بقلم : نانا جاورجيوس
وقصة حب تفصل بينهما مياه النيل، و مقبرة بديعة ظلت مدفونة تحت الرمال لصاحبة أول قصة حب في التاريخ المصري القديم و ربما في العالم، مقبرة من الطراز اليوناني للعمارة الجنائزية، تحمل العدد واحد من بين مقابر مدينة تونا الجبل بمحافظة المنيا. تعود إلى حوالي ألفين عام عصر الإمبراطور هادريان. مكتوب على جدرانها مرثيتين باللغة الإغريقية، كتبهما والدها الذي بكى طفلته إيزادورا التي لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها. يعتبرها الكثيرين من المصريين جولييت المصرية والتي سبقت جولييت الحقيقية بألف سنة. تتمدد موميتها على سرير جنائزي، تُلقب إيزادورا بشهيدة الحب، ومعنى إسمها «هبة إيزيس» تؤكد قصتها على أن الحب الخالد لا ينتهي وإن إنتهى نهايات مأساوية كمعظم القصص.
أحبت الضابط المصري حابي وهي في السادسة عشر من عمرها حين ساقتهما الصدفة يوماً لتلاقي قلبيهما، فكان هذا الحب الأول لها والأخير. تركت مدينتها وقصر أبيها المطل على النيل في مدينة أنتنيوبولس “الشيخ عبادة حالياً” وكان أبوها حاكما للإقليم المعروف حالياً بمحافظة المنيا. لتعبر نهر النيل وتشارك في إحتفالات ( تحوت) إله الحكمة والقلم بمصر الفرعونية. وهناك قابلت حابي فأحبته، فكانا يتقابلان كل ليلة عند البحيرة يتسامران حد تملكتها روحه.
لم يكن هناك ما يشغلهم سوى حبهما طيلة الفترة التي عاشوا فيها الحب معاً، ولم يهزمهم يوماً يأس الحياة والعادات ولم تكسر عودهما الأخضر رياح المسافات ولم يطفئ الخوف قلبيهما. وبعد ثلاثة سنوات علم أبوها بقصتها فقرر أن يقضي على هذا الحب، فإبنته الإغريقية لا ينبغي لها أن ترتبط بشاب مصري، فأوصى حراسه بمراقبتها وتتبعها ليمنعوا لقائيهما. وتضييق الخناق عليهما كل يوم حد أن قررت الإنتحار لأن الحياة بدون حبيبها لا معنى لها.
إشتهت رؤيته للمرة الأخيرة، فإستطاعت الهرب من حراسها، و ودعته قبل أن تقدم على الإنتحار في طريق العودة حيث رمت بنفسها في منتصف مياه النيل لأنها كانت تعلم ما كان يخبئه لها أبوها. رغم أنه أول من بكاها بمرثيتين حفرهم على جدران مقبرتها، وكان حبيبها حابي يذهب كل ليلة يوقد شمعة على قبرها كي لا تشعر روحها أنها وحيدة.
كان للعاشقة “الإغريقية – الفرعونية” مكانة كبيرة في قلب عميد الأدب العربي” طه حسين”، رغم أن الفرق بينهما ألفين سنة من العمر، حيث بُنيت المقبرة عام 120 م. حيث أقام له إستراحة بجوار مقبرتها وكان يقيم فيها ثلاثة أشهر في موسم الشتاء من كل عام كي يكون بجوار حبيبته التي ماتت قبل ألفين عام. أغرم بأشعار الرثاء المدونة على مقبرتها حد أنه أقام إستراحته بجوار مسكنها الأبدي في تونا الجبل، ينظر إلى مقبرتها محدثاً نفسه بما لم تبح به رمال المدينة من أسرار، و يجلس بحديقته الخاصة قبيل غروب شمس كل يوم , ثم يذهب في طقس شبه يومي إلي مقبرة إيزادورا، فيشعل مسرجة الزيت والفتيل داخلها ويقرأ البكائيات المنقوشة على جدرانها.
كجرح غائر في الزمان يقرح الحب حروفه على جدران مرثية إيزادورا و حابي النيل، وسر غرام حفيدها طه حسين لها.