب أزاوجهن أو أبنائهن.
أما ما تم أثارته فى أحدى برامج التوك شو حول ملابس المسيحيات المثيرة فى مناسبات الزفاف والغير محتشمة، فنؤكد للإعلامى وائل الإبراشى أن من لا تعلمه أمة لا يتعلم من المعلمة،والكنيسة هى الأم و النبع الفياض الذى يحرص دائما على تعليم أبنائه وتحصينهم ضد أفكار بعض المعلمين الهدامة
فالسيد المسيح لم يقول أعثرتك أمراة ،ولكن يقول”وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَان”(إنجيل متى9:18) ،كما أن الكنيسة تعلم أبنائها من السيدات والفتيات غطاء الرأس بداخلها أثناء الصلاةِ
ليس بهدف الآثارة وأنما بهدف طقسى لأن شعر المرأة تاج لها،ولكن السيد المسيح هو تاج ورأس الكنيسة ولذلك يجب عليها الغطاء.
كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً:” وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. 6إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ” (كو1. آية6 و5).
على أية حال،اعتقد أن السيدات والفتيات القبطيات لسان حالهم يقولون لمقدم برامج التوك شو ، أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته (يو 15: 10) وأن أمى الحبيبة قد علمتنى منذ نعومة أظافرى، كما جاء فى رسالته بولس الرسول الى أهل كولوسي “أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق بالرب أيها الرجال احبوا نسائكم ولاتكونوا قساة عليهن ” كولوسي (3 :18)
وربما نرى أن الكنيسة هى الأم والمدرسة الأولى فى حياة كل قبطى،ومن لا يدخل هذه المدرسة لا يمكن أن يتعلم من المعلمة.
كما أن حلقة التوك شوك وضيوفها لم يكون ذو أهل علم بهذا الموضوع،
فالكنيسة لم تفرض يوماً ما على أبنائها ملابس أو أشياء ما، فكل شىء تعلمه الأم لبناتها بروح الحرية والتشابه بالقدسين و بالقديسات،وهذا ما أكده بولس الرسول فى رسالته إلى أهل تيموثاوس قائلاً:” وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ”.
و لابد لنا هنا الأشادة بموقف الكنيسة الأم وعلى رأسها قداسة البابا تواضروس الثاني،فقد اتخذ عدة قرارات بشأن حلقة العاشرة مساء والخاصة بملابس السيدات القبطيات وهى كما يلى
1- وقف القس” شنودة منصور” عن جميع الأعمال الكهنوتية،ويتم التحقيق معه من جانب الكنيسة حول حواره بشأن ملابس السيدات القبطيات أثناء حضورهن مناسبات الزفاف.
2- كما أشادت الكنيسة بحشمة ملابس أبنائها وأن الكنيسة تثق في بناتها وتحترمهن وتقدرهن، مشددا على أنه حين تكون هناك أية ملاحظات على هذا الأمر فعلاجه يكون من خلال العمل الرعوي داخل الكنيسة.
3- وأيضا أكدت الكنيسة على أن التنبيهات التي تصدرها بعض الإيبارشيات تدخل في نطاق العمل الرعوي ولا تعني مطلقا عدم ثقة الكنيسة في أبنائها، مشددا على أن ضيوف الحلقة التي قدمها الإعلامي وائل الإبراشي، لا يمثلون الكنيسة ولا يتحدثون باسمها ولا يعبرون عن رأيها، وأن ما طرحه من آراء يخص أصحابها فقط.
واخيراً،عليكم يا قبطيات كنيستنا القبطية أن تتمسكوا بتعاليم الأم التى تدعو للعفة وللطهارة الداخلية ،تدعو للجوهر وليس للمظهر،تدعو لحرية المرأة وليس لقهرالمرأة ،تدعو المرأة لتكون معين نظير للرجل،وليس الرجل هو سيد كل شىء،لأن الرجل والمرأة فى نظر الله كيان وشىء واحد،كما ذكر الكتاب المقدس قائلاً: “فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه.
ذكراً وأنثى خلقهم” (تكوين 27:1) “وقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده. فأصنع له معيناً نظيره” تكوين( 18:2).