د.ماجد عزت إسرائيل
تحتل الكنيسة القبطية مكانة متميزة بين جميع كنائس العالم؛ لاعتمادها على آباء الكنيسة فى كل جيل لأن تعاليمهم هى الكرازة بالمسيح وبالإنجيل، وكرازتهم هى الصوت الحى الباقى الممتد لصوت السيد المسيح والرسل، متصوراً
ومصاغاً بلغة الجيل المعاصر،لأن الكنيسة فى كل زمان وجيل تستلم وتسلم تعاليم الآباء
مضافاً إليها خبرة الحياة وممارسة للإنجيل وشهادة الإيمان بالمسيح ، كل جيل بجيله
وقد تتعدد المواهب الروحية بين الآباء فنجد منهم العالم فى اللاهوت، وعلم والآبائيات
وتفاسير الكتاب المقدس بالإضافة للمتابات فى مجال الآدب والشعر أو
الموسيقى أو الفنون،وأيضًا نجد آباء يتميزون بتسليم التعاليم و الطقوس الكنسية
وآخرون يعشون بروح البساطة والتقشف والصلاة والكرازة بتعاليم الإنجيل، وأيضًا يتميزون
بمواهب روحية وعمل المعجزات مثل موهبة الشفاء للمرضى أوأخراج الشياطين
كل هذا التنوع من مواهب الآباء يمنح الكنيسة وشعبها قوى روحية تجعلها تقاوم الظلم على مر الأجيال.
والراهب أبيفانيوس الأنبا بولا الشهير بالقمص “فانوس” هو أحد العلامات المضيئة فى تاريخ البرية الشرقية
ولد بولس هارون ـ اسمه العلمانى قبل الرهبنة ـ فى قرية دفش ـ مركز سمالوط ،محافظة المنيا ،ولذلك أيضًا اشتهر
بـ “بولس هارون الدفشنى ” من والدين تقـيين، فى أسرة بسيطة مثل غالبية الأسر المصرية
فى ذلك الوقت،وكان أخيه الأكبر يدعى “حنا” أما أخته فتدعى “مريم “
ومنذ حدثته عرف عنه حبه للنسك وحياة الوحدة والصلاة
والصوم ولذلك سلك طريق الرهبنة،فترهبن فى دير الأنبا بولا بالبرية الشرقية ـ صحراء مصر الشرقية
حيث يوجد ديرى الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس، المركز الرئيس للتأسيس فكرة الرهبنة القبطية
التى انتشرت فيما بعد فى جميع أنحاء العالم ـ فرسم راهباُ فى 20 إبريل عام 1947م
فى عهد الراحل قداس البابا “يوساب الثانى” البطريرك رقم (115) (1946-1956م)
وفى يناير 1951م تم رسامته قساُ وعرف باسم القس” أبيفانيوس الأنبا بولا” ،وفى عام 1958م ، نال درجة القمصية بذات الدير.
وعاش القمص فانوس الأنبا بولا، حياته كراهب بسيط بين أخوته الرهبان،واشتهر بمنديله الذى كان يلفه
على رأسه وجلبابه أو الفراجيه ، وكان يقضى معظم حياته بمغارته بالدير بعيدا عن الاختلاط
مكتفيًا بالصلاة والصوم،وكان طعامه اليومى من فتات الخبز وتمرالنخيل،أما نومه فكان قليل وغالباً
ما يكون بقلايته على الأرض، فكان نموذجاً لحياة الراهب المثالى الذى يجعل من حياة الزهد والنسك
والتقشف والفقر طوعاً شعاراً لطقوس الرهبنة القبطية،وبين عشية وضحاها ذاع صيته لموهبته
فى الشفاء واخراج الشياطين،وكان كثيرون يأتون من جميع دول العالم،لأخذ بركة القديس العظيم الأنبا بولا
ومحبة أبونا فانوس.
على أية حال ،عاش القمص فانوس بديره بالأنبا بولا، ولم يتركه إلا عندما اشتد عليه المرض
فنقل إلى أحد المستشفيات القبطية بمدينة القاهرة للعلاج ،وبعد صراع مع المرض رحل عن عالمنا الفانى
فى ليلة 18 إبريل 2016 م ،ونقل جثمانه الطاهر إلى ديره دير الأنبا بولا بالبرية الشرقية ،وما بين الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 19 إبريل 2016م
اقيمت صلاة الجنازة بحضور العديد من الآباء الأساقفة ويأتى على رأسهم رئيس الدير”الأنبا دانيال الأنبا بولا “
،ومندوبون عن قداسة البابا “تواضروس الثانى” البطريرك رقم 118(2012م) ـ أطال الله عمره سنين عدة ـ
ولفيف من رهبان ديرى الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس ،وبعض القمامصة والقسوس بمحافظة البحر الأحمر
ومدن صعيد مصر،وأيضًا تلاميذه الرهبان ومريده ومحبيه من شتى المسكونة، ودفـن بمدافن الدير؛ عن عمر يناهز نحو 90 عاماُ ،عاشها فى جهاد روحى وعطاء مستمر،ولذا أصبح علامة مضيئة للبرية الشرقية فى عالمنا المعاصر.