السبت , نوفمبر 9 2024

الإضطهاد العرقي والطبقي والمذهبي، وكيف تم محاربتهم بالفنون الإنسانية

بقلم : نانا جاورجيوس

المواطنة ليست رفاهية ولا مطلب فئوي بل مطلب شعبي . خصوصاً في الوطن العربي الذي أصبح فيه المواطن يشعر بهوة عميقة وشرخ متصدع إن صار مختلفاً عن الأخر فكريا أو إنتمائياً أو عرقياً أو دينيا أو ثقافياً. محنة « التعددية الثقافية» في الوطن العربي وقبول الأخر بخصوصياته ليتشكل في النهاية جسد الثقافة الوطنية برعاية أنظمة سياسية سليمة وصحية لا تشوبها أمراض. ويذكر أن هذه التعددية ملمح ضروري للمجتمعات الحديثة و أن رفضها البعض ممن لهم المصلحة تمزيق البلاد ليظلوا مهيمنين على المواطن المستضعف والمضطهد والذي ينظرون إليه ك كائن مختلفاً عن باقي الشعب!، فيظل حياته مستنزفاً ومهانة كرامته، يعطي من عوزته وهو المحروم من الحياة وأبسط متطلباته. دائما يعيش في موضع ريبة وإتهام، دائما موصوماً بالشبهات، دائما مقاد لسجون التعذيب وتحت أبواق الإعلام الكاذب والنفاق المجتمعي، يريدونه العيش على الحافة مهمشاً بحياة مؤقتة ليفسح لهم رغد العيش ومزيد من الممارسات القمعية ضد أبناء الوطن ممن يعيشون تحت خط الفقر واحيانا كثيرة الإستعباد، فهم دائما يعتبرونه وافداً وليس من أهل البلاد الأصليين من بنوها بعرقهم وبتاريخ أجدادهم!

و لإقصاء الأخر أشكال وأنواع من التنكيل والممارسات. لما ينتج عنه خطورة تمزيق الهويّات الوطنية و بتر لجزء من الجسد الثقافي والحضاري لشعب ما. و مشكلة الهوية الثقافية حيث نلمسها الآن في الأوضاع التي تمر بها منطقتنا من صراع عرقي وديني ومذهبي وطبقي، فمثلاً هناك اليهود المغاربة الأصيلون، وأخرون وافدون من أوروبا بعد سقوط الأندلس، ومع ذلك نجد التعايش السلمي المتسامح الحقيقي في بلد هادئ كالمغرب حيث تعايش شعب المغرب جميعهم من أقلية و أغلبية بأمان دون أن يوصم الأغلبية الأقليات بشبهات أو وضعهم في خانات الجيتو لعزلهم عن الحياة وممارسة حقوقهم العامة، لهذا نجدهم- يهود المغرب- مواطنين فاعلين في مجتمعهم، وساهموا بفعالية في إغناء مجتمعهم بالدراسات والعلوم الإنسانية والمعرفية.

– بينما نجد أمريكا وهي بلد التي تدعي وتتغنى بالحريات، ورغم إلغاء العبودية للسود عام 1865 وحصولهم على حق المواطنة إلا أن حقوقهم إلى اليوم لم يتم إحترامها كاملة، رغم وصول باراك أوباما للحكم وكان قبله أبراهام لينكولن، إلا أن مازالت شرطة البيض وحراس النوايا المصابون بعنصريتهم ينكلون بالمواطنين السود لتتكرر جرائم الشرطة ضدهم كل يوم حد أنها تتصدر الأخبار والصحف.! ما جعل المجتمع الأمريكي يواجه العنصرية والإضطهاد العرقي ومحاربة تلك الممارسات بالفن والإبداع لكشف زيف المنظومة السياسية التي تلتهم حقوق المستضعفين والأقليات والمهمشين.

فمثلاً فيلم «جانغو طليقاً» لكونتن تارانتينو و «لنكولن» لستيفن سبيلبرغ من أهم الأفلام المريكية التي عالجت امراض المجتمع الأمريكي وفضحت الممارسات العنصرية لتذكر الناس بتاريخ طويل من الإضطهاد مورس على تلك الأرض ضد السود وضد كل من لا يشبه جماعة البيض، تلك القضية التي أحدث شقاقاً بالمجتمع ما بين معارض لإلغاء الإسترقاق والعبودية، وما بين مؤيد لإلغائها تبعاً « لإعلان الإستلال الأمريكي».ومنحين لخر تظهر رواية اوفيلم يكشف اللثام عن تلك الممارسات التي مازالت تمارس من حين لأخر! فمثلا رواية «زنجي أميساد»، قام ستيفن سبيلبرغ بتحويلها لفيلم عن تاريخ إضطهاد السود والتنكيل الذي مورس عليهم لإسترقاقهم وسلبهم كرامتهم وتاريخهم الطويل في الكفاح حد إستنزاف حياتهم. تلك القضية والممارسات التي باتت تؤرق مضاجع القادة والحكام لتلك البلاد. حيث أن القضية أصبحت عبارة عن مصالح إقتصادية ومادية و زيادة إتساع الهوة، فيعيش الغني على إستضعاف الفقير، ويعيش الرجل الأبيض على إنتهاك حقوق السود ليسلب جزء من المجتمع أبسط مقومات الحياة!

– كذلك ما يتم في السودان من إضطهاد عرقي وديني ممنهج، من بعض من يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد ليمنحوا أنفسهم الحق في السطو على حريات البسطاء وكل من يخالفهم، وأنه يمنح الأخر بعض كراماته بأن تركه يعيش بينهم !، لهذا وجدنا إنقسام السودان لشمالي وجنوبي نتيجة تلك النظرة وتلك الممارسات. فمنهم من أعتبروا ذوي الأصول الأفريقية بمرتبة العبيد لا يتم توظيفه إلا في الوظائف الوضيعة والمهينة لإنسانيته كنوع من الإذلال وليس من حقه أن يعيش متساوي في الحقوق والواجبات الوطنية. كذلك ما يحدث في قضية دارفور بغرب السودان نفس النظرة والممارسات الغير حضارية واللاإنسانية. وما يحدث لأبناء النوبة في مصر وحقوقهم المسلوبة من مرافق وصرف صحي وكهرباء ومياة صحية نظيفة وأبسط مظاهر الحضارة المحرومين منها. مروراً بالإضطهاد الخفي الممارس ضد الأقليات في مصر وتمايز في حقوق المواطنة، وما رصده الحقوقيين بوضوح بعد ثورتين مجيدتين وقبل حكم الإخوان الذين منعوا مسيحي مصر خصوصا في محافظات الصعيد من المشاركة في التصويت للإنتخابات الرئاسية خوفا من التصويت لغيرهم.

تلك الإنتهاكات في حقوق الأخر والأقليات تتعارض مع روح التسامح التي تنشرها الأديان ومع روح السلم وإعتدال الضمير والحياة المشتركة، التي على الحكومات خصوصا العربية أن تحتوي تلك الفتن قبل أن تكبر وتتفاقم الأوضاع وتتراكم المشكلات، وهذا لا يأتي إلا لو تم إدراك أن المجتمعات لابد أن تقبل بما هي عليه من مكون ثقافي واحد لا يقبل أن يتجزأ، فتعدديته لأجل مجتمع متكامل لا لأجل التشتيت والتقسيم، كي لا تفقد الدولة أبسط مقوماتها ومضمون المواطنة لتصبح دولة مليشيات وتحزب وإنتشار لأمراض التطرف وضعف لسلطات و أجهزة الدولة.

كل هذه المشكلات مجتمعة حاربها الفن والإبداع والأدب وكتابة الشعر والملامحم، وكشف عن عورات الأمراض المكبوتة في جسد الأوطان، حتى وإن عاشت أحلامها وحلمت بمدينة اليوتوبيا كما حلم بها الإنجليزي توماس مور الذي ما إن حلم حتى قُطعت رأسه في برج لندن حيث إتُهم بالخيانة العظمى حين إنتقد المجتمع الأوروبي!، أو يوتوبيا «جمهورية أفلاطون » كما تخيلها الفيلسوف اليوناني أفلاطون أو « أهل المدينة الفاضلة» للفيلسوف الفارابي الذي وُجد مذبوحاً من لصوص الحياة لإتهامه بالزندقة لمجرد انه حلم بمدينته الفاضلة!. فجميعها أنواع من الأدب الطوباوي الحالم، لتسطر الإنسانية الحيّة أوجاعها وكتبت من آلامها تاريخاً حقيقياً بعيداً عن زيف شعارات الحكام وسطوة القادة الذين دائماً مايخشون كل صاحب فكر و مبدأ و فن وإبداع.!

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.