بقلم : ماجدة سيدهم
فاجعة هزت المدينة وتركت في القلب وخزة وفي الورد ذبول مفاجئ ..وحين كنا في كنائسنا نمارس الطقوس الخاشعة لصلوات الجمعة المقدسة هامستني إحداهن : ” شوفتي الكارثة اللي حصلت النهاردة ..؟ … خمسة شباب راحوا في حادثة كبيرة .اتنين أصحاب “ثالثة ثانوي ” كانوا في سيارة أحدهم ..وثلاثة طلبة جامعة في حادث آخر في نفس اليوم ..” تسلل الخبر بين صفوفنا ، واصلنا الصلاة أو هكذا حاولنا بنصف روح ونصف ذهن وهزيمة كاملة مبللة برجفة في القلب أفقدتنا التوازن ،وما أن اطلعتني بصورة الصديقين التى تداولتها سريعا صفحات الفيس بوك لحتى سقطت عني كل لفائف التماسك ، هكذا حين يفاجئنا جمال الشبيبة برحيله المباغت ، كبرت فجأة وشخت جدا فجأة ،وتسربت كل تجاعيد المباغتة تلفني عصرا ، صوت فيروز يطعن الأجواء بالشجن والنحيب ” وا حبيبي .. ” بينما رحنا في حفلة من الدموع نتابع همسا التفاصيل المتلاحقة عن صداقتهما منذ الطفولة وحتى مشارف التخرج المرتقب ، تداولت الصفحات رسائلهما حين راحا بإنطلاقة روحيهما وبكل المرح يراسلا الأصدقاء عبر صور “سيلفي ” بسيارتهما ، كم بلغ بهم مرح الفتية لحتى توقعا على سبيل المزاح أن مكروها لهما يتربص ، ثم انقطع التواصل فجأة فتحطم الحلم كله بلا تروي وماعادت تصلح الفتافيت لأية محاولة للترميم ..
وجع الأباء لمكروه الأبناء يقاس بقوة الخرس وصدمة الهوس وحرقة العيون المتحجرة باللوعة ، مثل قطع النصل الحاد للحم الحي لايحسه النازف في أوله لحدة لسعته الحارقة ..
مر الوقت حتى هاتفتني إحداهن ” تفتكري هايدخلوا الجنة ” أغلقت الخط بلا اعتذار ، لازل الدم على الأسفلت حي بالإخضرار بينما الحمقى راحوا يقسمون الغنائم مابين خرافة الجنة وجهالة النار
هكذا أوصدت كل نوافذ الدنيا نورها عن مكاحل الرؤية ،وكل معالم الفهم تهدمت في معابد العقائد الوثنية المتباينة ،هو هو الموت حليف تقوى الجهلاء وحدهم أينما تواجدوا وشهقوا بالإستنكار ، فأي خلل أعمى دمر فينا كل خلايا الروح والفهم والحب الذي نتشدق به ونغنيه ونتناوله طرحا ووعظا لحتى صارت اللغة المتداولة بين كلا من الفريقين (وكلاهما هو الأتعس ) على أساس التوزيع العقائدي ، فالآخر بالضرورة سيقذف في النار أما أنا فحتما الجنة لي ، ياللجحيم الذي أحال الحياة إلى موت مهدد بالشكوك فتحولت الحياة في مجتمعاتنا إلى مقبرة هائلة لسائر الملعونين ببرص الدين ..
حين سأل بطرس يسوع بشأن يوحنا إذ ساد تذمر و مقارانات فيما بينهم ..قال له ” مالك أنت .. ” أي كن بحال أمرك ولا تنشغل بأمر غيرك..فهذا شأني “، لأنه مثل إرتفاع السماء عن الأرض واتساع المشرق عن مغربه تكون حكمة العليّ ..يحدث هذا متى كان الحب فينا بلا نضج ، بلا اكتمال بل ويحتاج للشفاء كلية ..
وأما ميراث الملكوت لا تدعمه إطلاقا العبادات المتقنة أو أعمال البر المفتخرة أو شهادة جودة من رجل دين أو حتى حفظ نصوص سائر الكتب المقدسة التى يتقنها الشيطان بإمتياز ، ميراث الملكوت يكون بقدر الحب الذي يعمل فينا ، بقدر الطموح والجموح للأفاق المتصاعدة بالجمال لاختراع الفرح الأفضل والأبهى لسائر المحيطين بلا استثناء ، ميراث الملكوت لمن صار إلها وضجت روحه بالتطلع والبساطة والعشق والإتقاد البارع ، فلا تعتريه تجاعيد الروح أو شوائب القلب النجيس ، من مارس الصدق حتى في فعل الحماقات فاحترمهم الله ..الملكوت لن يدخله غير العشاق والشباب والملهمين والذين أدركهم الحب فأخلصوا له منفتحين ..
لذا سيفاجئنا الملكوت بكم هائل من الصادقين ، من الغواني واللصوص والنازفين والمتسخين والمحاربين وأكثر ،
سيتوافد أمام الكرسي الأعظم المصابون فقط بجنون الشعر ، المقتولون على نغم الوتر ، دراويش الرقص وعبدة النور ، هم المهوسون بعبقرية الحياة ..
سيفاجئنا الجحيم أيضا بكل هؤلاء العراة .. الكذابين من حفظة الصلوات في مواقيتها و مقدمي الذبائح بلا تقصير ليحظى هكذا الأنبياء الكذبة والنصابون والمنافقون من رجال الدين ، المثاليون المخادعون والرموز الغاشة ، المتشقدون برياء الفكر والمعلمون المضللون والقادة الوجهاء لهم بالقطع النصيب الأوفر ..هم الأشباه والأقزام والأدعياء
وأما عن فعل المباغتة فحين يمتلء القدير بروح الجمال الذي للمرء ويرتعش له قلبه فرحا يلتقطه في ذروة التألق الروحي هذا يليق بمجد الله ، هى لحظة الذروة المضنية للوهج الإنساني حين تنتقل إلى رحبات فائقة تحتفي بالحياة والحب وتحترم الإختلاف ..
شبيبة الحياة الرائعون .. نشكركم فأنتم من أيقظ الغفوات من رقدة موتها ، لكم الاتساع الأبرع ..ستلهمنا ضحكاتكم وأحلامكم وعفويتكم لنتطهرمن ضعة المخاوف والتلصص والشروخ ، سنكمل دربكم وننثرمثلكم مع مطلع كل حلم كل البهجة والتفاؤل والورود التى تشبهككم كي نشابهكم بشرا جميلا ، صلوا من أجل عبوس لطم قلوبنا وأصابها بالسخف والحماقة .. هنئيا لكم يا زهور الحياة بالفرح الأبدي ..