الصليب والمصلوب
25 أبريل، 2016 مقالات واراء
المسيحيون لا يعبدون الصليب ويعتبرونها إهانة كبرى ان يطلق عليهم أحد اسم الصليبيين. ومع ذلك فالمسيحيون يعطون الصليب كرامة كبرى لأن الصليب اصبح لهم رمزا لفداء المسيح وخلاصه. ومن البديهى ان المسيحي الحقيقى لا يرفع الصليب ليعتدى على الآخرين او لينتصر فى حروب ونزاعات دنيوية بقصد كسب الارض والسيطرة على البشر.
عندما ينظر المسيحيون للصليب لا ينظرون له على انه مجرد قطعتان متعارضتان مصنوعة من مادة رخيصة كالخشب او مادة اكثر قيمة مثل سن الفيل او بتصميم جميل مطعم بنقوش من الصدف او مصنوع من المعدن الرخيص كالنحاس او من معدن أكثر قيمة كالفضة او من المعادن الثمينة كالذهب او البلاتين او حتى المرصعة بالاحجار الكريمة.
مهما كانت هذه المادة فقيمة الصليب المادية تتوقف على قيمة المادة المصنوع منها، وهى مهما سمت لا تزيد عن مبلغ من المال قد يزيد او ينقص.
هذه القيمة المادية بمعزل عن المصلوب لا تساوى شيئا يستحق الذكر. ونحن نعلم ان الصليب الاصلى الذى صلب عليه السيد المسيح كان مصنوعا من الخشب الخام القليل القيمة والعديم الجاذبية.
ولكن قيمة الصليب الفعلية هو فى دلالته الروحية التى اكتسبها بعد ان علق عليه السيد المسيح ليصالحنا مع الله ويحل مشكلة الخطية لكل البشرية. بعد ان حدث هذا اصبحنا لا نفكر فى الصليب فى ذاته كأداة للاعدام ولكن فى معناه الروحى الذى اخذه من المصلوب. فأصبح الرمز وهو الصليب والمرموز له وهو السيد المسيح كلاهما وحدة واحدة لا يمكن الفصل بينهما.
فعندما انظر الآن للصليب او ارسم علامة الصليب او حتى افكر فى الصليب فاننى لا افكر فى الصليب المادى ومقدار قيمته المادية او مدى جماله الزخرفى ولكن فى معناه الروحى الذى يجسد كل معانى الفداء الذى اتمه المسيح عن البشرية.
ومن اجل هذا حرص الكتاب المقدس على ان يسجل لنا ((كلمة الصليب)) بكل الفخر والاعتزاز. ولا يفعل هذا فقط عند التسجيل التاريخى الذى ورد فى الاناجيل لحادثة الصلب ولكن ايضا عند التطبيق الروحى الذى جاء فى الرسائل. وكان يمكن للوحى الالهى ان يورد لنا العمل الفدائى للسيد المسيح دون اشارة لكلمة “الصليب” وبذلك تضيع كلمة الصليب وتنسى مع الزمن.
ولكن “كلمة الصليب” كانت لها تقديرها فى الكتاب المقدس حتى ان الرسول بولس يذكرها بوضوح عندما قال “فان ((كلمة)) الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله” 1كو 1: 18 فالكلمة عند من لا يفهمها “جهالة” اما عند الذين فهموها وتمتعوا بخلاص الله عن طريقها فالكلمة اصبحت اكبر من مجرد مجموعة من الحروف فهى “قوة” الله”.
هذه القوة ليست كلاما يقال ولكنها اختبار حقيقى يعرفه الكثيرون ممن استخدموا علامة الصليب لاستدعاء قوة الله للانتصار على ابليس وجنوده كلما واجهوا مكائده. وليس الأمر تميمة تتلى او علامة سحرية تطلق ولكنه ايمان راسخ بقوة الصليب يأتى من قوة المصلوب وسلطانه على ابليس وجنوده.
ولذلك يقول الرسول بولس ان الصليب هو موضع افتخاره بل هو افتخاره الاكبر “واما من جهتى فحاشا ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذى به قد صلب العالم لى وانا للعالم” غلاطية 6: 14. فعندما تنظر الى الصليب ترى كل العالم وما فيه مصلوبا اى ان كل مباهجه واغراءاته تصبح ميتة فى عيوننا. ومن ناحية اخرى نرى انفسنا مصلوبين اى كأموات بالنسبة للعالم بمعنى ان كل ما فى العالم يفقد كل اغراءاته بالنسبة لنا.
لقد اصبح الصليب بالنسبة لنا رمزا ملموسا عن ايماننا ونحن نعطيه الكرامة التى نعطيها لإيماننا لأن الرمز يعبر عن المرموز له.
الصليب بالنسبة لإيماننا المسيحى هو مثل الراية للوطن. لا يستطيع ان يقول انسان ان الراية هى مجرد قطعة من القماش القليلة الثمن او انها لا قيمة لها بالنسبة للوطن. قيمة الراية هى من قيمة الوطن وعندما تتقدم الجيوش فى المعركة تتقدمها الراية. وعندما يحرروا الارض يرفعوا فوقها الراية لتصبح جزءا من الوطن. ويقف الجنود ليحموا ويزودوا عن الراية بارواحهم كما يفعلوا للوطن. فالوطن كله قد اختزل فى قطعة من القماش اصبحت رمزا يجسد الوطن. وفى كل صباح يصطف الجنود ليحيوا الراية ويقدروها تقديرهم للوطن.
اعتزازنا بالصليب لأنه ما كان لنا خلاص بدونه. عن طريق الصليب تمم السيد المسيح عمله الكفارى عنا ودخل بدم نفسه الى قدس الاقداس فصنع لنا خلاصا ابديا. ولم يكن السيد المسيح محتاجا ان يعمل ما كان يعمله رئيس الكهنة بان يدخل الى الاقداس مرارا فقد قام بهذا مرة واحدة وكانت فيها الكفاية. وبذلك محا السيد المسيح الدين الذى كان علينا وصرنا مبررين امام العدالة الالهية “اذ محا الصك الذى علينا فى الفرائض الذى كان ضدا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرا اياه بالصليب” كو 2: 14
هذا ما يعنيه الصليب لنا. ولعلها تكون فرصتنا فى هذه الايام المقدسة ان نرفع انظارنا للصليب فنتأمل فى عمل السيد المسيح من اجلنا ونجدد ارتباطنا بالصليب والمصلوب.
ايها المسيح المصلوب نشكرك من اجل صليبك المحيي الذى بذلت عليه دمك الثمين عنا فصارت لنا بذلك العقوبة خلاصا، وامسكت بالسماء والارض وصالحت الاثنين معا “عاملا الصلح بدم صليبه” كو 1: 20