الثلاثاء , ديسمبر 24 2024
الكنيسة القبطية
مايكل عزيز البشموري

الأقباط والعلمانية المفقودة (5) .

الكاتب : مايكل عزيز البشموري
ولد القديس البابا بطرس السابع البطريرك الـ109 بقرية الجاولى مركز منفلوط ، وكان اسمه قبل الرهبنة ”منقريوس“ ، إشتاق للحياة الرهبانية منذ نعومة أظافره ، فقادته العناية الإلهية إلى دير القديس العظيم الانبا أنطونيوس ، فرسُم راهبا ، وتعمق فى العبادة والنسك ، كما تفرغ لدراسة العلوم الطقسية واللاهوتية ، فتم تزكيته ورسم قسا على الدير ، ودعـّى بإسم القس مرقوريوس ، ثم رقى قمصا فيما بعد .
وكان قد حضر جماعة من الأثيوبيين من قبل ملك أثيوبيا يطلبون من البابا ”مرقس الثامن“ رسامة مطرانًا بدلا من المتنيَّح الأنبا يوساب مطرانهم السابق ، فبحث البابا عن رجل صالح وعالم فاضل فلم ير أمامه إلا القمص مرقوريوس فاختاره لمطرانية أثيوبيا ورسمه مطرانًا، إلا أنه في وقت الرسامة تراجع عن تقليده علي أثيوبيا ورسمه مطرانًا عاماً على الكنيسة القبطية وسماه ثاوفيلس ، ورسم بدلًا منه الأنبا مكاريوس الثاني مطرانا لمملكة أثيوبيا في سنة 1808.
وبعد رسامة الأنبا ثاؤفيلس مطرانًا عامًا استبقاه البابا معه في الدار البطريركية، ليعاونه في إدارة شئون الكنيسة والكرازة المرقصية .
ولما تنيَّح البابا مرقس الثامن في يوم 21 ديسمبر سنة 1809 م وكان الأساقفة موجودين بمصر، فاجتمعوا مع أراخنة الشعب القبطى وأجمع غالبيتهم علي تزكية الانبا ثاؤفيلس ليكون خليفة البطريرك الراحل ، فرسموه بطريركًا في الكنيسة المرقسية بالأزبكية ؛ بعد ثلاثة أيام من نياحة البابا مرقس الثامن ، وتمت الرسامة فى يوم الأحد 16 كيهك سنة 1526 ش. (24 ديسمبر سنة 1809 م.). ودُعِيَ أسمه بطرس السابع ، واشتهر باسم البابا بطرس الجاولي، وكان أبًا وديعًا متواضعًا حكيمًا ذا فطنه عظيمة وذكاء فائق ، وقد أتبع سياسة حكيمة لرعاية شعبه ، وفي عهده رفرف السلام علي البلاد فنالت الكنيسة الراحة التامة والحرية الكاملة في العبادة وتجددت الكنائس القبطية بالوجهى البحرى والقبلى .
وقد اتصف هذا البابا بالتقوى والورع والتقشف والزهد، وكان قليل الكلام مع هيبة ووقار، ويقضي يومه منكبًا على المطالعة، ومواظبًا على الصلاة من أجل سلام الكنيسة، ولم يكن يلبس عليه سوى الخشن من الصوف ولا ينام إلا على الأرض في الصيف وعلى دكة خشب في الشتاء، وكان يجدل الخوص أثناء فراغه ، وكان لا يتعرض إلى أمر من أمور السياسة مطلقاً ، ولا يخرج من دار البطريركية إلا إذا دعته الحاجة ؛ وإذا سار في الطريق وضع على وجهه لثامًا أسودًا، وإذا تكلم كان صوته منخفضا ولا ينظر إلى وجه سامعه .
* أحداث تاريخية مرت فى عصره :
١- رجوع كرسى النوبة والسودان :
وفي مدة رئاسته عاد إلى الكرسي الإسكندري كرسي النوبة والسودان، بعد أن انفصل مدة خمسمائة عام. ويرجع فضل عودة النوبة والسودان للكرازة المرقسية إلى محمد علي باشا الذى قام بفتح السودان وامتلك أراضيه وضمها إلى الأقطار المصرية فعاد كثيرون من أهل السودان إلى الدين المسيحي، كما استوطن فيه الكثيرون من كتاب الدولة المسيحيين ورجال الجيش وبنوا الكنائس هناك ، ثم طلبوا من البابا بطرس أن يرسل لهم أسقفا ليرعى الشعب المسيحي بهذه الأقطار ، فرسم لهم أسقفا زكاه شعب السودان من بين الرهبان اسمه داميانوس. وقد تنيَّح هذا الأسقف في أيام البابا بطرس فرسم لهم أسقفًا غيره. ومن ذلك الحين تجدد كرسي النوبة الذي هو السودان.
وقام هذا البابا في مدة توليه الكرسي الإسكندري برسامة خمسة وعشرين أسقفا على أبرشيات القطر المصري والنوبة، كما رسم مطرانين لأثيوبيا: الأول الأنبا كيرلس الرابع في سنة 1820 والثاني في سنة 1833 م.
٢- رفض الحماية الروسية على أقباط مصر ( راجع المقال السابق الجزء الرابع ) .
٣- معجزة النور المقدس
حدث بعد أن فتح إبراهيم باشا نجل محمد على باشا بيت المقدس والشام سنة 1832 م ، أنه دعا البابا بطرس الجاولى لزيارة أورشليم ، والسبب فى دعوته تلك جاءت للتأكد من حقيقة ما يدعيه المسيحيون ، بأن النور الذى يظهر من داخل القبر المقدس هو نور حقيقى وليس غشاً وخداع كما يروج المغرضون والمتعصبون .
وإذ كان إبراهيم باشا يثق كثيراً في البابا بطرس الجاولى ؛ ويكن له الحب والتقدير أرسل إليه يستدعيه من مصر للتأكد من صحة هذا الخبر ، فلبي البابا دعوته بسرور ، ولما وصل البابا فلسطين قوبل بكل حفاوة وإكرام ودخل مدينة القدس بموكب كبير واحتفال أشترك فيه الوالي والحكام ورؤساء الطوائف المسيحية ، وقد طلب الباشا من البابا بطرس أن يباشر عمله داخل القبر المقدس ليظهر النور على يديه لا على يديْ بطريرك الروم .
ولما رأي البابا بطرس بحكمته أن انفراده بالخدمة داخل القبر المقدس سيترتب عليه عداوة بين الاقباط والروم الارثوذكس ، اعتذر للباشا وطلب بإعفائه من هذه الخدمة ، فطلب إليه الباشا أن يشترك مع بطريرك الروم – علي أن يكون هو ثالثهم داخل القبر المقدس لأنه كان يرتاب من حقيقة النور المقدس .
وفي يوم سبت النور غصت كنيسة القيامة بالجماهير حتى ضاقت بالمصلين فأمر الباشا بإخراج الفقراء خارج فناء الكنيسة ؛ أما الأغنياء من المسيحيون فبقوا داخل الكنيسة ؛ ولما حان وقت الصلاة دخل البطريركان مع إبراهيم باشا إلى القبر المقدس ، وبدأت الصلاة المعتادة . وفي الوقت المعين انبثق النور من القبر المقدس بحالة ارتعب منها الباشا وصار يصرخ فى حالة ذهول : ” النور .. النور .. آمان آمان بابا آمان “ فوقع مغشياً عليه ، فأسرع إليه البابا بطرس وقام بإفاقته وإيقافه .
أما فقراء الشعب الذين في الخارج فكانوا أسعد حظا ممن كانوا بداخل الكنيسة لان الرب افتقدهم بنعمته ؛ فإن أحد أعمدة باب القيامة الغربي انشق وظهر لهم منه النور المقدس ، وهذا العمود مازال موجوداً حتى يومنا هذا ؛ وقد زادت هذه الحادثة مركز البابا بطرس هيبة واحتراما لدي إبراهيم باشا .
٤- معجزة إرتفاع منسوب النيل
وتشير المصادر الكنسية أنه فى عام 1834 فوجئ المصريون بنقص مياه النيل مما يعرض البلاد إلى جفاف و مجاعه ، و طلب محمد على باشا والى مصر آنذاك ، من جميع قادة الاديان و المذاهب أن يصلوا ليرفع الله هذا الجوع عن المصريين .
وقد قامت كل طائفة بالصلاة من أجل إزدياد إرتفاع منسوب النيل ولكن دون أي جدوى
فإستدعى محمد على باشا البابا بطرس السابع لتأدية الصلوات الخاصة ؛ فإصطحب البابا رجال الاكليروس وجماعة الأساقفة وخرج بهم إلى شاطئ النهر واحتفل بتقديم سر الشكر وبعد إتمام الصلاة غسل أواني الخدمة المقدسة من ماء النهر وطرح الماء مع قربانة البركة في النهر فعجت أمواجه واضطرب ماؤه وفاض ؛ فأسرع تلاميذ البابا إلى رفع أدوات الاحتفال خشية الغرق ؛ وبعد تلك الواقعة تعظمت منزلة البطريرك لدي محمد على باشا وقربه إليه وكرم رجال أمته وزادهم حظوة ونعمة .
نياحته :
تنيَّح البابا بطرس الجاولى بسلام في الثامن والعشرين من شهر برمهات سنة 1568 ش ( 1852 م ) ؛ بعد أن أقام على الكرسي المرقسي 42 سنة و3 شهور و12 يومًا . بركة صلواته المقدسة فلتكن معانا . آمين

56

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.