الأحد , ديسمبر 22 2024

نادية خلوف تكتب :في مدفن الفقر العائلي

أبحث عن قصص الحبّ التي تمنح الإنسان ابتسامة مع شروق الشّمس، ودفئاً في يوم عمل مملوء بالحيوية والنّشاط، وبعض خفقات في قلبي المولع بالحنين إلى الأشياء التي لم تمرّ معي في الماضي، ولا أراها في الحاضر، أراها قادمة من عمقي، أشعر بالحياة السّابقة تعيش معي..

في جعبتي ألف قصّة حبّ انتهت بالدّموع. قصص الحبّ السّعيدة تعيش بين أبواب مغلقة لا تشرّع للغرباء، لا أعرف أين تقع لم أجرب قرع أجراس الأبواب المغلقة.

ربّتّ على كتف المئات من النّساء.  ومن بين كلّ ألف امرأة كنت أرى رجلاً لديه معاناة.

 ليس النّساء فقط من يبكين.عندما يقع الظّلم يبكي الرّجال أيضاً. لا زالت ذاكرتي ترحل إلى رجل كان يبكي بصوت أجش، ويضرب رأسه بجدران مكتبي لا يرغب في طلاق زوجته ، ادعت تلك الزّوجة  أنه طلاق للضرّر، لم تنفع مساعي الصّلح معها . تزوّجت بعد طلاقها على الفور  من حبيب آخر له زوجة وأطفال.

عندما عادت إلي مكتبي من أجل نقل حضانة ابنها إلى والدتها  سألتها عن وضعها الجديد. بكت بحرقة وقالت: وقعت في فخّ. خسرت كلّ شيء. تركت لها فرصة الكلام، وأنا أقول بيني وبين نفسي: قلّة من النّساء مثلك يفرّطون بالذّين يحبونهم .

كلّما كنت أقوم  بمهمّة ما تتعلّق بالعمل كان قلبي ينفطر ، لا زالت صورة ” كريستين” ابنة السّادسة عشر التي تحمل ابنها وتعيش مع والدتها على أطراف نهر الجغجغ في ذاكرتي . بعد خروجها من سجن النّساء بصفتها تمارس الدّعارة  قمت بزيارتها في بيت أمّها، عدّت إلى المنزل وأنا مثقلة بهموم العالم. لماذا العالم يظلم الفقراء؟

كريستين في عرف ذلك المجتمع خاطئة، وأمّها خاطئة مثلها فقد أنجبتها إلى الدّنيا في عالم لا يعرف قيمة الطّفولة، وملّخص القصّة أنّ رجلاً قال لوالدتها أن زوجته سوف تموت بعد أيام وسوف يتزوجها، وكانت ثمرة هذا الكلام وعد خلّبيّ نتيجته فتاة ممشوقة القامة جميلة كأنّها قادمة من الحلم،  لا تنظر في عينيّك. تقدّمها أمّها إلى الرّجال مقابل نفقات منزلهما الذي تفوح منه رائحة الفقر، ومقابل حليب الأطفال.

هذه قصص حقيقيّة  تابعت الكثير منها ا عندما كنت أمارس مهنة المحاماة .كان الفقر بطلاً على الدّوام . كلّ القيود الدّينية، والاجتماعية منصوص عليها  على أوراق مقدّسة  من أجل إذلال  الفقراء. حتى جريمة الشّرف هي من نصيبهم، الأغنياء لهم قانون آخر ففي كل نظام حكم دستوران . أحدهما للفقراء، والآخر للأغنياء.

الفقر مجرم  معفيّ من تنفيذ العقوبة ، يفتك بالعقل، والرّوح ، يتسلّط من يملك القوّة الماليّة على مفاصل الحياة، وهذا يحدث حتى في العلاقات الأسريّة ، عندما يصبح الرّجل أقوى مادياً يرى أنّه أعلى من أسرته وأطفاله وقد يستغرق الأمر معه شهوراً ليغادر العائلة غير نادم مع عدم التّعميم، أغلب النّساء يرعين الزوج كأنّه أحد الأبناء عندما تتحسن أمورهنّ الماليّة.

يسير الفقر في موكب مهيب برفقة رجال الدّين والسّياسة، والمجتمع،  الذّين يشّرعون لك قانوناً هو أنّ اليد العليا هي خير من اليد السّفلى.

لن تنفتح العقول دون الحد الأدنى من الدّخل، والحدّ الأدنى من الرّفاه. سوف تموت كلّ قصص الحبّ في مدفن الفقر العائلي، وتتحوّل إلى قصص كره وانتقام.

قصص الحبّ تموت تحت الأقدام، ولا زال الموت مستمرّاً. . .

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.