وضع المستشار محمد نور فرحات من خلال مقالة قام بنشرها على موقع المصرى اليوم نقوم بإعادة نشرها القول الفصل فى قضية جزيرتى تيران وصنافير
واليكم نص المقالة
توقف المصريون تماما عن الحديث فى قضايا ألهبت مشاعرهم طوال الأسابيع الماضية، وأخصها مسألة إقالة رئيس الجهاز المسؤول عن مكافحة الفساد.
هذا فى دولة يقال إنها عقدت العزم على مكافحة الفساد. إقالة حولها كثير من الشبهات الدستورية والقانونية والسياسية.
وتوقفوا أو نسوا تماما الضجة الدولية التى أثارها عجز الدولة حتى الآن عن التوصل إلى المجرم الحقيقى فى قضية ريجينى. وهى القضية التى أثارت توترا شديدا فى العلاقات المصرية الإيطالية بل الأوروبية.
وتفرغ المصريون للحديث اليوم فى موضوع جزيرتى تيران وصنافير، بعدما استيقظوا ذات صباح وفوجئوا بأن حكومتهم وقعت بعد انهماك فى عمل سرى لشهور تسعة، اتفاقا مع السعودية لرسم الحدود، تنازلت بمقتضاه عن جزيرتين كان المصريون يظنون أنهما جزء من إقليم مصر، ثم استبانوا وقيل لهم إن ظنهم من قبيل الإثم.
لن أفيض فى الحديث فى الحجج القانونية والسياسية، لكننى أبدى رأيى هنا انطلاقا من مبادئ المواطنة والمشاركة وحرية التعبير التى نص عليها الدستور، فالساكت عن حق الوطن شيطان أخرس.
ليسمح لى القارئ إذًا ببعض الحديث المشوب بمرارة عن معاهدة تقسيم الحدود بين مصر والسعودية التى قد يكون مجلس نواب الدولة قد أقرها قبل نشر هذا المقال، ولكنها شهادة أمام المجتمع.
أولا: أظن أن احتقان الوجدان المصرى بمناسبة تنازل مصر عن الجزيرتين للسعودية فى اتفاقية رسم الحدود قد كشف عن حساسية بالغة لدى المصريين تجاه كل ذرة تراب من وطنهم، وكشف من ناحية أخرى عن سوءات قطاع أصبح مؤثرا فى قرارات الدولة المصرية من التكنوقراط والإعلاميين المصريين الذين يجعلون بؤرة آرائهم إرضاء السلطان/ أى سلطان.
وإليكم الواقعتان التاليتان: قبل أن أتحدث لوسائل الإعلام بكلمة واحدة فى هذا الموضوع حادثت أستاذا وزميلا فاضلا يعتبره الكثيرون حجة فى موضوع الحدود وقوانين البحار، وتربطنى به على المستوى الشخصى علاقة ود قوية، رغم أنه كان من مشرعى مبارك ومن ركائز نظامه.
سألته عن رأيه فى اتفاقية رسم الحدود. قال لى هاتفيا إنه لا يدرى عن هذه الاتفاقية شيئا وأن معرفته بهذا الأمر محدودة لأن كتاباته مقتصرة على الجانب النظرى.
فوجئت به يدلى بتصريحات فى اليوم التالى مباشرة أن الجزيرتين سعوديتان بالوثائق. بل أكثر من ذلك نشر عنه لاحقا أنه كان قد وقع مع وزير الخارجية وقتئذ د. عصمت عبدالمجيد خطابا إلى رئيس الوزراء عاطف صدقى حول أحقية السعودية فى الجزيرتين، بل قد حضر لقاء الرئيس بالسياسيين يوم الأربعاء وأيد حق السعودية فى الجزيرتين. فيا عجبا ممن لا يقدمون معرفتهم إلا للسلطان وفق هواه.
ثانيا: يوم الثلاثاء الماضى حادثنى معد برنامج تليفزيونى يقدمه إعلامى نحمل له احتراما وتقديرا، لإبداء رأيى هاتفيا فى موضوع الوثائق المؤيدة لحجج السعودية.
اقتصرت على مناقشة الحجج القانونية وانصرفت.
تابعت رد الفعل لدى ضيفه فى الاستديو وهو صحفى شهير ونائب أشهر، ومعروف بسبق مناصرته للقذافى وصدام ومبارك ومن تبعهم من ذوى السلطان الأكبر. فإذا به يتحدث تعليقا على حديثى بانفعال شديد واستعلاء أشد عما سماه بمخطط هدم الدولة، والخيانة، ودور المخابرات الأجنبية فى مقتل ريجينى، وغير ذلك من الصراخ الأهوج التى لا يتعلق بموضوعنا ولكن يتعلق بتوجيه اتهامات تتردد كثيرا على ألسنة رجال الأمن.
أيقنت عندئذ أننا لسنا بصدد مناقشة هادئة بل بصدد مصارعة أشبه بمصارعة الثيران.
وتفهمت سبب حساسية بعض الإعلاميين لتناقضهم بين ادعائهم أنهم رافعوا أعلام الوطنية وحماية الدولة وبين كونهم مدافعين فى نفس الوقت عن حقوق دولة أجنبية فى إقليم يعتقد بعض مواطنيهم أنه جزء من أرض وطنهم.
ولكننى لم أتفهم بحق لماذا تسعى حكومتنا الموقرة إلى تقديم أدلة لدولة أخرى على أحقيتها فى إقليم متنازع عليه. وقد جرى العرف أن تحسم هذه الأمور بين الدول عن طريق التحكيم لا التسليم.
وبلغة المحامين نحن أمام مدعى عليه يقدم الأدلة عن طواعية إلى خصمه المدعى دون طلب منه.
ثالثا: وبمناسبة حماية الدولة فأظن أن الذين خرجوا يوم 25 يناير و30 يونيو هم الحماة الحقيقيون للدولة، وليس من اعتادوا التسبيح بحمد كل حاكم وأى حاكم بعبارات النفاق الديماجوجى التى يقتنع بها حكامنا ويطربون لها. والنتيجة معروفة خبرناها فى نكسة 67 وتخريب مصر فى عهدى السادات ومبارك ونهايتهما المأساوية، خبرة التاريخ أن صديقك من صدَقك لا من صدّقك.
رابعا: أما عن الوثائق التى يتحدث عنها الجميع حتى إننا أصبحنا فى حرب تسمى حرب الوثائق، فملاحظاتى كالتالى:
1- ليست كل ورقة مودعة فى أرشيف الحكومة المصرية تصلح أن يحتج بها كوثيقة لإثبات حقوق إقليمية. فالوثيقة الملزمة التى ترتب مركزا قانونيا لا بد إما أن تكون اتفاقا بين طرفين فى شكل معاهدة مصدق عليها، وإما أن تكون إقرارا ممن يملك الإقرار.
لدينا فى هذا الصدد معاهدة واحدة وهى المعاهدة المنعقدة بين الباب العالى صاحب الولاية على الحجاز سنة 1906، وبين خديو مصر حددت حدود مصر الشرقية.
لم يرد ذكر فى المعاهدة لملكية ولاية الحجاز للجزر لسبب بسيط أن هذه المعاهدة جعلت حدود مصر تبدأ من الحدود البرية للحجاز.
أى أنها جعلت خليج العقبة بأكمله خليجا مصريا وحرمت ولاية الحجاز من أى حقوق بحرية فيه.
ولدينا بعد ذلك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى سلمت سيناء ومعها الجزر لمصر ولم يأت ذكر فيها للسعودية.
ولم تدّع السعودية يوما طوال الصراع العربى الإسرائيلى أن لها أرضا محتلة، سواء سنة 1956 بعد العدوان الثلاثى، أو سنة 1967 بعد حرب الأيام الستة.
فلم نسمع يوما أن السعودية قد تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن باحتلال أراضيها بواسطة إسرائيل.
خلاف ذلك أوراق لا قيمة قانونية لها.
ما يقال عن تأجير السعودية الجزيرتين لمصر زعم شفوى مرسل بلا دليل. وما قيل عن إيداع السعودية وثيقة لدى الأمم المتحدة تزعم ملكية الجزيرتين لا يصلح حجة على مصر لأن المزاعم لا تولد حقوقا، خاصة إذا كانت مصر قد ردت على ذلك بإيداع وثيقة مقابلة.
وخطاب د. عصمت عبدالمجيد إلى رئيس الوزراء الذى أشار فيه إلى رأى د. مفيد شهاب هو مجرد مكاتبة داخلية لا تولد حقا قانونيا.
وخطاب د. عصمت عبدالمجيد إلى وزير الخارجية السعودى فى الثمانينات الذى يقر فيه بملكية المملكة فى الجزيرتين هو خطاب صدر ممن لا يملك إلى من لا يستحق.
لأن المادة151من دستور 1971 لا تجعل للحكومة اختصاصا فى هذا الشأن بل هو من اختصاص رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الشعب.
إذًا كل هذه الأوراق لا تعويل عليها سوى معاهدة 1906التى وقعت قبل نشأة السعودية، واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل التى لم تكن السعودية طرفا فيها.
فلنتوقف إذًا عن الحديث عن الوثائق والخرائط والخرائط المضادة.
وإن كان مسؤولونا يريدون الاحتكام لها فلا يكون ذلك بتصرف انفرادى فى حجرات مغلقة بعيدا عن الشعب، بل بإحالة الأمر إلى التحكيم الدولى ولنرتض بحكم المحكمين.
خامسا: ما لا يدركه الكثيرون ومنهم الإعلاميون، رافعو رايات الوطنية ودعم مصر، أن القضية لدى جموع المصريين ليست قضية خرائط ووثائق وخطابات. بل قضية تاريخ وأرواح أهدرت ودم أريق.
أغلق عبدالناصر مضيق تيران سنة 1967ولم تفتح السعودية فمها بكلمة معارضة أو مساندة وكأن الأمر لا يخصها.
وسالت دماء الجنود المصريين وصعدت أرواحهم إلى بارئها دفاعا عن سيناء، وخاضت مصر معاركها الدبلوماسية وحرب الاستنزاف وسط صمت من يطالبون بحقوقهم الآن.
وبعد أن نضجت الثمرة أخذوا يتحدثون عن الحقوق التاريخية. أى حقوق تاريخية هذه؟ فليأت لنا أحد بورقة واحدة تثبت أن السعودية قد مارست سيادتها لحظة واحدة منذ إنشائها فى الثلاثينات على الجزر.
يقول المدافعون عن السعودية من مسؤولينا إن ترك ممارسة مظاهر السيادة لا يعنى التنازل عنها.
وهكذا تحولت الحكومة المصرية إلى محام يحاول تضليل محكمة الشعب باصطناع الأدلة الكاذبة لمصلحة من يتسلل ليلا للنيل من حق الشعب على إقليمه.
ما لا يدركه الكثيرون أن الحقوق التاريخية لا تكتسب بالجوار فقط بل بممارسة السيادة فعلا.
لا تنسوا أن الأسطول البريطانى قطع مئات الأميال البحرية لاسترداد الجزر الملاصقة للأرجنتين لأن بريطانيا كانت تمارس السيادة الفعلية عليها. ولم يتحدث أحد فى بريطانيا وقتئذ عن الوثائق والخرائط لأنهم يعرفون معنى الكرامة الوطنية.
سادسا: دعونا نسلم مع من يدعون ملكية السعودية للجزيرتين حتى باب الدار. ألم تكن مصر تمارس السيادة الفعلية عليهما منذ سنة 1950 حتى الآن؟، ألم تنشر قرارات فى الوقائع المصرية حول إنشاء الشرطة وتنظيم الاختصاص القضائى الداخلى المتعلق بالجزيرتين؟، إن مسؤولينا يسمون ذلك إدارة وليس سيادة.
هل هناك اتفاق مكتوب على الإدارة مثل اتفاقية رودس التى أتاحت لمصر إدارة غزة؟، لا يوجد أى اتفاق أو معاهدة. السيادة هى سلطة تمارسها الدولة على إقليم.
وقد مارست مصر سيادتها على الجزيرتين منذ الخمسينيات ولم يكن لأى مواطن أجنبى أن يدخل الجزيرتين بمن فيهم مواطنو السعودية دون تأشيرة دخول مصرية.
المادة 151 من دستورنا الحالى تلزم عرض المعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة على الاستفتاء الشعبى للموافقة عليها قبل عرضها على مجلس النواب للتصديق.
عرض المعاهدة على مجلس النواب للتصديق قبل الاستفتاء مخالف للدستور وإجراء منعدم. ما أقترحه مخلصا على البرلمان عندما تأتيه المعاهدة ما يلى (إن لم يكن قد صدق عليها فعلا فى لحظات قبل نشر هذا المقال):
أن يطلب رئيس المجلس نفاذا لما نص عليه قانون مجلس الدولة، رأى الجمعية العمومية للفتوى والتشريع به، فى دستورية تصديق مجلس النواب على الاتفاقية قبل استفتاء الشعب عليها.
فإن أجاز مجلس الدولة ذلك أو إن أقرها الشعب، فليشكل مجلس النواب لجنة موسعة من النواب وخبراء المساحة والحدود البحرية والقانون الدولى والجغرافيا والتاريخ للإجابة عن سؤال واحد: هل هذه الجزر جزء من إقليم مصر أم لا ؟ فإن انتهت اللجنة إلى أنها ليست جزءا من إقليم مصر، فعلى مجلس النواب أن يبحث فى الجوانب السياسية المحيطة بالمعاهدة. وهل للمعاهدة علاقة بتكرار الطلب الأمريكى بسحب القوات المتعددة الجنسيات من سيناء؟
وهل من الوارد إنشاء قواعد عسكرية أمريكية فى الجزيرتين مستقبلا دون موافقة مصر؟، وما الضمان؟، وما صلة المعاهدة بما يتردد عن اكتشافات بترول وغاز محتملة فائقة الثراء فى الخليج؟.
أليس من حقنا مناقشة مصيرنا بشفافية مطلقة؟، أم أنه سيطلب منا السكوت حتى يظهر ما خفى من تبعات ثقال بعد سنين مثلما سكتنا سنة 56 و67 وما بعدهما؟.
هذا إن كنا نسلم أننا شركاء فى وطن واحد ولسنا رعايا نؤمر فنطيع.
والله من وراء القصد.