بقلم : حامد الأطير
والله لو وضع أهل مكة الشمس في يميني والقمر في شمالي لأتنازل عن جزيرتي “صنافير وتيران” المصريتين الاستراتيجيتين ، ما تنازلت ، ولظللت حتى آخر شهقة لي في الدنيا على يقيني بأنهما مصريتين .
والله لو اجتمع المصريون كافة وأهل الأرض جميعا وأقروا بأن جزيرتي “صنافير وتيران” غير مصريتين ، لظللت مرددا “صنافير وتيران” من بلادي مهما روج المروجون للأباطيل والإدعاءات الكاذبة .
والله إن التاريخ وأولادنا وأحفادنا لن يغفروا لنا تفريطنا وذلنا وهواننا وتنازلنا عن جزيرتين يتحكمان في مدخل العقبة الاستراتيجي تحكما تاما ، جزيرتان لم يشهدا ولم يعرفا غير المصريين ، ولم يرتويا بغير دماء الجنود المصريين ، ولم يمكث عليهما ويسيطر عليهما غير المصريين طوال 66 عاما من سنة 1955م ، هذا إذا ما أخذنا بالحكاوى والأقاصيص.
والله لو كانت هناك دولة مخبولة ومجنونة وضعيفة وترتعش وترتعد من الخوف والجوع يقتلها قتلاً ، ما أتت بخيبة مثل التي أتت بها مصر ، وما تنازلت عن جزيرتين لها السيادة والسيطرة عليهما فعليا منذ أكثر من 65 عاما ، ويمثلان عنق الزجاجة لخليج العقبة الهام والحيوي والذي يقبع في آخره العدو الإسرائيلي .
والله ما رأيت تدليسا وغشا وخداعاً وتضليلاً مثل الذي رأيته في تزوير تاريخ جزيرتين “صنافير وتيران” المصريتين ، لقد أماتوا التاريخ قبل 1950م ودفنوه وأهالوا عليه التراب ليحللوا ويبرروا هواننا بعد هذا التاريخ ، وليحجبوا عنا بسحب الزور والبهتان والضلال السيادة المصرية التي كانت لنا على مضيق خليج العقبة بكامله وعلى جزء من أراضي الساحل السعودي نفسه ، الساحل الذي كان جزء من بلاد الحجاز قبل نشأة السعودية في 1932م ، وتلك ليست فرية ولا إدعاء ، لأنه ثابت تاريخياً بمستندات ووثائق منذ أن كانت مصر وبلاد نجد والحجاز (السعودية لاحقا) تحت ولاية الدولة العثمانية ، وأبدا لم يسبق أن جرى ترسيم للحدود بين البلدين ولا تم توقيع اتفاقية حدودية بينهما منذ سقوط الدولة العثمانية أو بعد قيام الدولة السعودية ، حتى يتطاول أحد أو يتجرأ ويقول أن الجزيرتين كانتا سعوديتين ، لقد أصبحتا سعوديتين في 9 أبريل الحالي فقط ، أي منذ أربعة أيام ، بعد توقيع اتفاقية التنازل المستترة باسم “اتفاقية تعيين الحدود” المعيبة والتي تتضمن التنازل عن الجزيرتين
بعد قيام إسرائيل ، خوفا من أن تقوم هي باحتلالهما ، واحتلالهما هنا بمعنى سيطرة مصر عليهما وشغلهما وتواجدها فيهما ، ولم يكن هذا الاحتلال أو التواجد بناء على طلب من الملك السعودي كما يزعمون ، بل كان قراراً مصرياً خالصاً ، والدليل البرقية التي قالوا أن الملك السعودي بعثها الى الوزير المفوض السعودى فى القاهرة فى فبراير 1950 ، بعد أن علم باحتلال المصريين للجزيرتين ، والتي تضمنت قوله «إن نزول القوة المصرية فى جزيرتى “صنافير وتيران” لأن وضع هاتين الجزيرتين كان مقلقاً لنا كما هو مقلق لمصر ، وما دام أن المهم هو المحافظة عليهما ، فوجود القوة المصرية فيها قد أزال ذلك القلق .
الرجل وحسب قوله قلق مثل قلق مصر ، والقلق مرجعه خوفه من قيام الاسرائيلون باحتلال الجزيرتين ، فيصبحا خطراً على بلاده مثلما هما خطر على مصر ، هل مخاطبة الملك بهذه الصورة لقنصل بلاده في القاهرة وبهذه العبارة التي لا تفيد شئ ، صارت هي الحجة القاطعة والبرهان الثابت للتنازل عن الجزيرتين ؟
وإذا ما فرضنا فرضا يخالف الحقيقة والواقع والعقل أن “صنافير وتيران” جزيرتين سعوديتين ورقيا وليس فعليا ، كيف تواتي مصر الجرأة وكيف تصاب بالغفلة المطلقة لتتنازل عنهما وتفرط فيهما بكل هذه السذاجة وبكل هذه السهولة ، وهما صمام حيوي من صمامات الأمن القومي المصري ، وكيف لمصر أن تقوم في لمح البصر بإلغاء وجودها على الجزيرتين بعد التواجد المستقر لمدة 66 عام ؟ هل هناك سذاجة مفرطة أكثر من ذلك ؟ و هل تستطيع مصر استرداد ميناء إيلات “قرية أم الرشراش المصرية” من إسرائيل ، وهل تقبل اسرائيل بالتنازل طواعية عنه مثلما فعلنا ؟ رغم أننا لسنا محتلين لصنافير وتيران وإسرائيل هي المحتلة لأم الرشراش ، لا أعتقد أن إسرائيل بمثل سذاجتنا وجنوننا ؟
لقد كان من المفترض أن يحدث العكس ، وبدلا من التنازل عن جزيرتين ، كان المتوجب علينا أن نطالب السعودية بالأراضي التي كانت تخضع لنا رسميا وفعليا (ضبا ومويلح وغيرها حتى منطقة الوجه) والتي كانت لنا الولاية عليها مع خليج العقبة بكامله.
لقد تنازلنا آنفاً عن التكية المصرية لإخوتنا السعوديين بروح الإخوة والمحبة ، رغم أنها أملاك مصرية في السعودية ، لكن جزيرتي صنافير وتيران ليستا من التكايا المصرية في السعودية لنتنازل عنهما ، ولمن لا يعلم عن التكية المصرية ، نقول أنه كانت لمصر تكيتين ، واحدة في مكة والأخرى في المدينة المنورة ، وكانت مصر تنفق عليهما ، وكان موقوفا للصرف عليهما أربعة آلاف وسبعمائة وواحدا وخمسين فدانا ، وكان للتكية ناظر ومعاون وبها طاحونة لطحن القمح وفيها مطبخ واسع به ثمانية أماكن يوضع عليها أوان ثمان من ذات الحجم الكبير (قزانات ) وفيها مخبز ذو بابين يُخبر به العيش ومخزن وحجر للمستخدمين ، وكانت “تطعم” سكان المدينة المنورة ومكة المكرمة وكذلك حجاج بيت الله الحرام ، وكان يرد إليها من الفقراء في الصباح والمساء ، فيتناول الفقير في كل مرة رغيفين وشيئا من “الشربة” وربما أعُطي أكثر من ذلك إن كان فقره مدقعا , وكثير من نساء مكة والمدينة وحواريها الفقراء يتعيشن بما يأخذنه ويكتفين بذلك عن مسألة الناس ، وكان يصرف يوميا من الخبر والأزر واللحوم والسمن. وتزيد الكميات كل يوم خميس ، وكذلك طوال أيام شهر رمضان المبارك ، وأيام الحج.
لقد أظهرت هذه الاتفاقية الإعلام المصري مجللاً بالعار وهو يدافع باستماتة عن تنازلنا للآخرين عن جزء غال وعزيز وهام من أرضنا ، ضبطته متلبساً بالخيانة وهو ويمسح الوقائع والحقائق والفرمانات ويمحو التاريخ السابق لعام 1950م بأستيكة الريالات والدولارات ، و لو أرادت السعودية أن تروج لنفسها وتدافع عن موقفها ، ما استطاعت أن تفعل نصف ما فعله لصالحها ولا زال يفعله إعلام الجهل والعار.
الاتفاقية أظهرت أيضا حجم وكم الدجل والشعوذة الفكرية ومقدار الجهل الذي تحمله دواب عجماء في عقولها وتنقله على ظهورها الى صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي ، نقلت وتناقلت وروجت بشكل ساذج خلطة بلهاء ، تربط بين تنازلنا عن أرضنا أو على الأقل عن حقوقنا في “صنافير وتيران” وبين بناء جسر أو كوبري بينا وبين السعودية ، وتربط بين تنازلنا وبين معاهدة “كامب ديفيد” مع إسرائيل .
وكأن الجسر لن تصلح إقامته وإنشائه إلا بالتنازل عن حقوقنا وأرضنا ، وكأن الجسر فيه حياتنا وبدونه سنموت على قارعة الطريق ، وكأن الجسر لن يأتي الينا بمزيد من المخنثين الباحثين عن السكر والعربدة ، وكأن الجسر لن يحول شرم الشيخ وغيرها الى فرج كبير للسعوديين والخليجين الذين سيُذهبون بجمالها ومكانتها اليى حيث لا رجعة ، وكأن حركة التجارة العابرة للجسر لن تقلل من حجم التجارة العابرة لقناة السويس .
وبسذاجة مفرطة يصدق العامة والدهماء الربط بين التنازل الجزيرتين وبين معاهدة “كامب ديفيد” ويروجون لنظرية حمقاء ، مفادها أن السعودية تستطيع وضع قوات وأسلحة كثيفة بالجزيرتين خلافا لما نصت عليه الاتفاقية ، وهذا منتهى الخبل والغباء ، ألا يعرفون أنه لو حدث هذا فستكون نهاية المستحيلات ، ولقد أتت هؤلاء البلهاء الصفعة فورية وعاجلة وقوية ، حين خرج السعوديون دون أن يضيعوا وقتاً وسارعوا بالتأكيد على عدم مساسهم أو مخالفتهم لأى بند في المعاهدة .
أخيرا وليس آخراً أقول للمضللين هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، هاتوا التاريخ الذي لم يمت ولم ينتحر بعد ، هاتوا ألأدلة والوثائق والحجج والاتفاقيات والفرمانات قبل نشأة السعودية عام 1932م وقبل العام 1950م المزعوم لتلتقمهم فم الحقيقة الوحيدة والمؤكدة التي تقر بمصرية الجزيرتين .
لقد قام أبناء مصر وعلى مر تاريخها ببذل الروح والدماء والغالي والنفيس من أجل ترابها ، وليعلم الجميع أن مصر لن تكون كاليمن ، ولن تبيع شبرا واحدا من أراضيها مثلما باعت اليمن جزءً من أراضيها للسعودية .